خالد منتصر
الأوطان التى تنهض هى الأوطان المشغولة بالمستقبل والمهمومة بالغد، ولأننا أوطان ما زلنا نتنفس أفكاراً مشبعة بغاز الميثان الخارج من مساحيق جماجم المقابر التى مات أصحابها منذ أكثر من ألف سنة، فقد سعدت أن أرى كتاباً يحمل فى عنوانه عطر الغد، على مقهى «الحالمون بالغد»، ليس مجرد عنوان كتاب أو تأملات كاتب ولكنه بذرة مشروع حلم كامل لوطن يحلم بالتغيير، وأهميته ليست فى موضوعه فحسب ولكن اسم مؤلفه يكسبه قيمة مضاعفة، د. حسام بدراوى ليس طبيباً لامعاً شهيراً فحسب، وأستاذاً محاضراً يسحر الطلاب بأسلوب تدريسه، ولكنه كوكتيل مدهش من الفنان والسياسى والرياضى ورجل العمل العام والمهموم بحل مشكلة التعليم التى هى طوق نجاة مصر والتى يمتلك لمواجهة مشكلاتها رؤية ثورية متكاملة لا بد من الانتباه إليها وتبنيها، أما على المستوى الإنسانى فهو صديق حكيم وجدع بمعنى الكلمة، ويحتاج إلى أضعاف تلك المساحة للإلمام بجوانب تلك الجدعنة والكاريزما، الكتاب الصادر عن دار نهضة مصر هو على مستوى الشكل فيه شياكة وأناقة، وبصمة المؤلف المحبة للفن ظاهرة فى اللوحات المنتشرة فى فصول الكتاب، برغم موضوعات الكتاب المتفرقة التى تراها ظاهرياً لا علاقة بينها، إلا أن ما يجمع تلك المقالات هو روح مستقبل الغد، هى ليست شذرات مبعثرة، إنما هى حبات مسبحة فكرية تأملية مستقبلية يربطها خيط اسمه «بُكرة» وغداً ومستقبلاً، بداية من سؤال المؤلف المدهش مع من يتكلم الله؟، وكيف يتكلم؟، وهل الكلمات هى خيط التواصل الوحيد بيننا وبين الله؟، وهل لا بد من وجود وسطاء وسماسرة ينوبون عنا للكلام مع الله؟،
أسئلة صادمة مهمتها تحضيرك للغد وجدانياً، فمن يريد الغد المشرق لا يريده فقط عن طريق استقلال العقل، لكن استقلال الروح عن مزيفى الوعى من تجار الدين على نفس درجة الأهمية، ومن سؤال الدين إلى سؤال التاريخ، الذى لا غد ولا مستقبل بدون حسم إجاباته، ما هو التاريخ؟، كيف يكتب وكيف نقرأه؟، هل هو دليل تليفون أم دليل مستقبل؟، يلخص بدراوى مشكلة التاريخ بأن المنتصر هو الذى يكتبه، وأننا نكتبه بدون خلق وعى تراكمى يرتقى بنا إلى المستقبل، دائماً فى كل صفحات الكتاب نجد المستقبل، هذا المستقبل يؤمن المؤلف بأنه لا يمكن أن يتحقق مهما توافرت التكنولوجيا بدون التعليم الجيد، يؤكد فى كتاب أنها فرصة ذهبية أن يتجمع مواطنون لمدة ١٤ سنة متتالية فى إطار محدد الزمان والمكان نستطيع فيه تشكيل الوعى وخلق الوجدان المشترك، ويضع د. بدراوى معنى جديداً لمصطلح الأمية، ويقول إنها ليست أمية القراءة والكتابة فقط ولكنها أمية الفهم، وينزل إلى عمق الجذور للإصلاح، ويفكر خارج الصندوق ولا يستسهل ويقول المناهج فقط، لكنه يشير إلى طريقة الحياة داخل المؤسسة التعليمية التى سيكتسب منها الطالب احترام المواطنة وحقوق الإنسان وينبذ الكراهية والتطرف، ولذلك ينتقد طريقة التعليم الدينى ويتساءل، كيف لطالب يقضى أربع عشرة سنة من الدراسة فى مدارس ثم أربعة أعوام فى جامعة ولم يجلس بجانبه مسيحى، ولم تجلس بجانبه فتاة أن يتقبل أن يكون هؤلاء مواطنين معه لهم نفس الحقوق؟!، ومن الشأن العام إلى الشأن الشخصى، ينتقل د. حسام بدراوى إلى الكتابة عن تجربة ابنته التى أيضاً لها علاقة بالغد والمستقبل، قصة بنت صغيرة تعاملت مع مرض السكر بفهم وجسارة وقدرة مذهلة على الفرح والبهجة والاندماج بل والقيادة، صارت شابة بدرجة صانعة أمل، صارت نافذة طموح وانتصار وطاقة نور لكل من حولها، وصارت أيضاً مثل أبيها الأعلى.
شكراً لصاحب الكتاب د. حسام بدراوى على تلك الوجبة الثقافية الشهية الممتعة.
نقلا عن الوطن