محمد حسين يونس
أرسل البعض تعليقا علي البوست السابق ..((و إنت زعلان لية.. من الإستعمار الإستيطاني .. فالأبناء و الأحفاد و أحفاد الأحفاد ولدوا في مصر وأصبحوا مصريين)) ....المستوطنون الأوائل فرضوا بالقوة و الجبر أن يكون لهم دائما النصيب الأوفر من ناتج العمل القومي.. و نحوا السكان الأصليين عن تغطية إحتياجاتهم الأساسية ... و ظل هذا هو العرف السائد حتي في أزمنة أحدث ...

البعض يقدمون الإنتماء القومي أو الديني أو العرقي .. علي الإنتماء للوطن بالمفهوم الحديث . .. و في سبيله يعادون من يخالفهم . قد نراه بصورة فجة في بعض الأماكن التي يسكنها قوم لازالوا يتصورون أنهم قد أتوا لتوهم من الجزيرة العربية علي ظهر خيولهم .. ليفتحوا مصر ويحكموا الفلاحين ...

قال عدد من المؤرخين (( تولي علي مصر إثنان وسبعون أميرا اولهم عمرو بن العاص وأخرهم أبو الفوارس أحمد الاخشيدى و لم ينفرد بخراجها إلا أحمد بن طولون )).

(72 ) والي عينهم الخلفاء الراشدين و بني أمية و بني عباس خلال 340 سنة اى بمعدل خمس سنوات لكل والي ، بعضهم لم يكمل شهر والبعض تولي أكثر من مرة طبقا للحالة المزاجية للخليفة او لرضاه عن حجم الاموال التي كان يستقطعها عامله من المصريين و يرسلها الي المدينة او دمشق او بغداد.

عمرو بن العاص عندما إستقر بمصر وضع الاسس التي سار عليها بعد ذلك باقي الولاة.. وهي أن مال المصريين و ناتج عرقهم .. ليس لهم .. و إنما هو فيء للخليفة المتربع في مكان ما منتظرا ما يجمعه له عماله ... من الخراج و الجزية الفردية و الجماعية و اى اموال وجدت بحوزة الاقباط ويتم مصادرتها (كغنيمة) ..

و هكذا لم تكن من اولوياته هو ومن تلاه خلال ثلاثة قرون ونصف تقديم الاسلام للمصريين كي يعتنقوه او يتبعوه .. لتسقط اى دعاوى تتصل بان الغزو كان بهدف نشر الاسلام و تبقي حقيقة وحيده أن البدو هاجموا مصر للحصول علي (درها وصرها ).

الجزية هي ما دفعه من لا يدينون بالاسلام من ( المسالمين) مقابل حماية ورعاية الدولة لهم وهم على دينهم (او هكذا كان الادعاء) ...
و كان يطبق في مصر جزيتان احدهما علي رؤوس الرجال و ألاخرى علي أهل القرية بالتضامن

فمن هلك منهم يوزع نصيبه ليدفعه الباقي من سكانها عوضا عن المتوفي ، وظلت هذه الجزية مطبقة في مصر علي من اسلم و من بقي علي دينه أغلب سنين حكم البدو...فيما عدا فترة صغيرة حكم فيها الخليفة عمر بن عبد العزيز الأموى

وكان يضاف لها ما يقال له حق الضيافة و هو حق لكل بدوى يطأ ارض الكفرة.. وقد يصل هذا الي إستضافة جيش باكمله كما حدث مع المأمون اثناء إعادة إحتلال مصر .

أما الخراج فكان يدفعه المصرى من المال أو المحصول وتم فرضه على إجمالي الأرض الزراعية المصرية علي اساس انه قد تم فتحها عنوة فتصبح بذلك حق لبيت المال حتي لو اسلم شاغلها فإن ارضه تعتبر كافرة

و كانت هذه الارض الكافرة تترك في يد أصحابها يزرعوها ويدفعون خراجها ، وكان الخلفاء يحاسبون عمال الخراج حساباً عسيراً

الفييء بمعني ما أفاء به الله (منحه) على المسلمين دون قتال وما يتصالح به الكفار مع المسلمين من خراج وجزية وتقديم كنوز مخبأة ..

فقد امر الخليفة عمر بعدم توزيعه علي الغزاة وبان يذهب كله الي بيت المال. هو و كل ما (إغتنمه ) البدو المسلمون في الحرب من الأعداء سواء كانوا أسرى ( من الرجال المقاتلين)اوسبايا (من النساء والأطفال) أوكنوزوأموال

لقد كان الخليفة يولي مصر لمن يلتزم بتوريد قدر معلوم من الاموال لبيت المال و كان الوالي يقسم مصر الي مناطق يقطع كل منها الي ملتزم و كان الملتزمون يجتمعون في جامع عمرو فينادى عليهم ((صفقات صفقات )) و تتم مزايدة لالتزام مدتة اربع سنوات و من يرسو عليه المزاد يتولي تحصيل الخراج من المزارعين علي أقساط تغطي (( نفقاته و أرباحه ونفقات الوالي و جنوده و عماله و ارباحه و تسدد ما إلتزم به للخليفة ))

وهكذا كان الولاة عندما يتم تعينهم ((يطلق عليهم عمال الخراج ويشترط عليهم الخلفاء في كتب تقليدهم المال الذى يلتزمون به و عليهم الهدايا و التقادم من الخيل العربية والبغال الحبشية والجمال الباجوية و الثياب الديبيقية و مقاطع الشرب الاسكندرانية والطرز البهناسوية و إجلال الخيل و الستور الفيومية و عسل النحل المصرى البنهاوى وغير ذلك من أصناف لا توجد الا بمصر )).

لقد كان علي المصرى أن يدفع دينارين عن كل رأس ثم زادها معاوية الي ثلاثة هي كل ما يمكن للفقير إدخاره في عام ..سواء كانت الايام أيام رخاء او كانت أيام قحط او طاعون او حروب ... وفي هذه الايام كان المزارع و البيوت و الاجران تصبح عرضة لنهب جماعات البدو المتحلقة حولها و كانت النساء و الاطفال عرضة للسبي و الخطف و البيع في أسواق النخاسة ..

ومع ذلك هل كف عمرو يده عن اموال أقباط مصر ..!!
((ثم أن عمرو عندما إستقر في مدينة الفسطاط جمع القبط وقال لهم من كان عنده كنز وكتمه عني ضربت عنقه )) ... (( فوجد مخبأة أسفل الفسقية فيها ذهب دنانير مسبوكة فنقله بالقفاف الي داره ثم إكتال الربع فإذا هو إثنان و خمسين اردبا )) ... (( ثم أن عمرو احضر بطرسا بين يديه وضرب عنقه بحضور جماعة من القبط فلما راوا ذلك كل من كان عنده كنز احضره بين يدى عمرو )).

وهكذا كان الولاة جميعا يحضرون الي مصر بهدف واحد أن ينهبونها لانفسهم و للخليفة و لباقي عصابات المحتلين بما في ذلك المامون الذى عندما أعاد إحتلالها بعد ثورة البشموريين في شرق الدلتا بسبب عسف الولاة في تحصيل الخراج و الغرامات ..رجع ومعه لكل جندى من جنودة ملء كفيه دنانير ذهب نهبت من مصر و اهل مصر ..

عندما عين الخليفة (المستعين بالله )أحمد بن طولون واليا علي مصر عام 868 م ((كان ضيق الحال يحتقره من يراه وكان بمصر شخص من الاعيان يقال له علي بن معبد البغدادى فلما رأه في ضيق بعث اليه عشرة الاف دينار صدقة فقبلها منه ..))

عندما مات احمد بن طولون 884 م أى بعد 16 سنة حكم لمصر ((خلف من الذهب العين عشرة الاف الف الف دينار (عشرة مليارات ) و من المماليك سبعة الاف و من العبيد الزنج اربعة و عشرون الف عبد و من الخيول سبعة الاف و من البغال ستة الاف و الجمال عشرة الاف و من الفصوص و الجواهر مائة صندوق هذا غير الضياع و الاملاك و البساتين )).

لم يكن إبن طولون حالة خاصة فالزبير ابن العوام ترك بعد موته أيضا ثروة عظيمة وقصور بالبصرة و الكوفة و الفسطاط و الاسكندرية وعبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص لقد كان البعض يوهب كامل خراج الاقليم مثلما حدث لابن العاص عندما إستخلص مصر من العلويين فوهبها له معاوية لمدة خمس سنوات.. وترك يوم وفاته حقيبة مصنوعة من جلد ثور كامل مملوءه بالذهب ..إستولي عليها معاوية عندما سمع عنها ..

صفحة اخرى من دفتر إنكسار اهلك يا مصر.. تحكم فيها بدو الصحراء في الناس ..وكانوا يحددون بصلف بالغ لاهلها نوع ملابسهم وحجم عمامتهم و وسائل انتقالهم مانعين اعيانهم من ركوب الخيل والافراس محددين ما يقومون به من إحتفالات محرمين شرب النبيذ أو إيقاد النار في عيد النيروز .

في كتب الاقدمين(لمن يطلب الحقيقة أو يسأل عن المراجع ) شروح وافية لتعليمات البدو (من المستعمرين ) لقهر و إفساد حياة أهل البلد داخل وطنهم بما في ذلك إسلوب بناء كنائسهم ومقدار إرتفاع صوت دقات الاجراس او إستخدام الصلبان ..ولازال البعض يتمسك بها .. رغم تعتتها و ظلمها ..ولكن أغلب المصريين يجهلون القراءة .. و يتركون أذانهم للمغرضين .

وهكذا نستطيع أن نوجز المأساة ... في نهايةعام 640م تحرك في إتجاه العريش 3500 شخص من عربان الجزيرة (الذين لا نعرف عنهم الكثير الا ما خطه بعد ذلك أنصارهم من إدعاءات لفقوها لتمرير أسباب غزوهم ومبررين قسوتهم مع سكان المستعمرات )

هاجموا الوادى ،نهبوا و سرقوا ثروات اهلها و عاثوا فيها فسادا يدمرون بناياتها (بما في ذلك منارة الاسكندرية وكسوة الهرم الاكبر) ليبنوا بحجارتها قصورهم و مساجدهم ،يستولون علي الذهب و الجوهر من الاثار علي اساس انها خبيئة فرعون وأهله

يردمون المصارف لمرور خيلهم فتطبل ارض شرق الدلتا و تملح و تخرج من الانتاج
يحرقون المكتبات والكتب ، يسبون الاطفال و النساء ويبيعونهم في اسواق النخاسة و يرهبون السكان فارضين الاتاوات

ثم تأتي قبائلهم مهاجرة تتحلق حول القرى في تجمعات لا تعمل إنما تعيش عالة علي الجيران...ثم يرسلون كل ما غنموا من الفيء الي مقر الخلافة اينما كان لمدة340 سنة .. ثلاثة قرون ونصف سوداء فقد فيها المصريون (من الذين إتبعوهم أو من الذين إحتفظوا بدينهم) كل ثرواتهم وناتج كدهم حتي ضعفوا و اصبحوا مطمعا لعابث اخر قادم من الغرب إحتل بلادهم دون مقاومة تذكر .( نكمل حديثنا غدا)
#دفتر_إنكسار_أهلك_يامصر