د.جهاد عودة
الكولونالية الإثيوبية الإسرائيلية لا يجب أن ينظر إليها فى إطار إقليمى كولونالى فحسب، ولكن أيضا فى إطار عالمى فى سياق تغيير القوة الدولية من الواحدية الأمريكية إلى تعددية مراكز القوة الدولية، ويلاحظ أن هناك عملية توريث دولى أو فى قول آخر تخليق لقطب دولى من داخل رحم القوة الأمريكية العاجزة الاستمرار فى الهيمنة العالمية.
يعيش ما يصل إلى 250.000 إثيوبي في العاصمة واشنطن وحولها، أكثر من أي منطقة حضرية خارج العاصمة الإثيوبية أديس أبابا نفسها، هناك العديد من المطاعم والمحلات التجارية والشركات التي تقدم خدماتها للإثيوبيين بحيث أن المجتمع لديه دفتر هاتف خاص به مكون من 1000 صفحة، وقد تسببت الحرب الأهلية في البلاد، والتي أدت في النهاية إلى استقلال إريتريا، بعشرات الآلاف من الإثيوبيين لطلب اللجوء في الولايات المتحدة خلال التسعينات من القرن الماضى.
في عام 2018، بعد أسبوع من أداء اليمين الدستورية في 2 أبريل لأبي أحمد كرئيس جديد للوزراء في إثيوبيا، اعتمد مجلس النواب الأمريكي بالإجماع قرارًا كان صريحًا بشكل غير معتاد للسياسة العامة الأمريكية في انتقاده للحكومة الإثيوبية، الأمر الذى دفع آبى إلى زيارة إسرائيل فى 31 أغسطس 2019
ترجع العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية إلى عقود بعيدة في فترة الخمسينيات من القرن العشرين، كما أنها تعد من أقدم العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل مع دولة أفريقية، وتطورت في عام 2004 حينما أعلنت إسرائيل عن نيتها في تطوير الصناعة والزراعة في إثيوبيا عن طريق استخدام التكنولوجيا الزراعية، وأرسلت وفدا اقتصاديا من 22 شخصية اقتصادية كبرى لهذا الغرض.
وفي عام 2014 تقدمت أكثر من مائتي شركة إسرائيلية للحصول على تراخيص تجارية للعمل في مجالات مختلفة في إثيوبيا، وفي عام 2016 زار نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل العاصمة الإثيوبية ووقع مع رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام ديسالين عدة اتفاقيات تتعلق بدعم التعاون في مجالات التكنولوجيا والزراعة، والسياحة، والتكنولوجيا، والاستثمار، كما دعمت إسرائيل وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم المرشح لرئاسة منظمة الصحة العالمية، وهو المنصب الذي فاز به عام 2017.
تسعى إسرائيل إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع إثيوبيا، حيث لا يتجاوز 70 مليون دولار في الفترة الحالية، وكذلك حجم الاستثمار والذي لا يتجاوز 58 مليون دولار.
ويعد التعاون الأمني الذي يحرص الطرفان على تطويره من أهم توابع هذه العلاقة على المنطقة، حيث ترى إثيوبيا في إسرائيل شريكا أمنيا ومصدرا للاستثمار، وهو ما جعل "أحمد" يقول: "أريد بث الروح فى علاقتنا الثنائية وفق المصالح المشتركة وتوجيهها نحو الشراكة الاستراتيجية".
وبحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن الزيارة تشير إلى مدى ما توليه إسرائيل "أهمية كبيرة للعلاقة الثنائية لأنها ستسهم في تعزيز العلاقات وتقوية التعاون بين البلدين".
بدأ نتنياهو المحادثات بالتركيز على هدفه لزيادة التجارة الثنائية بعشرة أضعاف.
يبلغ حجم التجارة بين إثيوبيا وإسرائيل حاليا حوالي 300 مليون دولار، كما أكد نتنياهو على تعزيز العلاقات الأمنية في المجالات التي تشمل التعاون في مكافحة الإرهاب.
وقع الزعيمان على بيان مشترك، كما زار رئيس الوزراء الإثيوبي المديرية الوطنية الإسرائيلية للإنترنت، ومن المعروف أن ابى قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، كان آبي نائب رئيس السيبرانية في البلاد، وهو أول رئيس وزراء من عرقية أورومو، كما أنه مسيحي خمسيني بروتستانتي.
وقد التحق بالجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، وشارك في الصراع المسلح عام 1990 ضد حكم نظام منغستو هيلا مريام، وبعد سقوط النظام سنة 1991 التحق رسميًا بالجيش الإثيوبي، ثم انضم إلى وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل رتبة عقيد عام 2007.
غادر المخابرات في 2010، وقام آبي بتغيرات مؤسسيه بدءا من تغيير رئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية.
وفي تعديلات هي الأولى، ومكن النساء مسندا لهن نصف حقائب الحكومة وعين عائشة محمد موسى كأول سيدة لحقيبة الدفاع في تاريخ البلاد، كما قدم لاحقا السفيرة السابقة سهلى ورق زودي كأول رئيسة للبلاد.
تحسنت العلاقات بين إثيوبيا وإسرائيل على مدى العقود الثلاثة الماضية مع عودة العلاقات الدبلوماسية في عام 1989 بعد أن قطعت أديس أبابا العلاقات مع إسرائيل نتيجة للحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967، وتعد إثيوبيا دولة مهمة لإسرائيل، سياسيًا ومن الناحية الاستراتيجية أديس أبابا مهمة لما تقدمه لإسرائيل من مساعدة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، حيث بدأت أديس أبابا في فتح أسواقها للمستثمرين الأجانب، لكن سياسات الحرب الباردة القديمة وصراعات إسرائيل مع جيرانها العرب كان لها تأثير على تطوير شراكة استراتيجية بين البلدين.
تعامل آبي أحمد مع مشكلة "سد النهضة" بشكل مختلف، حيث ألغى عقد شركة "ميتك" الإثيوبية التابعة للجيش، والمنفذة للأعمال الهيدروميكية في مشروع سد النهضة، وأقر خلال مؤتمر صحفي في أديس أبابا بتأخر أعمال بناء سد "النهضة"، التي كان مقررا أن تنتهي في 2017، بسبب إخفاقات شركة "ميتك" الإثيوبية، وعُثر بعدها على جثة مدير مشروع سد النهضة سمنجاو بقلي مقتولا في سيارته وسط أديس أبابا، وأعلنت الشرطة لاحقا أنه انتحر بمسدس خاص كان موضوعا داخل سيارته.
وعين "كيفلي هورو" خلفا لسيمنجاو مديرا لمشروع سد النهضة وتعهد باستكمال العمل في بناء سد النهضة، وأنه سينتهي بحلول عام 2022، هذا واحتجت وزارة الخارجية المصرية رسميا على مواصلة بعض الشركات الدولية لعمليات إنشاء سد النهضة الإثيوبي.
وقالت الخارجية في بيان رسمي إن اجتماعا عُقد مع سفراء ألمانيا وإيطاليا والصين، باعتبارها الدول التي تعمل شركاتها في سد النهضة.
وحسب وسائل إعلام إثيوبية وعالمية، فإن الشركات الدولية العاملة في المشروع تتضمن "ساليني إمبريجيلو" الإيطالية التي تتولى دور المقاول الرئيسي، كما تضمنت تلك الشركات "ألستوم" الفرنسية التي تقوم على أعمال التوربينات والمولدات والمعدات الكهروميكانيكية، وكذلك مجموعة الهندسة الميكانيكية الألمانية "فويث" التي تم الاتفاق معها على توريد توربينات.
وتتضمن الشركات مجموعة Gezhouba الصينية المحدودة للإنشاءات والمقاولات، وشركة Voith Hydro Shanghai الصينية التي تعمل في استكمال بناء محطة التوليد بالسد.
والسد الذي عملت الحكومة الإثيوبية على تخطيطه وتصميماته سرا تحت اسم "المشروع إكس" اعتمد في اختيار الموقع على دراسات قام بها مكتب الاستصلاح الأمريكي تابع لوزارة الداخلية الأمريكية، في الفترة بين 1956 و1964.
وأجرت إثيوبيا مسحين آخرين لموقع التنفيذ في أكتوبر 2009 ثم في الفترة بين يوليو وأغسطس 2010 قبل أن تنتهي من التصميم في نوفمبر 2010، ولم تعلن إثيوبيا عن تصميم "المشروع إكس" سوى قبل شهر واحد من وضع حجر الأساس، ليتغير اسم المشروع لاحقا إلى "سد الألفية" ثم "سد النهضة".
جاء تعميق علاقات إسرائيل مع إثيوبيا جزءا من استراتيجيتها في جميع أنحاء أفريقيا، في عام 2016، أعلن رئيس الوزراء نتنياهو عن سياسة أفريقية جديدة تسمى "العودة إلى أفريقيا" لتوسيع علاقاتها مع دول مثل إثيوبيا واستكشاف دول جديدة، ونتيجة لذلك، قام نتنياهو بعدة زيارات رسمية لدول في شرق أفريقيا، وتخطيط لزيارات جديدة في غرب أفريقيا.
وعملت دول أخرى بجانب إسرائيل، مثل الصين، واليابان، والهند، والولايات المتحدة، وروسيا على إنشاء منتديات لرؤساء الدول الأفريقية وعقد لقاء مع نظرائهم بانتظام.
نجح آبي فى السياسته الخارجية عندما أنهى زيارة عالية الأهمية استراتيجيا لكل من كوريا الجنوبية واليابان.
يقول تيودروز تيرف، رئيس رابطة أمهرة الأمريكية، وهي مجموعة مناصرة للولايات المتحدة من أجل أمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا: "لا يوجد بلد أفريقي آخر لديه هذا النوع من العلاقات مع الولايات المتحدة"، لأن إثيوبيا لم تكن مستعمرة، كانت قادرة على إقامة علاقة مباشرة رسمية مع الولايات المتحدة تعود إلى عام 1903 عندما سلم ممثل الولايات المتحدة أوراقه إلى الإمبراطور مينليك.
يشمل نفوذ الولايات المتحدة في إثيوبيا معلما ماليًا كبيرًا، إلا أن هذا المعلم لا يشمل تمويل الأمن - حجمه غير معروف -
وتلقت إثيوبيا حوالي 4 مليارات دولار (3 مليارات جنيه استرليني) من حكومة الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس الماضية تجاه القضايا الإنسانية والتنمية.
وفي الوقت نفسه، قدرت التحويلات من الشتات العالمي في إثيوبيا في عام 2017 بنحو 4.6 مليار دولار، وفقًا لحسابات الاتحاد الأوروبي.
ويقول تيودروز إن الجزء الأكبر يأتي من الولايات المتحدة بسبب ارتفاع عدد الأفراد الذين يحولون أموالهم لعائلاتهم، بالإضافة إلى أنهم أكثر ثراء من الشتات في أي مكان آخر.
وأكد رئيس الرابطة أن منظمته تعاونت بشكل وثيق مع المشرعين الأمريكيين الذين يدعمون القرار الرابط بين الإصلاح والمساعدة: "إذا نظرت إلى الإصلاحات التي أعقبت إثيوبيا، فإنها تتطابق بشكل أساسي مع جوهر القرار، نحن في الشتات نعرف أنه من خلال وجودنا هنا في أقوى دولة في العالم، يمكننا محاولة الاستفادة من ذلك للتأثير على الأشياء في إثيوبيا، لأن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة ستتبعها على الأرجح دول أخرى".