د.ماجد عزت إسرائيل
يتعرض صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني منذ أن جلس على كرسي القديس مار مرقس الرسول في(نوفمبر 2012م وحتى يومنا هذا- أطال الله عمره سنين عدة وأزمنة سالمية - لهجوم مستمر من شِرْذِمَةٌ مِنَ بعض الأقباط.
يتمثل هذا الهجوم في معارضة البعض حركة إصلاح الكنيسة القبطية، أو إعادة قداسته تنظيمه إدارة الدار البطريركية،أو تقسيم الأبرشيات وتجليس بعض الأساقفة عليها،وأحيانيا التهكم على رسامته بعض الأساقفة على بعض الأبرشيات التى رحل أسقفها،وأيضًا على رسامة أسقف لدير أنبا مقار– نقصد هنا المتنيح الشهيد الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار– قتل في 29 يوليو 2018م داخل ديره - وكذلك تشيد المؤسسات الثقافية القبطية مثل مكتبتى دير السريان أو المكتبة البابوية بدير القديس الأنبا بيشوي نوفمبر 2019م. كما أن هناك من بعض الشِرْذِمَةٌ تهكم على سفريات قداسته الرعوية لأفتتاح أو تدشين بعض الكنائس ببلاد المهجر.
أو علاج قداسته بسبب آلام العمود الفقرى.
ومن الجدير بالذكر أن العالم يشهد هذه الأيام كله استنفار لمواجهة جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، الذي حصد الآف الضحايا، ولذلك لجأت الحكومات في شتى أرجاء العالم لتدابير جديدة إلى جانب تقديم إرشادات رسمية. كما أن أديرة وكنائس العالم فتحت أبوابها للشعب بشرط تنفيذ الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا(كوفيد19)منها التباعد واستخدام المطهرات، وارتداء القفازات والكمامات المعقمة وغيرها.
وعلى شاكلة هذه الأوضاع علق صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية من خلال تصريحات خاصة لجريدة "وطني"، حيث ذكر قائلاً: إلغاء الماستير- معلقة كبيرة تستخدم في التناول- قد يحدث، لكننا لم نتباحث حوله خلال اجتماعات اللجنة الدائمة للمجمع المقدس"، وعقب هذا التصريح بدأ الهجوم والحرب الإعلامية على قداسته عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن صاحب القداسة كتب مقالة تاريخية بعنوان "أمومة الكنيسة" رد فيها على معارضيه بنوع من المحبة، والحكمة، والأبوة، وبقلب طيّب وحنون. وهذه الصفات كلها يجب أن يتميز به من يجلس على كرسي مار مرقس الرسول.
والآن عزيزي القاري..أتركك مع هذه المقالة التاريخية العميقة لكي تعرف كيف يدفع الإيمان بفكرة ما صاحبها لتحمل المشاق والصعوبات من أجل إثباتها. هكذا تكون الأبوة.. والأب البطريرك أو بابا الكنيسة القبطية.
نص المقالة التاريحية لصاحب القداسة البابا تواضروس الثاني وعنوانها: "أمومة الكنيسة".......
أن الكنيسة على مدار الأجيال أم ترعى مصالح أبنائها ويهمها حياتهم الجسدية والروحية والنفسية وأسرارها السبعة أساس إيمانها وتقواها عبر الزمن وتاريخها شاهد على ذلك. وعدو الخير الذي يقوم من وقت لآخر لكي يشكك في هذا الإيمان المستقيم بشائعات وهرطقات وأكاذيب وضلالات، ودائما الكنيسة من خلال آبائها وشعبها تقف حائط ضد أي انحراف إيماني أو عقيدي، لأنها لاتعرف الإيمان فقط بل تعيشه وتحياه كل يوم.
والكنيسة المسترشدة بالروح القدس عليها مواجهة الظروف التي تتغير من زمن إلى زمن، وفي حدود ما قاله الآباء.. المسيحيون يقيمون سر الافخارستيا، وسر الافخارستيا يقيم المسيحيين.. المهم تقديم السر سواء في البيوت، في المغائر، في المقابر، في المزارع، في الكنائس... المهم السر.. جسد ودم المسيح الأقدسان، أي حضور المسيح حقيقة لا مجازًا، وهما لا ينقلا أي عدوى لأنهما سر حياة، وحاشا لمن يقول غير ذلك.
أما إجراءات تقديم السر فقد تغيرت أشكالها عبر الزمان، وبقي الهدف هو إتاحة سر التناول كما هو، رغم اختلاف الوسائل والأساليب المستعملة لذلك، لقد كانت دعوة المسيح " تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متي11:28)، وأيضا قال "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً"(متي12:7) ليس جميع المؤمنين المسيحيين أقوياء ايمانيًا، ولكن واجب الكنيسة أن ترعاهم وتساعدهم وتخدمهم. الكنيسة لا تخدم الأقوياء في الإيمان فقط، ولكن أيضًا ضعاف الإيمان وقليلي الإيمان ومحدودي الإيمان والخطأة من كل نوع، لأن المسيح لم يأت ليدعو أبرارًا بل خطأة إلى التوبة، وقال " لا يحتاج الأصحاء(الأقوياء) إلى طبيب بل المرضى" (مرقس 2: 17". الكنيسة تستمع إلى صرخة الإنسان الذي ينادي:"أعن ضعف إيماني"، ويجب أن تستجيب في ظل هذه الظروف الحاضرة.
وقد استقر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية طريقتان لممارسة سر التناول وهما:
الطريقة الأولى: الطريقة التقليدية والمعتادة والمعروفة في كل كنائسنا، حيث ممارسة صلوات وطقوس القداس الإلهي بأواني المذبح المدشنة.
الطريقة الثانية:الطريقة البديلة وهي التي تستخدم في مناولة المرضى في المنازل أو المستشفيات، وأيضا مناولة المساجين في السجون.وقد تستخدم هذه الطريقة الاستثنائية في الكنيسة عندما توجد أعداد كبيرة من المتناولين مع وجود كاهن واحد فقط. ولهذه الطريقة نصوص في الخولاجي المقدس وليست بدعا ولا خروجا ولا انتقاصا لقدسية السر.
على نفس القياس، نحن نستخدم في ممارسة السر المذبح الحجري المدشن بالميرون المقدس، كما يمكن أن نستخدم أيه مائدة خشبية أو غير خشبية ونضع عليها لوحًا مدشنًا بالميرون المقدس كوضع استثنائي لحين وجود مذبح ثابت ومدشن، وهذا لا ينتقص من قدسية سر التناول على الإطلاق.
في زمن تأسيس السر لم يكن هناك وباء عالمي يقضي على مئات الألوف من البشر ويصيب الملايين في معظم أقطار العالم. هذا زمن مرض.هذا زمن عدوي. هذا زمن إصابات.هذا زمن يحتاج وقاية وحرص بالغ.. وفي تجربة السيد المسيح قال له الشيطان: "... إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل..."، وبينما السيد المسيح يقدر أن يفعل ذلك، الا أنه أجاب وقال له:" لا تجرب الرب إلهك" ( لو 4: 12). الله ليس جاحدًا.. ولاقاسيًا.. ولا متبلدًا.. حاشا.. الله رحيم بالإنسان ومتعطف عليه ويرثي لحاله ولضعفه، ومكتوب: " فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم " (لوقا 6: 36).. هذا زمن توبة وليس زمن كلام ومقالات..." إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ" (لوقا 5:13).. هذا زمن ندم واستعداد وليس زمن عناد وقساوة... " قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (لوقا 46:22).. هذا زمن دموع وليس زمن استعراض ومناقشات.. "يارب نجني" (متي 14: 30).. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟ ( لوقا 9: 25).
ماذا يستفيد كل من يكتب وينشر على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ويهاجم الكنيسة وآباءها وتدبيرها ويثير سجسا وتعبًا بين الناس. غالبًا التوبة لم تعرف طريقها إليك. لك أقول: احترس ! الموت على الأبواب، قد تؤخذ نفسك في هذه الليلة.أبديتك أهم من أي شيء.(لوقا12: 20).
في تاريخ الكتاب المقدس نرى القديس بولس الرسول يصير ضعيفًا ليربح نفوس الضعفاء، وبالتالي فالكنيسة كأم تطبق قواعد المحبة خلال هذا الزمن الطارئ من انتشار الوباء بصورة عالمية، وتستخدم الطريقة الاستثنائية ( طريقة مناولة المرضى)، وهي طريقة طقسية مذكورة في الخولاجي للقمص عبد المسيح المسعودي البراموسي(1902) بدلًا من الطريقة المعتادة والتي نرجع إليها بمجرد عودة الأحوال الطبيعية.هذا تجميد أو تأجيل الطريقة المعتادة وليس إلغاء أو حذفًا. وهذا هو صوت الحكمة خاصة واننا لا نعيش بمفردنا في هذا المجتمع، ويجب ألا نكون سببًا في بلبلة أحد أو عثرة النفوس التي نحبه
إن فالدعوة لاتخاذ إجراءات وقائية نتيجة الظروف الحالية ليس خروجًا عن الإيمان اطلاقًا، وها نحن نشهد بوفيات بالمئات وإصابات بالآلاف وانتشار شديد للعدوى والوباء تعدي إمكانيات المستشفيات والأطباء والأجهزة، لم يعد لنا سوى طلب الرحمة من الله لكي يترأف علينا جميعًا وعلى بلادنا وكنيستنا وأبنائنا".