أستكمل اليوم ما بدأته الأسبوع الماضي من مناقشة عودة الحياة لسائر الأنشطة في ظل استمرار تفشي كورونا, فمصر مثلها مثل الكثير من دول العالم تجد نفسها بين شقي الرحي: شق يملي الحذر والحيطة والإغلاق توخيا للسلامة والأمان, وشق آخر يصرخ بحتمية فك أسر كافة الأنشطة وتحريك عجلات الاقتصاد ومصادر الرزق تفاديا لشبح الإفلاس والبطالة… وبين هذا وذاك تسير الحكومة علي حبل مشدود يتطلب توازنا دقيقا لضخ دماء الصحة والتعافي والأمل في الجسد المصري.
وإذا كانت هناك أنشطة لا تملك ترف التوقف أو التباطؤ ولا بديل عن إطلاقها بقدر محسوب من المجازفة, فهناك أنشطة أخري تتطلب الانحياز للحيطة والسلامة والأمان قبل الشروع في إطلاقها- وهذا ما تناولته تفصيلا في مقال الأسبوع الماضي- ولعل الفارق بين الاثنين يكمن في أن الأنشطة الأولي تعتمد علي غالبية عظمي من العاملين الثابتين وأولئك يسهل ملاحظتهم ورصد أحوالهم الصحية مع أقلية ضئيلة من المترددين غير الدائمين الذين يمكن الحد من وجودهم وحركتهم… أما الأنشطة الثانية فعلي العكس من الأولي تعتمد علي قلة من العاملين الثابتين في مقابل أعداد غفيرة من المترددين والمستهلكين القادمين من كل حدب وصوب والذين تنفجر معهم احتمالات خروج الأمور عن حدود السيطرة وتفشي الإصابة التي يكاد يستحيل تعقبها وعزلها وعلاجها.
ومن هذه الأنشطة التي تنذر بالخطر وبدأت استعراضها الأسبوع الماضي الأنشطة الترفيهية والأنشطة الرياضية… ولست غافلا عن أن جميعها تعتبر مصادر رزق لملايين العاملين وليس من السهل إطلاقا النظر إليها علي أنها أنشطة كمالية يمكن الاستغناء عنها, فإذا كانت كمالية لجمهور المستهلكين تبقي أساسية لسائر المواطنين العاملين فيها والذين يرتزقون من ورائها… ولذلك فهي تقتضي اتخاذ كافة تدابير السلامة قبل إطلاقها وذلك يشمل إطلاقها جزئيا وإخضاعها للرقابة والفحص والتقييم مع الوقوف علي أهبة الاستعداد لإيقافها وتعطيلها مجددا في حالة خروج الأمور فيها عن حدود السيطرة.
واليوم أضيف نشاطا آخر إلي الأنشطة الترفيهية والرياضية, وهو ما يخص أماكن الاصطياف ومنتجعات الإجازات والشواطئ, خاصة وقد دخلنا فصل الصيف وهو موسم توافد المصريين علي السواحل والشواطئ علاوة علي إطلاق إجراءات عودة السياحة بشقيها: الأجنبية الوافدة من الخارج والمحلية للمصريين في الداخل… وأعود وأكرر إدراكي لما تمثله السياحة وتوابعها من فنادق ومنتجعات وشواطئ وخدمات من شرايين حيوية للدخل والرزق لملايين العاملين فيها… إلا أنه ينبغي تقسيمها إلي مستويات مختلفة تبعا لدرجات السيطرة عليها أمام تداعيات كورونا… وهذه بعض تلك المستويات:
** الفنادق السياحية: وهنا يسهل إحكام السيطرة علي العاملين فيها علاوة علي المترددين عليها مع تطبيق تدابير صحية واحترازية تشمل تفادي الجموع وتحقيق التباعد بين الناس, بالإضافة إلي امتلاكها الأطقم الطبية اللازمة للتدخل إذا دعت الحاجة.
** منتجعات الإجازات والشواطئ الخاصة: وهذه يرتادها نفر من الملاك وقلة محدودة من المستأجرين والزائرين ومعظمهم معروفون لبعضهم البعض, وهذه المنتجعات لها ما لها وعليها ما عليها… ما لها أن كثافات الشاغلين قليلة وتسمح بالتباعد, وأما ما عليها فهو وجود إدارات هامشية لا تملك الصرامة واليقظة في اتباع تدابير الأمان وفرض المنع والإيقاف عند الضرورة قبل أن تنفلت الأمور.
** أماكن الإجازات والشواطئ العامة: وهذه لا توجد بها أية معايير للتحكم في أعداد المترددين أو رصد أحوالهم الصحية, وعادة ما تعج بالآلاف الذين يفترشون كل متر مربع من أرجائها ملتصقين ببعضهم البعض في ظل درجات مخيفة من الانفلات والتلوث والضوضاء… ولا توجد إدارة بمعني الكلمة يعول علي سيطرتها علي الأمور, لذلك فللأسف يبدو أن الحكمة تقتضي الإبقاء علي إغلاق هذه الأماكن وعدم المخاطرة بفتحها للمصطافين, مع الدراسة الجادة المنصفة لرصد العاملين فيها -سواء دائمين أو موسميين- لدعمهم وتعويضهم التعويض العادل عن تعطل مصادر رزقهم.
*** إن حكومتنا وسائر المسئولين عن اتخاذ القرار في موقف دقيق يتطلب كل درجات الوعي والحكمة, فهم فعلا بين شقي الرحي: بعث الحياة في الأنشطة.. أم إيثار السلامة.