بقلم – روماني صبري 
 
مارتن سكورسيزي، واحدا من عمالقة السينما في العالم، ترجمت أفلامه أن المخرج الذي ينحدر من أصول ايطالية سيحقق أعمالا لا تنسى مثل الروس، فكلما مر  الزمن على أفلامه  تزاد قيمة وتعتري الوجدان، كونها أفلاما ترجمت الواقع داخل المجتمع الأمريكي دون خجل وتحدثت عن الضعفاء ودواخلهم والأسباب التي تدفعهم للابتعاد عن الطريق القويم دون إصدار أحكاما عليهم، ليصبح من أهم رواد "موجة هوليود الجديدة" التي شهدتها نهاية الستينات ، أفلامه اختصتنا دون تعالى فجعلت الكثير يفركون أعيونهم سعادة عند مشاهدتها، وطبعا اقصد هؤلاء من محبي هذه النوعية، طالما لا نستطيع النظر للسينما من زاوية واحدة كونها قائمة على التنوع، فبعدما اخرج  سكورسيزي شوارع دنيئة وسائق التاكسي والثور الهائج، اعتلى قائمة أفضل مخرجي العالم، وبعد كل هذا النجاح كشف سكورسيزي الصعوبات التي واجهته لصناعة السينما التي أرادها وحلم بها قبل أن يخطو المجال السينمائي.
 
 
 
إخراج الأفلام التي حلمنا بها  لم يكن سهلا 
كشف سكورسيزي في تصريحات تلفزيونية : "حصل تغير كبير في المجال السينمائي نهاية الستينيات وبدايتها، فرانسيس فورد كوبولا عمل في الإخراج قبلي في الستينيات، وشهدت السبعينيات استطاعتنا إخراج أفلام دون النظر للإيرادات، كان الأهم الحديث عن آخر أفلام المخرج "تيري ملك" ، أو آخر أفلام "بول شريدر"، أو أخر ما أخرجه كوبولا، كون هذه الأفلام كان يفتخر بإنتاجها.
 
 
" ترافيس بيكل ينقذ الفتاة من القواد في سائق التاكسي "
 
منحونا الحرية والصلاحيات حتى نقدم هذه الأفلام، ونذكر وجود أستوديو الفنانين وهو الأستوديو المدهش الذي أنتج فيلم " بوابة الجنة"، وقتها أنتجوا لي الثور الهائج، في الخمسينيات أنتج الأستوديو احد أهم وأقوى الأفلام التي أصابت نجاحا كبيرا  وهو "سويت سمايل"، ولا أريد أن الفت النظر إلى أن إخراج الأفلام كما نحلم كان سهلا في حقبة السبعينيات، في الحقيقة كان هناك تيسيرا لإخراج أفلام جيدة، كتمويل فيلم لروبرت التمان، الاهتمام باسم المخرج وقتها كان موجود، حتى حلت الثمانينيات فواجهت أنا والتمان فشلا تجاريا مع أستوديو فوكس، وذلك في فيلمي "ملك الكوميديا"، أما التمان فصنع فيلما لكنه لم يعرض فبقى الرجل 10 سنوات دون عمل.
 
 
فترة الشتات والأفلام التي فرضت عليه 
أرى الثمانينيات فترة شتات، فكان على البحث وتعلم الصناعة من جديد، فوجدت نفسي مجبرا لإخراج أفلام رخيصة  مثل فيلم بعد ساعات، صارعت حتى استعيد مسيرتي المهنية حتى حصلت على فرصة إخراج فيلم "رفقة طيبون"، لكن كان لابد من مشاركة روبرت دي نيرو في الفيلم حتى احصل على التمويل، ووافق وقام بدور ثانوي، لذلك أود أن أشير إلى أن جميع أفلامي جاءت عن طريق الحظ وبعضها فرضت على سكورسيزي مثل فيلم "رأس الخوف"، حتى "كازينو" فرض علي، وفيما يخص "عصر البراءة" فكنت حظيت بحظ حيث حصلت على تمويل لإخراجه كون المنتج كان مؤمنا بتنفيذ هذا العمل، ما يؤكد أن الحظ كان صديقي طوال سنوات طويلة، فكثير من المنتجين كانت لديهم الرغبة للعمل معي، فكنت اخرج الفيلم وأخذ اهرب قبل أن يعلموا أي شيء، كانوا يواجهون متاعب في تسويق أفلامي كونها خارج المألوف.
   
أمر مؤسف 
ويقول المخرج الايطالي الكبير كوبولا ردا على ذلك :" كوننا  علمنا أن سكورسيزي اخرج فيلما عظيما يسمى "الثور الهائج"، يعلن انه سيبدأ من جديد، كان هذا أمر يدعو للأسف الشديد
 
انقلاب يجتاح السينما في السبعينيات
 
يقول سكورسيزي :" حدث انقلاب كامل في السبعينيات حيث بات ينظر إلى المخرج كمؤلف، جيل اليوم بات مرجعه الثقافي  التلفاز، عكس جيلنا كان مرجعه  عصر هوليوود الذهبي والسينمات، ولنستشهد بفيلم "كازابلانكا" هذا العمل العظيم الذي يعد مثال رائع لسينما هوليوود الكلاسيكية، وهو ما تغير الآن، بات الوضع الحالي سيئا حيث يعتقد المنتجون أن كل  ما يحتاجونه الحصول على قصة جيدة، والقصة الجيدة في نظرهم يجب أن تحتوي على  بداية ووسط ونهاية، وكذا مجموعة جيدة من الممثلين ومدير تصوير محترف، أما المخرج فلا يهم، لذلك هذه الأفلام لا تعبر عن السينما  بل هي تترجم ثقافة التلفاز.
 
ففي الماضي أدمنت جمع ملصقات الأفلام، وهو ما تغير هذه الأيام، لان الوضع بات مضحكا، ومرد ذلك يعود إلى أن جميع الملصقات متشابهة.
 
 
سائق التاكسي كان جريئا جدا 
وعن إيقونة أفلامه "روبرت دي نيرو"، يقول سكورسيزي :" عملت معه سنوات طويلة، وكان له دور كبير في إقناع المنتجين بتمويلي لاسيما في فيلم "سائق التاكسي"، فقصة الفيلم كانت شديدة الجراءة آنذاك لذلك كان من الصعب تمويله، وفيلم الثور الهائج كان مشروع دي نيرو أصلا ويعود ذلك لشجاعته فهو لم يهتم بالمظهر والشكل، من الجميل إننا وجدنا أرضية مشتركة بيننا، كنت اعرض عليه وجه نظري وكذلك هو، ما جعلنا نقدم عدد من الأفلام، لكن توقفنا عن العمل سويا بعد فيلم "ملك الكوميديا" 9 سنوات، "يذكر أن هذا الفيلم تكبد خسائر فادحة في دور العرض، كونه قدم شخصية إنسانية ضعيفة تشبه الكثير منا.
 
أزمة الإغواء الأخير  للمسيح
شهد عام 1942 ولادة سكورسيزي في الولايات المتحدة، سلك مجال الإخراج السينمائي فبات من أهم المخرجين في العالم توج بجائزة أفضل مخرج في مهرجان الأوسكار عن فيلم المغادرون، وهي الجائزة التي رشح لها 5 مرات، من أفلامه العظيمة التي كشفت العنف وفساد المواطن والشرطي في المجتمع الأمريكي "سائق التاكسي"، بطولة دي نيرو وحصل الفيلم على  السعفة الذهبية في  مهرجان كان السينمائي عام 1976، كون ثنائي مع دي نيرو وقدما أفلام : شوارع دنيئة، الثور الهائج، وفيه حصل دي نيرو على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيسي، كازينو، رفقة طيبون، ملك الكوميديا، واجه أزمة كبرى حين اخرج الإغراء الأخير  للمسيح، حيث رفض الفاتيكان الفيلم ووجه انتقادا حادا له، وطالب بخروج الفيلم من مهرجان كان، كون الفيلم تحدث عن أن الشيطان أغوى المسيح على الصليب حتى لا يتمم الفداء، فيخيل له انه استجاب، لكن هذا لا يحدث وينكشف نهاية الفيلم، ورأى الفاتيكان والحركات الدينية أن الفيلم يترجم انفصال اللاهوت عن الناسوت، كما كون ثنائي مع الممثل ليوناردو دي كابريو، وقدما أفلام : : عصابات نيويورك، المغادرون, ذئب وول ستريت، الطيار.