هاني لبيب
نعم.. يحقق البعض منا نفسه بالنضال الافتراضى على «الفيسبوك»، وهذا النضال يتحول إلى ما يشبه الجهاد عند مناقشة أي فكرة لها علاقة بالدين، رغم أنها لا تتعرض للثوابت العقائدية بقدر ما تتعلق برفض التوظيف والاستغلال السياسى أو الإعلامى للدين، من خلال كهنة الشو الافتراضى وشيوخه.
كتبت الأسبوع الماضى على صفحات «المصرى اليوم» مقالا بعنوان «قتلة فرج فودة الحاليون!»، وتساءلت: من الذي قتل فرج فودة؟ وذكرت نصًا: «نحن من قتلناه بخيبتنا.. بصمتنا على عدم مواجهة الأفكار المتطرفة والرد عليها وتفنيدها، نحن من قتلناه بترك تلك الأفكار الضالة تأسر الدين وتحوله إلى رهينة، لا تعرف تجديد الفكر، بل تقدسه وتفسره بشكل منحرف لصالح كل ما هو ضد صحيح الدين، بعظمته وعدالته وسماحته».
وللأسف الشديد، اتخذت غالبية التعليقات هجومًا حادًا موجهًا على أفكار لم أتعرض لها من الأصل في المقال، في محاولة من البعض لاستباق التفاعلات وردود الأفعال على ما جاء بمضمون المقال، والقيام بتصوير الأمر باعتباره صراعًا عقائديًا ودينيًا بين المسيحية والإسلام من جهة، وبين أتباعهما من جهة أخرى. وقد تسببوا في هجمة تعليقات لا علاقة لها بمضمون المقال، ووصل الأمر بهم إلى توجيه اتهامات طائفية تحرم مناقشة موضوعات عامة، بحجة أنها من صميم الدين، وهذا أمر حق يُراد به باطل.
قطعًا، الثوابت الدينية ليست محل نقاش، وإذا طُرحت فهى من صميم اختصاص رجال الدين وعلمائه، أما حدود المسموح به في النقاش فهو أسلوب البعض في المعاملات اليومية الإنسانية، والتى تتخذ الدين لتبرير تصرفات تحقق مصالح محددة لا علاقة لها بقيم الدين ومبادئه.
أعتقد أنه قد أصبح من المرفوض أن يمارس بعضنا الوصاية الفكرية أو الدينية على بعضنا دون وجه حق، كما أصبح من غير المقبول ادعاء فضيلة قيمة الحوار، وقبول اختلاف الآراء.. رغم أننا على النقيض تماما. والمرفوض تماما هو بناء نتائج مرتكزة على مقدمات فاسدة وباطلة.
كتبت كثيرًا أن أصحاب إنتاج الأفكار الحقيقية يعانون في مجتمعنا من متلازمة الهجوم الافتراضى على الفيسبوك، بهدف رسم صورة ذهنية محددة تصنف كاتب المقال/ الأفكار من خلال الحكم عليه بوضعه تحت مظلة محددة.. وطنى أم غير وطنى، مسيحى أم مسلم.. وهكذا، لتصدير انطباع عنه وعما يكتبه بالترويج لمعلومات موجهة لمغازلة جماهير الرأى العام الافتراضية باحتياجاتها حسبما يطلبه «الفيسبوكيون»، وليس حسب دقة الأحداث والمعلومات والصالح العام للمجتمع، وكلما نقصت المعلومات الدقيقة زادت مساحات اختلاق القصص والتحليلات والتبريرات، وما يتبعها من شائعات يُروّج لها باعتبارها حقائق مطلقة غير قابلة للشك أو التكذيب.
نقطة ومن أول السطر..
تراجع التفكير لصالح التكفير. وأصبح التطرف الفكرى بمثابة احتكار وامتياز في التفسير والتأويل لمصادرة عقل المخالفين له، وهو بداية طريق الإرهاب.. لأنه ينكر الحق في الاختلاف، سواء في الرأى أو في الاجتهاد ليصل لدرجة إنكار حق الوجود والحياة.. فتكون النتيجة الطبيعية هي إبادة المختلفين واغتيالهم معنويًا وفكريًا واجتماعيًا ودينيًا بالردة والحسبة والكفر قبل اغتيالهم جسديًا.
نقلا عن المصرى اليوم