بقلم: أندرو اشعياء
كان فريق العمل في فيلبي مكون من الرسول بولس وبرنابا ولوقا الطبيب وتيموثاوس. وقد أقاموا في المدينة أيامًا.
 
وفي يوم السبت وعند شاطئ البحر قُدمت الرسالة لمجموعة من النساء اللواتي اجتمعن هناك. وقبلت ليدية رسالة الأنجيل وأعتمدت هي وأهل بيتها.
 
ويبدوا أنه في السبت التالي استقبلتهم جارية بها روح عرافة، وكانت تصرخ شاهدة: «هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي، الذين ينادون لكم بطريق الخلاص» (سفر الأعمال16: 17) ولكن رفض القديس بولس شهادتها وأخرج منها الروح الشرير.
 
فهاج المنتفعون بسببها وأمسكوا بولس وسيلا واتهموهما باتهامات باطلة أودت بهما الى السجن بعد أن ضُربا كثيرًا. 
 
وقد حُسبا – بولس وسيلا- من المسجونين الخطرين.
 
لذلك تم وضعهما في السجن الداخلي وضبطت أرجلهما في المقطرة. إمعانًا في تعذيبهما أكثر وضمانًا في عدم هروبهما. ولكننا نفاجأ أنهما "يصليان ويسبحان الله".
 
وواضح أنهما كانا يفعلان ذلك بصوت عالٍ حتى أن المسجونين كانوا يسمعونهما. لقد زاجها القديسان بولس وسيلا الموقف بخبرة مذدوجة رائعة: الصلاة والتسبيح. 
 
نحن نعلم أن التسبيح لغة السعداء "امسرور احد؟ فليرتل" (يعقوب5: 13) فكيف كانا مسرورين وقتئذ؟! هل عاشوا المشورة المقدسة: "احسبوه كل فرح يا اخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يعقوب 1: 2).
 
أم أنهم كانوا فرحين "لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه" (أعمال 5: 41) 
نحن لا نعلم بالتحديد ماذا صلوا؟ أو ما هي الكلمات التي رفعوها للرب مُصلين؟ وهل كانت لهم طلبات محددة؟ ولكن لأجل ارتباط الصلاة بالتسبيح نفهم أن صلاتهم غلب عليها اتجاه الشكر والامتنان للرب يسوع.
 
ومن المنطقي أن يصلي السجين طالبًا من الرب الافراج عنه، ولاسيما إن كان سجنه ظلمًا – مثلهما – فيصلي طالبًا رفع الظلم عنه. ولكن واضح أنه لم تكن هذة صلاتهم. والدليل أنه بعد أن انفكت قيود الجميع وانفتحت ابواب السجن كلها.
 
كان يمكن أن يرى بولس وسيلا أن هذه يد الرب الذي استجاب لصلاتهم، فيخرج عاجلًا من السجن. إلا ان هذا لم يحدث بما يفيد أنهما لم يصليا من اجل الخروج من السجن. إذ عندما استيقظ حارس السجن ورأى أبواب السجن مفتوحة، استل سيفه وكان مزمعًا أن يقتل نفسه لولا تدخل بولس قائلًا: «لا تفعل بنفسك شيئا رديا! لان جميعنا ههنا!» (أعمال 16: 27، 28)
 
اذًا كانت طلبته استثمار وقت السجن لاجل انجيل المسيح وهذا ما حدث ايضًا فيما بعد في سجن روما. وقتها طلب من المؤمنين في أفسس الصلاة لأجله. لا لكي يخرج من السجن بل ليستخدمه الرب هناك "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة، لاجل جميع القديسين، ولاجلي، لكي يعطى لي كلام عند افتتاح فمي، لاعلم جهارا بسر الانجيل، الذي لاجله انا سفير في سلاسل، لكي اجاهر فيه كما يجب ان اتكلم." (أفسس6: 18-20)
 
وقد استخدمه الرب بقوة في فيلبي بعد هذه الصلاة. وكانت الاستجابة في أكثر من زلزلة.
 
الاولى كانت في حوائط السجن فانفتحت الابواب وسقطت القيود من المسجونين، وكانت هذه علامة مادية واضحة أن شيئًا غير عادي يحدث.
 
وهذا ما نراه في الزلزلة الثانية، حيث تزعزع قلب حافظ السجن إذ سريعًا دخل الى السجن الداخلي وخر لبولس وسيلا وهو مرتعد.
 
مأمور السجن ينحني أمام سجين! أليست هذه استجابة صلاة؟! ثم تتابعت الزلازل حيث ايمان ومعمودية حافظ السجن واهل بيته.
 
هذا منهج لمن يجتاز ظرفًا صعبًا او ضيقة ما.
 
لتكن أولوياتنا ليست الخروج من الظرف الصعب أو نهاية الضيقة بقدر اكتشاف مشيئة الله من الموقف. ماذا يريد الرب منا؟ وكيفية استثمار الأزمة لخدمة الانجيل ولمجد الله وخيرنا ..
 
لقد أدرك القديس مُبكرًا ما قاله القيس يوحنا سابا: "فمن تلك المرارة تنبع فيه الحلاوة وكل من احتمل الاتعاب من اجل محبتك يجدك داخلها حتى تصير له الشدائد ينابيع أفراح مملوءة حلاوة ولذة واشتياق للنظر اليك ." لقد أدرك يقين الادراك ان له في السجن ينبوع حلاوة ألا وهو خلاص من معه.
 
فاحتمل بشكر مشتاقًا لخلاص من وهبهم الله له .. 
 
كان هذا السلوك نابعًا من اتجاه داخله وهو ادراكه الجيد لقيمة النفس الواحدة وهذا قاده الى مفهوم «افتداء الوقت»  "مفتدين الوقت لأن الايام شريرة" (أفسس5: 16)، وقال لأهل كولوسي "اسلكوا بحكمة من جهة الذين هم من خارج، مفتدين الوقت" (كولوسي4: 5)، فجال يشتاق الى كل لحظه تخلص فيها نفس.
 
وهذا ما علم به، فبينما وهو في اثينا منتظرًا لسيلا وتيموثاوس راى المدينة مملوءة اصنامًا فاحتدت روحه فيه ولم يضع وقتًا انما اكثر من الكرازة لليهود المتعبدين في المجمع والذين يصادفونه في السوق كل يوم (أعمال17: 17) وهكذا فبمجرد أن تلقى الدعوة من فلاسفة الأبيكوريين والرواقيين للذهاب الى اريوس باغوس لم يتردد بحجة انتظاره مثلا لتعضيد تلاميذه، إنما ذهب الى اريوس باغوس واجتذب اولًا سامعيه بحكمة للاصغاء بأن مدح تدينهم (أعمال 17: 22- 23) ثم بين لهم ايمانهم الداخلي بالاله المجهول الذي ينادي لهم به والذي يهبهم الحياة وإن كانوا لا يعرفونه وهكذا دعاهم الى التوبة، وكشف لهم حقيقة القيامة من الاموات، فأثمرت كلمته أن "اناسا التصقوا به وامنوا، منهم ديونيسيوس الاريوباغي، وامراة اسمها دامرس واخرون معهما" (أعمال17: 34).