ندى محسن
كلما جلست أشاهد مسلسل ليه لأ أشعر بكل أنصار “ارجعي المطبخ” يتجمعون حولي وإلى جواري على الأريكة، ومع نهاية الحلقة أشعر بالهزيمة، أسمع “السف” والانتقادات في رأسي كيف ستكون، لست بحاجة حتى إلى متابعتها، ولأول مرة يكونون على حق، ويفشل عمل نسائي في تمثيل النساء.
قصة المسلسل
يحكي المسلسل عن فتاة في سن الثلاثين، تهرب من حفل كتب كتابها واضعة الأسرة في موقف بشع، ثم بعد الواقعة بأسبوعين تقرر أن تنضم إلى مسابقة أجنبية للفتيات العربيات، تكافئ أكثر المتقدمات استقلالاً. تشترط المسابقة قائمة من المهام في مهلة سنة للتنفيذ، أولها: السكن بمفردك.
أسباب قدمها المسلسل ليبرر بها مباركة صديقات البطلة وخالتها على هربها من الزفاف:
أنها لا تريد الزواج الآن.
أن عريسها كان صالونات ولم تكن مغرمة به.
أنها قبلت الزواج فقط لتتخلص من الإلحاح والتقطيم على تقدم سنها.
لم ترحل قبل يوم الكتاب لأن الفكرة لم تخطر على بالها، وأن رحيلها يوم كتب الكتاب يقلل الخسائر.
ما الفرق بين “عاليا” و”مصطفى أبو تورتة”؟ ولا حاجة.
تتر البداية وصوت آمال ماهر الذي يثير العزة في صدرك، ويبعث فيكِ الطاقة، مع كلمات الأغنية، التي تتحدث عن القادرة والملكة والرافضة، كلمات كبيرة تناسب قضية كبيرة، وبصوت جميل وقوي ونافذ إلى العواطف، ثم تدخل فلا تجد أيًّا من كل هؤلاء النسوة القادرات في الداخل.
ليس فقط عنوان المسلسل وأغنيته، بل فريق العمل النسائي بالكامل، فكرة وإخراج وتأليف وإشراف على الكتابة، وأجواء ومواقف مناصرة المرأة المحشورة في السياق عن قصد، كلها أمور تسحبك إلى أن هناك رسالة نسوية حقوقية خلف هذا العمل، ومما عرضته الحلقات الستة الأولى، يمكن أن تخمن هذه الرسالة هي التتفيه من فكر المرأة وما تنادي به النساء وما تبحث عنه.
مبدأ الاستقلال
تستطيع الآن تفهم التوقعات التي بناها الإعلان والأغنية، والتتر المليء بأسماء النساء، الحماسة لأول مسلسل عربي يناقش فكرة الاستقلال، ويمثل أخيرًا شريحة عريضة من الموظفات من سكان المحافظات، اللاتي تركن بيوتهن الآمنة، ولطمتهن الأيام بين بيوت المغتربات وتأجير الشقق المفروشة مع زميلات سكن، فقط لتنعم إحداهن بوظيفة أحلامها أو تكمل تعليمها. أو المعنفات من الأهل ومن تتعرض للحبس والحرمان من العمل والتعليم، أو الإجبار على الزواج، تتخيل أن ترى أسعار السرير الواحد الذي يتخطى ١٠٠٠ جنيه، وقد يدفع الفتاة لشغل وظيفتين معًا فقط لتغطية تكاليف العيش في العاصمة والأكل والشرب.
ولكن بدلاً من كل هؤلاء اللواتي يمثلن ٩٠٪ من أسباب الفتيات لترك منازل أهاليهن، هيا نتحدث عن فتاة مرفهة تحرق المكرونة الاسباجتي، تركت منزل أهلها لأنها أجبن من أن تدير حوارًا عاديًا مع والدتها، وسعيًا خلف جائزة قيمتها ٢٠ ألف إسترليني. فتاة تستطيع تحمل تكلفة شقة في وسط البلد بمفردها، بل وتتعثر في شوارع أكثر أحيائنا القديمة نظافة، لتكون تلك الفتاة بهذا النموذج وبناء الشخصية، أول رمز يوضع أمام الجمهور العربي، ويعرفهم معنى وقيمة الاستقلال.
أسباب جعلت المسلسل يصنف “عاليا” محرومة من حريتها ويصنف أمها بالمسيطرة
رفضت أن تكمل تعليمها في دولة خارج مصر.
كانت ترفض أن تقص “عاليا” شعرها.
كانت تشترط عودتها في العاشرة مساءً (تخيل؟!).
كنت لأحب “عاليا”، وأتعاطى مع ضعف الشخصية والسلبية التي تسببت فيها نوعية التربية، والمشكلة التي تحدث عندما تتربى فتاة على يد أم قوية الشخصية ومحكمة السيطرة -ليس بالضرورة شريرة- وما يترتب على ذلك من العيش في بيئة محصنة من المخاطر، لدرجة تشبه غرف الطفل الرضيع، لولا الجو العام من حمل لواء المرأة المستقلة، والحوار المراهق المصمم على حشر مصطلحات حقوقية في غير سياقها، مما يضر بالقضية بدلاً من أن ينصفها ويبروزها كما هو مفترض، أضر المسلسل بمبدأ الاستقلال ثم معنى التحرش، ثم التعنيف، ومستمر في تسطيح كل مشكلة تعانيها المرأة المصرية، والتركيز على شريحة واحدة فقط دون أي تمثيل لباقي أشكال الاستقلال وظروفه، ولو حتى في خلفية الأحداث.
يقوم مبدأ “لأ يعني لأ” على أنه عليك أن تستمع لحبيبتك/ صاحبتك/ زوجتك، وألا تلح عليها في وضع لا تريده، لأ ليست “تُقل” وليست دلالاً، لأ يعني لأ، أقول قولي هذا وأترك لك تطبيق المعنى على المشهد، وإخباري ما هي العلاقة بين شاب قيل له لأ فانصرف، وما تقوله الآنسة بالروج الأحمر.
كان هناك مئات المواقف الأقل جدلاً والأكثر وضوحًا التي يمكنك إيجادها على فيسبوك ولا تحتاج إلى خيال، والصالحة لتعريف الناس بمبدأ “لأ يعني لأ”، دون الخضوع لمناقشات حول أسلوب الحياة الأجنبي والمتفتح الذي اختارته “عاليا” لنفسها، وبالتالي يسهل معه افتراض تقبلها لقبلة، وبالتالي تبرير المحاولة، خصوصًا أنه لم يجبرها أو يلح عليها.
خط “رضوى”، صديقة “عاليا”، شخصية تشبه كل الفتيات في مدرجات الجامعة، والمخطوبات من مختلف الطبقات، تواجه ابتزازًا عاطفيًا وتهديدًا وتحكمًا في علاقاتها، ولا تستطيع التمييز بينه وبين الحب، فتاة تشبه صديقاتنا وتشبهنا، وتواجه ضغطًا حقيقًا لم تتم توعية الفتيات ضده بعد. خط هالة صدقي وقرب الشبه بينها وبين أمهاتنا.
قُصر الكلام
تخيل معي أحد أنصار “الحلوى المكشوفة” وهو يشاهد مسلسل ليه لأ أو أحد الملقبين لأي سيدة تسعى لصنع كاريير بالـ”ناشز”، أو أب صعيدي أرسل ابنته لتعمل في القاهرة، كيف سيتفاعلون مع كل هذه المواقف السطحية التي تتفّه كل الفتيات، هذه هي المرة الأولى التي ينقل فيها مسلسل مشكلات جيلنا من الإنترنت إلى عالمهم الذكوري، وكانت النتيجة النهائية هي إعطاؤهم مادة خام للسف والاستهزاء بنا.
نقلا عن نون