هاني صبري - المحامي
تلقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحزبه "الجمهورية إلى الأمام" هَزيمة قاسية في الانتخابات البلدية التي جرت يوم الأحد الماضي.
كما شهدت الجولة الثانية لهذه الانتخابات أكبر نسبة مقاطعة في تاريخ الجمهورية الخامسة، وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت مستوى غير مسبوق ناهز 60 بالمائة.
وعلي الجانب الآخر حقق حزب البيئة (الخضر) وحلفاؤه نتائج تاريخية في الانتخابات البلدية الفرنسية، وهي الأولى من نوعها في مسارهم السياسي، والتي أتت كنتيجة للتقدم الذي سجلوه في الانتخابات الأوروبية في 2019م، وهي نتائج تعيد الأمل لقوى اليسار من جديد في إمكانية العودة إلى سدة الحكم في فرنسا إذا ما واصل تحقيق نتائج إيجابية في المحطات الانتخابية المقبلة.
فقد نجح حزب الخضر في توسيع نفوذه من مدينة واحدة وهي غرونوبل في الجنوب كان يسير بلديتها، إلي انتزاع مدن عدة بالتحالف مع الاشتراكيين، كمدينة ليون، ستراسبورغ، تور، بيزانسون، بواتيي إضافة إلى بوردو، وثبّتوا أنفسهم عبر هذه الانتخابات كأكبر قوّة يسارية في فرنسا.
الجدير بالذكر أن "حزب الخضر" يُصنف وسط اليسار أي بين أقصى اليسار والاشتراكيين.
في تقديري أن أسباب خسارة إيمانويل ماكرون ترجع إلي عدم تجذر حزبه السياسي وفشل في عقد تحالفات حزبية والدليل علي ذلك فشله في الفوز بمجلس أي من المدن الكبيرة ، وعدم الرضا عن سياساته الاقتصادية وطريقة إدارته لأزمة جائحة كورونا، فضلا عن الاحتجاجات التي ضربت فرنسا، وغيرها من الملفات، وحدوث انشقاقات النواب من حزبه والتي بالفعل أدت إلى خسارته الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية.
وكانت الجولة الأولى قد أجريت في منتصف مارس الماضي، وسجلت أيضاً معدلات متدنية من المشاركة ولم تمنح حزب ماكرون الصدارة، واضطرته للتحالف مع أحزاب اليمين في عدة مدن.
أن الانتخابات البلدية هي ذات طابع محلي لكنها تعتبر اختبارًا لشعبية الرئيس الفرنسي وحكومته وتقييم لسياستها ، وتؤثر أيضاً على السياسة العامة في فرنسا.
هنا تثأر العديد من التساؤلات حول أثر نتائج الانتخابات على توجه إيمانويل ماكرون في العامين الأخيرين من ولايته. هل سيبقي علي رئيس حكومته إدوارد فيليب الذي فاز برئاسة بلدية مدينة لوهافر شمال غربي البلاد، أم يجري تعديل وزاري ؟، على الرغم من أن الدستور الفرنسي يسمح لفيليب بتعيين شخص آخر لرئاسة بلدة لوهافر بينما يحتفظ هو بمنصبه الحكومي، وهل سيتعامل مع حزب الخضر وبالتالي سيمنحهم مناصب في الحكومة المقبلة؟ أم أنه سيظل صامداً على خطه الليبرالي الاقتصادي وسيواصل مغازلة أصوات اليمين المحافظ؟.
عموماً نري أن نتائج الانتخابات المحلية لا يمكن اعتبارها مؤشراً إيجابياً على ما يمكن أن تكون تؤول إليه الاستحقاقات الدستورية من انتخابات تشريعية ورئاسية، ولكن لن يفوز الرئيس إيمانويل ماكرون بفترة ولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في عام 2022م حال ترشيحه، وأن الأوضاع في فرنسا تنذر بالخطر علي الفرنسيين وعلي القارة الأوربية بأكملها، ونأمل أن يعم السلام والاستقرار العالم بأسره.