محمد ابو قمر
عايرني أحد الأشخاص بأن لي كثيرا من الأصدقاء المصريين المسيحيين ، وفي نهاية تعليقه علي البوست سجل ضحكة بلهاء تدل علي تهافت تكوينه النفسي والعقلي .
كان من الممكن أن يمر تعليق هذا الشخص دون أن أعيره أي اهتمام ، فكثير من نوعية هذه الأشخاص يسبونني أحيانا ولا أهتم ولا أكلف نفسي عناء الرد ، لكن ما أثار انتباهي هذه المرة أن هذا الشخص الذي عايرني بسبب صداقتي لإخوتي وأحبتي المصريين أو غير المصريين المسيحيين اتضح أنه حاصل علي شهادة الحقوق ويعمل كرئيس لمحكمة ، حاولت إفهامه أن معايرته وسخريته من صداقتي للأشفاء المسيحيين لا تتناسب أبدا مع دراسته للحقوق وتتعارض تماما مع كونه رئيسا لمحكمة ، لكنه هاجمني من جديد.
لا بأس ، فمعظم الاسلاميين المصريين والعرب الذين رفعوا أصواتهم وملأوا الدنيا صراخا اعتراضا علي العنصرية التي تُمارس ضد السود في أمريكا معظمهم إن لم يكن جميعهم يمارسون أحط أنواع العنصرية ضد مواطنيهم المخالفين لهم دينيا ، وأن أحاديث وخطب وفتاوي مشايخهم عن سماحة الاسلام وعن التعايش وقبول الآخر هي محض أكاذيب وأضاليل نخفي حقيقة تأصل الكراهية والتكفير في الخطاب الديني وفي الفهم العام لدي جميع مريدي هؤلاء المشايخ والأئمة والأمراء والدعاة جميعهم بصفة عامة.
لا بأس مرة أخري ، فهذا هو التراث الديني الذي تولي رجال الدين لأسباب مشبوهة اختيار أظلم وأكثر جوانبه دموية وعنصرية وخرافية ليقدموه لنا باعتباره الاسلام حتي صارت العنصرية والكراهية من الفروض المقدسة التي لا يجوز مخالفتها ، وصار العنف الارهابي جهادا في سبيل الله ، وصارت الخرافة تعاليم ومثلا أخلاقية واجتماعية.
الخطاب الديني عن قصد مشبوه جعل الكثير من الناس يعتقدون أن اسلامهم سيكون ناقصا إذا صادقوا أو أحبوا المخالفين لهم في الدين ، فقد أفتي كثير من الدعاة بأنه لا يجب علي المسلم أن يود المسيحي من قلبه ، وفي فيديو موجود علي اليوتيوب يقول الطبيب السلفي ياسر البرهامي إنه يجوز للمسلم أن يتزوج المسيحية لكن لا يجوز له أن يحبها أو يحمل لها في قلبه أي درجة من الود أو الألفة، وبالطبع لا يمكننا أن ننسي أو نتناسي فتاوي تكفير المسيحيين التي أصدرها العديد من المشايخ أمثال عبدالله رشدي وسالم عبد الجليل وغيرهما ، وبالمناسبة فإن هذه الفتاوي وإن كانت فردية إلا أنها تعكس القناعات الدينية العامة لدي جميع رجال الدين في مصر دون استثناء .
المصيبة الكبري هي أن الشخص الذي سخر من صداقتي بالمسيحيين ليس رجل دين ، لكنه رجل قانون ، بل يعمل في السلك القضائي ، رئيس محكمة ، هذا هو تعريفه عن نفسه في صفحته ، وبموجب احترامي لرجال القانون والقضاء بصفةعامة فأنا سأتجاوز هذه الكارثة ، وألخص ردي كما يلي :
أولا :
ربما لا يدرك هذا الشخص أن المسيحية عنصر من عناصر التكوين النفسي والأخلاقي والبيولوجي للشخصية المصرية ، فحين دخل الاسلام إلي مصر فإن كل ما حدث هو تحول بعض أو غالبية سكانها من المسيحية إلي الاسلام ، أي أن دين حل محل دين آخر ، وشعائر أُستبدلت بشعائر أخري ، وقد حدث ذلك كثيرا في الحياة المصرية نتيجة لتغيرات سياسية لا نتيجة لرغبة المصريين في التحول من دين إلي دين ، وأي ادعاء مخالف لذلك هو محض تضليل وأكاذيب وتخاريف ، غير أن كل تغير ديني لم يكن يلغي الشخصية المصرية أو يحل محلها شخصية أخري ، كان فقط يضيف إليها عناصر ثقافية ومعرفية جديدة ، وهذا هو سر غني الشخصية المصرية ، وسر امتلاء المصري بالحكمة ، فليعلم هذا الشخص الذي سخر واستهزأ بصداقتي للأشقاء المسيحيين أنه إذا كان مصريا أصيلا فإن شخصيته تتكون من العناصر المسيحية والاسلامية والآمونية والآتونية وغير ذلك من المتغيرات الدينية التي طرأت علي الحياة المصرية عبر تاريخها الطويل.
ثانيا:
رئيس المحكمة الذي عايرني وسخر من الصداقة بيني وبين الأشقاء المسيحيين مسلم بالوراثة ، يدين بالاسلام لأنه مولود لأب وأم يدينون بالاسلام ، أي أن اسلامه لم يكن باختياره ، هو بالضبط يشبه الشخص الذي ورث عن أبويه ثروة مالية لم يكن له يد في صنع مليم منها ، وحين وجد نفسه ثريا هكذا كان أمامه أن يختار بين أمرين ، إما أن ينمي هذا المال بالعمل وينشر به الخير من حوله ، وإما أن يقامر به ويسقط في هوة الانحراف والابتذال والعهر والدعارة ، وهكذا حين ورث اسلامه عن أبويه كان أمامه أن يختار بين أن يكون مسلما متسامحا معتدلا ، أو أن يكون تكفيريا ساقطا في هوة الكراهية والتطرف والعنصرية البغيضة ، وقد أظهرت معايرته وسخريته من المحبة بيني وبين الأغيار كيف كان اختياره.
ثالثا :
أنا لا أنظر في دين أصدقائي ، لكن ما يشغلني هو إيمانهم بالإنسانية.