بقلم – روماني صبري
"الوالي العثماني : كل ليبي لا يدفع الضريبة العثمانية ضعوه على ظهر احد الجمال، أو جروه وهو مكتوف بذيل حصان، بعدها القوه في السجن، وفي حالة نجح في الهروب من عذابكم، ألزموا جاره بدفع ضريبته."
ما أشبه اليوم بالأمس
ما تم ذكره ليس من صنع خيال احد الكتاب، انه كابوس عاشه الشعب الليبي في ظل حكم الدولة العثمانية التي اغتصبت الأطفال والنساء وشرعت تنهب خيراته فور غزوها للبلاد، وإعلان الحكم العثماني على طرابلس عام 1551م، وها هو السلطان العثماني رجب طيب أردوغان الرئيس التركي الحالي اكبر داعم لجماعة الإخوان الإرهابية يسعى جاهدا لإعادة دولة أجداده التي تقوم على القتل داخل عدد من البلاد العربية منهم ليبيا.
الأهم تحقيق شهوات الوالي
ويكشف الجحيم الذي عاشه الليبيين في هذه الفترة الشيخ المؤرخ الطاهر الزاوي في كتابه "ولاة طرابلس" قائلا :" لم يعرف الأتراك الاهتمام بالعمران في ليبيا لا قليلا ولا كثيرا، عاش العثمانيون في طرابلس أكثر من 300 سنة، ولما جاء الاحتلال الإيطالي في أكتوبر سنة 1911 لم يكن في البلد نور كهرباء، ولا شبر من السكة الحديد، لم يكن هناك واحد يحمل شهادة دكتوراه في الطب، ولا شهادة ليسانس في الحقوق، المسافر كان يأتي إلى المدينة فيمشي في الصحراء حتى يصل سور المدينة، انتهجوا الفوضى والظلم وسلب الأموال، وعدم التقيد بأي شريعة إلا فيما تمليه إرادة الوالي من كل ما يوفر له شهواته ونزعات نفسه".
حتى المحرمات فعلوها
موضحا :" اضطر كثير من زعماء القبائل إلى الثورة على الولاة لما يلاقونه من حيف وعدم إنصاف، وكثيرا ما يعدهم الوالي بالوفاء بما يطلبونه "خداعا منه " حتى إذا سكنت الثورة ووصل إلى غرضه خان العهد، ورجع إلى سيرته الأولى من السلب والنهب، وكثيرا ما امتدت أيديهم إلى المحرمات مما يضطر الناس إلى الثورة، وهكذا دواليك"، وكل من أعجزه الفقر عن دفع الضريبة فليس أمامه إلا أن يحمل إلى السجن في شبكة على ظهر جمل، أو يكتف ويربط في ذيل حصان ويجر إلى السجن، وإذا أفلت من هذا العذاب فليس أمامه إلا الجلاء، وحينئذ يلزم جاره بدفع ما كان عليه، فإذا عجز فعل به ما فعل بمن تقدمه بحيث لا ينقص وارد الحكومة بنقص السكان".
تركوا بلادنا خالية من مقومات الحياة
ويشير الزاوي قائلا :" تولى طرابلس 72 واليا تركيا، مات منهم بالقتل أو الانتحار أكثر من 70% نتيجة لتسلط الجيش على مقاليد الأمور في البلد، وكان يؤتى بصاحب المقهى من مقهاه، وبالخياط من حانوته وينادى به واليا على طرابلس، وهذا قليل من كثير مما عانته طرابلس في العهد التركي، حتى جاء الاحتلال الإيطالي وهي لا تملك من مقومات الحياة أي شيئا، لذلك منذ ذلك الوقت والليبيون في صراع مرير مع الترك للتخلص من ظلمهم واستبدادهم وفساد حكمهم، وقد ثار عليهم شعبنا أكثر من 30 مرة في فترات من الزمن ، قام بها رؤساء القبائل في كلا من طرابلس وبرقة، وما كان السكوت عن الثورة في بعض الأحيان إلا انتظار للفرص والظروف المواتية".
اغتصاب طفل أمام أبيه
حين حكم طرابلس الوالي عثمان باشا الساقسلي، معدوم الضمير الذي عرف بالقسوة والظلم راح يغتصب النساء المتزوجات، وفي عهده تم اغتصاب طفل أمام أعين أبيه، فأخذ الرجل يصرخ باكيا مستغيثا بالمارة عل أحدا منهم ينقذ طفله، فما كان من الوالي إلا الحكم عليه بالضرب بالسياط كونه صرخ واستغاث بالناس، بعدها أقدم الساقسلي على الانتحار بدس السم لنفسه حيث أبصر وقتها عدد كبير من الغاضبين الذين رددوا قائلين : ارتكب الكثير من الجرائم في حقنا هو وأقرباؤه ومنهم من عينهم قوادون، لذلك نريد رأسه."
اكبر مذابحهم في ليبيا
وعبر فيلم وثائقي كشفت قناة " تركيا الآن"، اكبر مذابح الأتراك في ليبيا، وهي مذبحة "الجوازي"، التي كانت تسكن شرق "برقة"، ورفضت دفع الجزية للأتراك، في 5 سبتمبر عام 1817، دعا والي طرابلس 45 من قادة من قادة القبيلة للاجتماع معهم، وكونه بارع في الخيانة قتلهم جميعا وذبح 10 آلاف من أبناءهم نواحي برقة.
ثورة غومة
بعدها جاءت ثورة غومة المحمودي، وهو شيخ المحاميد الذي قاد الثورة الليبية ضد العثمانيين أكثر من 20 عاما، شهد عام 1835 إعلان غومة الثورة على العثمانيين ردا على ارتفاع الضرائب والطرق الوحشية في جمعها، ليخوض 28 معركة انتصر فيها على هذه الدولة الاحتلالية.
عودة الثورة الليبية ضد الترك
في عام 1843 سقط الشيخ أسيرا في أيدي القوات العثمانية وتم نفيه إلى مدينة طرابزون، ثم في عام 1854عاد الرجل إلى ليبيا وأشعل الثورة مرة أخرى ضد العثمانيون، وظل يخوض المعارك ضدهم حتى 26 مارس عام 1858 عندما اغتاله الأتراك في كمين جنوب طرابلس.
العثمانيون يسلمون ليبيا لمحتل جديد
بعد وأد الثورة الليبية، لم يبق أمام الدولة العثمانية سوى تسليم البلد العربي للمحتل، حيث حدث في سبتمبر عام 1911 غزو ايطاليا لطرابلس والتي شرعت تقصفها عبر أسطولها البحري، وسط تخاذل العثمانيون في الحرب الذين مكنوا المحتل الايطالي من غزو طبرق ودرنة والخمس بكل سهولة، وأمام كل هذا وقف المجاهدون الليبيون وحدهم يخوضون المعارك ضد ايطاليا، وفي 23 أكتوبر عام 1911 حققوا نصرا منفردا عليهم في معركة الهاني، لكن تركيا أبت في الوقت نفسه إلا أن تمضي في طريق الخيانة كعادتها لتوقع في 18 أكتوبر عام 1912 معاهدة "أوشي" لتسلم فيها الشعب الليبي إلى ايطاليا المحتل الأجنبي الجديد ليذيقهم من جديد العذاب والمعاناة.