درية شرف الدين
حقى كمصرية أن أحمل فى قلبى غيرة على وطنى وتاريخه، أن أتصدى لكل من يخدش السيرة الحقيقية لزعمائه وحكامه ممن أخلصوا للبلاد والعباد وممن أعطوا لمصر من اجتهاداتهم وتضحياتهم الكثير، حتى لو تكالبت عليهم قوى الشر فى زمن ما لكن التاريخ عادة لا يكذب.
حقى أن أعترض- ومن جديد- على إعادة عرض هذا المسلسل التليفزيونى السعودى المسىء والمشوه لتاريخ واحد من أعظم حكام مصر وهو الخديو إسماعيل، والمعروض الآن على قناة m.b.c مصر للمرة الثانية. كانت الأولى عام ٢٠١٤ وقتها نال هذا المسلسل (سراى عابدين) هجومًا واسعًا من المصريين شاركتُ فيه بمقال على صفحات المصرى اليوم واليوم أكرر الاعتراض والامتعاض.
وقبل أن يتصدر قائل بأن الدراما شىء والحقيقة شىء آخر وأن الكاتبة الكويتية استوحت فقط أحداثه من التاريخ، أؤكد أن ذلك قول باطل فوقائع التاريخ من قرارات وانتصارات وانكسارات لا يمكن تغييرها أو تبديلها، وعلى أساسها تتشكل ملامح الشخصية التاريخية وتوجهاتها، أما التفاصيل الصغيرة الخاصة بالسلوك اليومى والعلاقات العائلية والأحداث الهامشية فتلك مهمة الخيال والإضافات الدرامية.
ما نعرفه فى مصر عن الخديو إسماعيل أنه أحد بناة مصر الحديثة، ولد على أرضها وتكلم لغتها وأراد أن يرفع قدرها إلى عنان السماء، عمل على تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والإدارية فى البلاد، اهتم بالإصلاح النيابى فأنشأ مجلس شورى النواب، والمجالس المحلية، طوّر السكك الحديدية وأنشأ دار الأوبرا، أضاء الشوارع وحفر الترع وأصلح الموانئ وأنشأ أول مدرسة لتعليم البنات وافتتح قناة السويس ورفض مد امتيازها للأجانب الذين أغرقوه فى الديون... والقائمة تطول.
هذا هو الخديو إسماعيل الحقيقى، أما خديو مسلسل «سراى عابدين» فهو زير النساء الذى لا يكاد يفيق ليل نهار من مطاردتهن ولا شغل شاغل له طوال أيامه إلا البحث عن جديدات من زوجات وجاريات لا يرى غيرهن ولا يدرى عن أمور الدولة شيئًا، علاقات تتسم دائمًا بالاندفاع والتهور بل بالبلاهة، ابنه الأمير فؤاد الذى أصبح ملكًا لمصر ظهر فى المسلسل قبل ولادته بثمانى سنوات، وظهر قصر عابدين قبل بنائه باثنتى عشرة سنة وقد سبق واعترضت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية على العديد من الأخطاء التى وردت بالمسلسل.
والسؤال: هل يمكن أن تقبل القناة السعودية التى تعرض- للمرة الثانية- هذا المسلسل المسىء للتاريخ المصرى عملًا دراميًا مشوِهًا لتاريخ وملوك السعودية؟ أو للكويت ورموزها؟.. بالقطع لا.
وكمصرية أسجل: إنى أعترض.
نقلا عن المصرى اليوم