تعرضت نظرياته للكثير من الانتقاد.. ولكن أسس علما مازال يتطور حتى الآن
كتب - نعيم يوسف
لا حديث عن علم النفس وتاريخه دون ذكر "فرويد"، إنه يمثل أيقونة الطب النفسي، ومؤسس علم التحليل النفسي، ورغم ذلك، إلا أن حياته كانت مفعمة بالأحداث الغريبة، وأبرزها أن مؤسس علم التحليل النفسي، حاول الانتحار عدة مرات في نهاية حياته.
من أسرة يهودية فقيرة
في منطقة "مورافيا"، التي كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية -آنذاك- ولد سيجموند فرويد، لأبوين يهوديين، كان والده تاجرا للصوف، وأنجبه مع ثمانية أشقاء من زوجته الثالثة، ورغم ضيق حال الأسرة، إلا أن نبوغ الطفل الصغير "سيجموند" دفع والديه لتمييزه عن أشقائه، فبذلوا الغالي والنفيس لديهم من أجل تعليمه تعليما جيدا، كما منعوا أشقائه من لعب الموسيقى في المنزل لكي يأخذ "سيجموند" راحته في مذاكرة دروسه.
مكانة خاصة للطفل النابغ
بعد أن خسر والد "سيجموند فرويد" تجارته انتقلوا إلى منطقة لايبزيغ، ثم استقروا في فيينا، ورغم الظروف الجديدة، التحق فرويد بمدرسة بارزة وهي مدرسة كومونال ريل جيمنازيوم الموجودة في حي ليوبولدشتات ذي الأغلبية اليهودية، ليواصل الطفل نبوغه، ويواصل النجاح يوما بعد يوم، ورغم أنه خطط لدراسة القانون إلا أنه التحق بكلية الطب في جامعة فيينا للدراسة تحت إشراف البروفسور الدارويني -نسبة إلى داروين العالم المعروف وصاحب نظرية التطور والنشوء- كارل كلاوس.
طالب متفوق.. ولكن متأخر دراسيا
الدراسة المقرر أن تنتهي في أربعة أعوام -حينها- أنهاها "فرويد" في ثماني أعوام، ولم يكن هذا غباء أو توقفا عن النبوغ، بل يرجع إلى متابعته وانشغاله بكثير من الاهتمامات خارج مجال الطب، فهو في الحقيقة لم يكن مهتما بأن يصبح طبيبا ولكنه رأى أن دراسة الطب هي الطريق إلى الانغماس في البحث العلمي.
بداية الطريق إلى الطب النفسي
تعرف على جوزيف بروير وهو من أبرز أطباء فيينا، وكان ناصحا لفرويد وصديقا ومقرضا للمال وتأثر به وأعجب بطريقته الجديدة لعلاج الهستيريا، وقد تعاون الطبيبان فيما بعد في مجال الطب، وحصل "فرويد" عام 1881 على الدكتوراه وعمل في معمل إرنست بروك، وفي عام 1885 حصل على منحة سافر بها إلى باريس وهناك درس على يد طبيب نفسي فرنسي مشهور هو جان مارتان شاركو، الذي كان يستخدم التنويم المغناطيسي في علاجه للهستيريا، وبعد عودته إلى فيينا عمل طبيبًا خاصّ?ا وطبق ما تعلمه من شاركو.
بعد أعوام من العمل طبيبا، وضع فرويد أسس علم التحليل النفسي، بعد أن توصل إلى أن الكبت صراع بين رغبتين متضادتين، وأن هناك نوعان من الصراع: واحد في دائرة الشعور تحكم النفس فيه لإحدى الرغبتين وتترك الثانية وهو الطريق الطبيعي للرغبات المتضادة دون اضرار النفس. بينما النوع الآخر هو المرضي؛ حيث تلجأ النفس بمجرد حدوث الصراع إلى صد وكبت إحدى الرغبتين عن الشعور دون التفكير وإصدار حكم فيها، لتستقر في اللاشعور بكامل قوتها منتظرة مخرج لانطلاق طاقتها المحبوسة، ويكون عن طريق الأعراض المرضية التي تنتاب العصابين.
فرويد.. واللاوعي
اشتهر فرويد بنظريات العقل واللاواعي، وآلية الدفاع عن القمع وخلق الممارسة السريرية في التحليل النفسي لعلاج الأمراض النفسية عن طريق الحوار بين المريض والمحلل النفسي. كما اشتهر بتقنية إعادة تحديد الرغبة الجنسية والطاقة التحفيزية الأولية للحياة البشرية، فضلا عن التقنيات العلاجية، بما في ذلك استخدام طريقة تكوين الجمعيات وحلقات العلاج النفسي، ونظريته من التحول في العلاقة العلاجية، وتفسير الأحلام كمصادر للنظرة الثاقبة عن رغبات اللاوعي.
انتقادات منهجه
تعرض منهج فرويد للكثير من الانتقادات ممن جاؤا بعده، وأثبتت دراسات حديثة انتقادات لنظرة فرويد الجامدة للجنسية عند الإنسان وكيف أنه أرجع كثير من الاضطرابات إلى عوامل جنسية بحتة، وتجاهل الجانب الاجتماعي وكيفية تأثيره في الشخصية السوية وتأثيره في العقد الجنسية، ولكن رغم الانتقادات كان لفرويد عظيم الفضل في تطور علم النفس ومبادئ كثيرة تستخدم في العلاج النفسي الآن.
تراث علمي مستمر
ألف نحو 19 كتابا، ومن أهمها: تفسير الأحلام، قلق في الحضارة، مستقبل وهم، موسى والتوحيد، والشذوذ الجنسي، ما فوق مبدأ اللذة، ثلاث مقالات في النظرية الجنسية، خمس محاضرات في التحليل النفسي، وكتاب السلوك.
هفوة عالم.. ولكنها بحياة إنسان
كما أن لكل عالم هفوة، هكذا كان فرويد، فقد تسببت طريقته في العلاج في قتل أحد مرضاه، حيث كان يظن فرويد أن الكوكايين ذو أثر إيجابي في شفاء النفس، فقام بعلاج أحد مرضاه باستخدام الكوكايين ولكنه توفي جراء ذلك .
نهاية صعبة
على المستوى الشخصي، تزوج في عام 1886 من مارتا برزنيز وأنجب منها ستة أطفال؛ ثلاثة من البنين وثلاث من البنات، وتوفي بسبب مرض السرطان الذي حاول إخفاءه مرارا لكن لم يفلح في ذلك، وحاول مرات عديدة الانتحار وذلك بسبب حالة الندم والحسرة في آخر عمره، حيث توفى في 23 سبتمبر، 1939.