لا أكتب لأنعيك ’ ولا أكتب لكى أذكر سبب رحيلك وأدخل فى الجدل القائم ’ فلقد "تعددت الأسباب والموت واحد" كما يقول العرب .
ولكنى أكتب لأتذكر والذكرى فى اللاهوت الذى اشتقت اليه وعشته ببساطه وان لم تسمح لك ظروفك بالتمعن فيه أكاديميا ’ ولكنك درست فنون الزراعة فى كلية الزراعة ’ وهل الكاهن شئ أخر غير زارع للكلمة فى قلوب الناس وثقافات الأرض وقد خرج وراء الزارع الأوحد يسوع . أقول أكتب لأتذكر والذكرى عندنا فى اللاهوت ليست عملية دماغية بل هى حضور وجودى ’ هى شركة ’ الذكرى " الأنامنيسيس" هى الوجود فى شركة لأن الهنا ’ وأنت العليم ’ ليس اله أموات . منذ سماعى لخبر رحيلك ورؤية وجهك الكهنوتى البهى لأول مرة منذ أفترقنا ’ يا أبى وصديقى ’ أنهمر وابل من الذكريات فى كيانى .
لم أبكيك ولم أتباكى عليك . فأنت قد أسترحت من أتعابك وأعمالك تتبعك على طريق الكهنوت الملوكى الذى لا يمنحه الكاهن الأعظم الا للمختارين والأنقياء ليقدس بهم المؤمنين ’ وأن أغتصبه البعض بلا وجه حق وبسيمونية بغيضة وشيطانية يسلمهم الى ذهن مرفض ليقولوا ويفعلوا ما لا يليق بالكهنوت الملوكى .التقيتك فى مدينة سوهاج العامرة والمضيافة فى السبعينات ’ وبالتحديد عام 1976-1977من القرن الماضى فى مدرسة الشهيد عبد المنعم رياض فى مدينة سوهاج . التقيتك فى ذلك الزمان الذى يسمونه "الزمان الجميل ". كنت أنت مدرسا للعلوم وأنا مدرسا للغة الانجليزية .
لقد نجحت فى أن تربط العلوم الشامخة والمستكبرة بالمسيح المتواضع والمتنازل دوما فى شخصك الشاهد له مع تلامذة صعايدة وفتوات ولكن أذكياء ولعل بعضهم يقرأنى الأن . لم نسمع منك عظة أو توبيخ أو فلسفة مسيحية كما لم نرى تقوى شكلية ’ بل رأيناك عظة وحضورا .ويوم رسامتك كاهنا لله عام 1980’ كنت أنا فى طريقى الى بلاد الأغريق للتعمق ودراسة لاهوت وناسوت ما ستقوم به قدسك من خدمة ليتورجية وكهنوتية جليلة وملوكية لأن اللاهوتى والكاهن وجهان لعملة سماوية واحدة !هل تعلم أن البيزنطيون يطلقون على باب الهيكل "الباب الملوكى" لأن منه يدخل ملك المجد ونحن ندخل معه لنملك معه "هنا والأن"لأنه الله الأب أجلسنا معه فى السمويات حسب بولس(أفسس 2 :6 ) .لعلك سمعت عن غربتى فى بلاد أفلاطون وأنسكبت فى الصلاة لأجل نهضة فى الكنيسة المصرية على يد من خرجوا ومن بقوا . هل تذكر يا أبى شلة الاساتذة الاصدقاء ’ الذين أعينهم أحياء أمامى عند ربهم .
الاستاذ ناجى مدرس أول اللغة الانجليزية ’ وأ. أميل سامى مدرس اللغة الفرنسية وأ. فيليب أمين المكتبة ’ يوم كانت المكتبات فى المدارس صرحا ثقافيا وليست سلات للمهملات من بقايا الكتب .وكنا نجتمع فى مكتبة أ. فيليب وتقودنا فى ترنيمة جميلة بصوتك العذب ولهجتك الصعيدية القوية والمجلجلة والتى لا تعرف مياعة ومياصة وموحن مرنمى اليوم ’ ربما فهمت الأن السبب وراء أعطائك اسم باخوميوس لأنه كان رجلا فى رهبنته وحياته .
فاكر ’ يا صديقى صفوت ’ حينما كان يطل علينا الاستاذ أبو غريب مدير المدرسة وهو من أعرق عائلات سوهاج ويداعبنا ’ وهو المسلم ’ ونحن المسيحيون ’ قائلا بابتسامة حلوة تنم عن مكارم الأخلاق وتراث مصرى عريق " أنتم ها تعملوا المدرسة كنيسة"!. فاكر يا استاذ صفوت ماتشات الكورة اللى كنا بنلعبها مع الطلبة ببهجة قلب وسعادة طفولية . كنت حضورا طيبا واطلالة يسوعية وانجيلا مقروئا وصعيديا شهما . كنا على مشارف طريق التكريس وروح الرب يداعبنا ويهيئنا للخروج العظيم ’ فى العهد القديم "لم يكن لدينا لحسن الحظ كتب غير الانجيل نأكله ونصدقه حرفيا ونعمل به أو نتركه ليعمل فينا " ليخرج بنا ! الى أين ! لا نعلم كما ابراهيم (تكوين 12 ).كنا نتذكر كلمات الله لحزقيال النبى عندما ذهب به ربه الى البرية ’ وهناك شاهد عظاما مرمية فى الصحراء ’ والعظام بالنسبة لنا ’ كانت ومازالت لنا ’ أنت من فوق ونحن من أسفل ! هى عظام المؤمنين الذين نهشتهم الذئاب العقلية فدبوا(من الدواب بلا عقل !) على الأرض وقتلوا وانتهوا الى عظام منثورة ’ وتسألنا أنذاك’ مع النبى :" أترى تحيا هذه العظام ".(حزقيال 37 :3 ).لقد دعاك الرب لتحيى هذه العظام بنعمته وكلمته فى الليتورجيا وفى معية يوحنا اللاهوتى شفيع كنيستك ’ ودعانى لأدرس تاريخ وحضارة وماضى وحاضر ومستقبل هذه العظام فى الثيؤلوجيا ومعية أباء الكنيسة العظام ’ هذا التاريخ الذى كان يوما لاهوتا عريقا صلى لكى يعود واقعا معاشا ! لقد رأينا مع حفنة مختارة من أبناء جيلنا ما لم يراه اليائسون والسطحيون وعباد المال وتجار الدين والسيمونيين منا.ولعل من بركات الوباء أنه يجعل الواحد منا يسافر بلا معزين متعبين ! بلا زحام المنافقين ! بلا خطب رنانة لا تعنى حرفا مما تقول ! لقد شاركت الملائكة فى رحيلك وعاينت بابا مفتوحا فى السماء مع شفيعك يوحنا (رؤيا 4 :1 )’وهذا يكفيك ’ وشريكة حياتك وأولادك المباركين .
صلى أمام العرش لكى يوكل أله الأرواح ’ أرواح جميع البشر ’ على الجماعة "الكنيسة -العالم" من يدخل امامهم ويخرج لئلا تكون الجماعة كالغنم التى لا راعى لها (عدد 27:16 -17 ).