كتب – روماني صبري
على خلفية تعنت ومماطلة إثيوبيا في حل أزمة سد النهضة، تقدمت الدولة المصرية بطلب إلى "مجلس الأمن" بالأمم المتحدة، طالبت خلاله المجلس بالتدخل لتأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية، وفقا لالتزاماتها ووفق قواعد القانون الدولي حتى يتم التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة الإثيوبي، والابتعاد عن اتخاذ أية إجراءات أحادية حتى لا يكون لها تأثير على فرص التوصل إلى حل ودي.
بداية الأزمة
في عام 2011 استغلت إثيوبيا الانفلات الأمني الذي اجتاح مصر نتيجة تبعات 25 يناير وظهور جماعة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية، وأعلنت إنشاء عدد من المشروعات على أنهارها الدولية، بعدها أبدت مصر مخاوفها وطلبت الفحص والتفتيش على تصميم ودراسات السد، من أجل تهدئة المخاوف، ولكن رفضت إثيوبيا هذا الطلب ما لم تتنازل مصر عن حق الفيتو على توزيع المياه، وبعد لقاء بين وزراء المياه من مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2012، قال الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير انه يؤيد بناء السد، في خيانة واضحة لشعبه ومصر، وكان تم التوقيع على معاهدة النيل التي وقعتها الدول المتشاطئة العليا في عام 2010، ولكن اتفاق التعاون الإطاري، لم يوقع من خلال مصر أو السودان، نظرا لأنه ينتهك معاهدة 1959 التي تعطي حقوق للسودان ومصر في مياه النيل.
دراسة السد
قررت الدول الثلاث تشكيل لجنة دولية من الخبراء لمراجعة وتقييم تقارير دراسة السد، تتألف من 10 أعضاء، 6 خبراء من 3 دول و4 خبراء دوليين في مجالات الموارد المائية والنمذجة الهيدرولوجية، وهندسة السدود والاجتماعية الاقتصادية، والبيئية، وعقد الفريق اجتماعه الرابع في أديس أبابا في نوفمبر 2012، واستعرض وثائق حول الأثر البيئي للسد وقاموا بزيارة موقع السد.
إثيوبيا تكذب
قدموا تقريرهم الأولي إلى الحكومات المعنية في نهاية مايو 2013، وعلى الرغم من أن التقرير الكامل لم يتم عرضه علنيا، حتى يتم مراجعته من قبل حكومات مصر وإثيوبيا على السواء وإدراج تفاصيل الافراج عنهم، قالت الحكومة الإثيوبية أنه وفقا للتقرير، أن تصميم السد يستند على المعايير والمبادئ الدولية من دون تسمية تلك المعايير والمبادئ، زاعمة أن السد سيقدم فائدة عالية لجميع الدول الثلاث ولن يسبب ضررا كبيرا على كل من البلدان المتشاطئة .
مصر ترفض
طالبت لجنة الخبراء الدوليين في تقريرها، بضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب، لكن لم تستكمل المفاوضات لرفض مصر بسبب عدم وجود خبراء أجانب.
العودة إلى مائدة المفاوضات
شهد عام 2014 اتفاق الدول الثلاث على عودة المفاوضات، وفي العام ذاته عقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية تضم مصر وإثيوبيا والسودان، لمناقشة صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية، والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات بموافقة الدول الثلاث .
إعلان مبادئ سد النهضة وثيقة الخرطوم
في 2014 تم اختيار مكتبين استشاريين، أحدهما هولندي والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بخصوص السد، وفي 2015 ابرم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة"، لكن انسحب المكتبان الاستشاريان وقالوا :" ليس هناك ضمانات لإجراء الدراسات بكيفية حيادية.
وثيقة الخرطوم
بعد عام ابرم وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا وثيقة الخرطوم، التي أكدت اتفاق إعلان المبادئ الموقع من قيادات الدول الثلاث، وتضمن ذلك تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع، وانقضى عام آخر لتعلن إثيوبيا أنها اقتربت من إكمال 70 % من بناء السد.
فشل التوصل لاتفاق
في 2017 تم الانتهاء من التقرير المبدئي حول سد النهضة، ووقع خلاف بين الدول الثلاث على التقرير، في أكتوبر من نفس العام وافقت مصر على التقرير المبدئي، وبسب تغيير الموقف الإثيوبي أكد وزير الري المصري عدم التوصل لاتفاق، بعد رفض إثيوبيا والسودان للتقرير المبدئي، مشددا أن مصر ستتخذ ما يلزم لحفظ حقوقها في المياه.
السيسي : الدولة ملتزمة بحماية حقوقها المائية
بعد فشل الكثير من المفاوضات وخروج تصريحات إثيوبية تعكس أنهم لا يسترقون لحق الشعب المصري في المياه، أعلن الرئيس السيسي أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية في مياه النيل، وستواصل اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي، وفقا لمحددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق.
تصريحات هوجاء
وبسبب تصريحات رئيس الوزراء آبي أحمد أمام البرلمان الإثيوبي، قائلا :" نستطيع حشد الملايين على الحدود إذا اندلعت حرب .. لذلك ليست هناك قوة ستمنعنا من بناء السد، ما جعل الخارجية المصرية تدين هذه التصريحات.
أمريكا تتدخل
تدخلت الولايات المتحدة لحل الأزمة، وشارك في الاجتماعات وزير الخزانة الأمريكية، ورئيس البنك الدولي، لكن في الاجتماع الأخير غابت إثيوبيا رغم حضور مصر وكان ذلك يومي ٢٧ و٢٨ فبراير الماضيان.
الأمريكان فشلوا
وعلق دكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، على غياب إثيوبيا عبر مداخلة هاتفية لبرنامج "الحكاية" ، قائلا :" كده الأمريكان مش هيقدروا يجيبولنا حقنا .. ووجب علينا استغلال الموقف ده لصالحنا."
وتابع :" واشنطن من دعت لهذه المفاوضات، لذلك على الإدارة الأمريكية الإعلان رسميا عن أسباب فشل هذه المفاوضات وماذا فعلت إثيوبيا وكذا الموقف الدولي بالنسبة لمصر والسودان.
ولفت :" الهدف الحقيقي لإثيوبيا من بناء سد النهضة يخالف الهدف الذي تم الإعلان عنه، موضحا :" شهدت الاجتماعات السابقة عرض النقاط الخلافية والمتفق عليها بين طرفي النزاع، والدول الثلاث اتفقت مع الولايات المتحدة والبنك الدولي كونهما يمتلكان خبرات مؤسسية وقانونية على أنهم يحطوا صيغة توافقية بين أطراف النزاع فيما يخص النقاط الخلافية ، مستطردا :" وتم الاتفاق على الاجتماع نهاية الشهر الجاري لكن الطرف الإثيوبي لم يحضر."
المخالفات الإثيوبية
وسلط نادر نور الدين، خبير الموارد المائية، الضوء على إلغاء إعلان مبادئ سد النهضة قبل العرض على مجلس الأمن بسبب المخالفات الإثيوبية، وكتب عبر حسابه على "فيسبوك"، تستند إثيوبيا إلي المادة الخامسة من إعلان مبادئ الخرطوم لعام 2015 الذي يعطيها الحق منفردة كمالكة للسد في تعديل نظم الملء والتشغيل من وقت لأخر وإخطار دولتي المصب بهذه التغيرات وبدون أخذ رأيهم أو إجراء مفاوضات جديدة لهذه التعديلات.
وتابع :" ولكن هناك بنودا أخرى خالفتها إثيوبيا وحذفتها من إعلان المبادئ وهي:-
1- وجود مكتب استشاري يحدد نظام الملء والتشغيل ،، وقد أستبعدت إثيوبا المكتب الفرنسي بعد أن قدم تقريره التمهيدي الأول الذي رفضته إثيوبيا بما يعد مخالفة لإعلان المبادئ.
2- وجود مبدأ التعويضات المستحقة لمصر والسودان في حالة ثبوت وقوع أضرارا بالغة للسد على دولتي المصب، وهو ما رفضت إثيوبيا مناقشته.
3- مخالفة البند العاشر بحتمية اللجوء إلى وسيط دولي عند تعثر المفاوضات وهو مارفضته إثيوبيا في مباحثات واشنطن والبنك الدولي.
4- مخالفة البند العاشر أيضا وعدم الإقرار برفع الأمر إلى رؤساء الجمهوريات عند تعثر مفاوضات الوفود الفنية وهو ما رفضته إثيوبيا ف المفاوضات الأخيرة.
موضحا:" وبناء عليه يكون من حق مصر سحب اعترافها بإعلان المبادئ بسبب المخالفات الجسيمة للجانب الإثيوبي في الأخذ بكل ما جاء بإعلان المبادئ وليس الأخذ انتقائيا فقط بالبند الخامس واستبعاد باقي البنود.
بسبب المماطلة الإثيوبية
وأكدت مصر في بيان تعثر المفاوضات التي جرت مؤخراً حول سد النهضة نتيجة للمواقف الأثيوبية غير الإيجابية والتي تأتي في إطار النهج المستمر في هذا الصدد على مدار عقد من المفاوضات المضنية، بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى أثيوبيا، وإصرارها على المضي في ملء سد النهضة بشكل أحادي بالمخالفة لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في ٢٣ مارس ٢٠١٥ والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم أثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب، ما جعلها تحيل القضية لمجلس الأمن.