بقلم : د . مجدى شحاته
مشكلة سد النهضة هى الاخطر فى تاريخ مصر . فهى قضية حياة ووجود . فمصر تقع ضمن حزام المناطق الصحروية الجافة وتعتمد على مايقرب من 97% من مواردها المائية من نهر النيل ، بحصة سنوية مقدارها 55.5 مليار متر مكعب .
و يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياة سنويا 600 متر مكعب وهو أقل من حد الفقر المائى المقدر دوليا بألف متر مكعب سنويا . لذلك بدأت خطوات جادة فى مشروعات تحلية مياة البحروالاستفادة من كل قطرة مياه جوفية .
انتهزت الحكومة الاثيوبية أحداث ثورة يناير 2011 فى مصر ، وأعلنت فى فبراير عن عزمها فى بناء سد النهضة على نهر النيل الازرق لتوليد الطاقة الكهربائية . وفى 30 مارس أعلن وزير المياة والطاقة الاثيوبى فى مؤتمر صحفى عن السعة التخزينية للسد ، وفى اليوم التالى مباشرة تم التوقيع بين الحكومة الاثيوبية وشركة ايطالية لتنفيذ المشروع بتكلفة 4.8 مليار دولار ، وفى 2 أبريل من نفس العام قام رئيس الوزراء الاثيوبى بوضع حجر الاساس للسد . وكلها خطوات فرض أمر واقع فى ظل انشغال مصر باحداث ثورة يناير . لقد ضربت أثيوبيا بعرض الحائط كافة الاتفاقيات الدولية التى تحدد بوضوح حصة مصر التاريخية من مياة النيل والتى تقدر بمقدار 55.5 مليار متر مكعب . واتفاقيات دولية بعدم انشاء اى سدود على النيل الازرق أو بحيرة تانا الا باتفاق وموافقة دول حوض نهر النيل . فضلا عن اتفاقية تعطى الحق الكامل لمصر بالاشراف على نهر النيل من المصب الى منابعه ، وغيرها من الاتفاقيات الدولية .
واستغلت اثيوبيا تفشى وباء كورونا ( كوفيد - 19 ) لتصعيد النزاع ، أثر تخلفها حضور اجتماع واشنطون نهاية فبراير الماضى والذى كان مخصصا لأبرام اتفاق نهائى مع مصر والسودان بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد ، وكان الاجتماع برعاية امريكية والبنك الدولى والأمم المتحدة . بعدها مباشرة ، أعلنت اديسا أبابا انها ستبدأ فى تخزين 70% من سعة السد من نهر النيل '> مياه نهر النيل فى بحيرة السد ابتداء من يوليو القادم !! ياتى هذا التعنت رغم الاتفاق المبرم فى مارس 2015 بين مصر والسودان واثيوبيا والذى ينص فى مادته الخامسة على قواعد ملء وتشغيل السد قبل البدء فى الملء بما يمنع أى ضرر على دول المصب .
وتستمر اثيوبيا فى اتباع سياسة التعنت واتخاذ خطوات تخالف كل القرارات الدولية ، واهدار لكافة الاتفاقيات والتفاهمات التى توصلت اليها الدول الثلاثة خلال المفاوضات الممتدة لما يقرب من عقد من الزمن . بغرض استخدام مياه النيل الازرق بشكل أحادى وملء وتشغيل السد وفق رؤيتها المنفردة . وعلى الجانب الآخر تظهر مصردائما حسن النوايا مع مزيد من المرونة واللباقة واحترام حقوق كافة دول الجوار فى التنمية والتقدم والزدهار بشرط عدم الاضرار بحقوق الآخر .
ان التحديات التى تواجه مصر بخصوص نهر النيل '> مياه نهر النيل ، شريان الحياة للمصريين ، ليس غائبة عن الرؤية المصرية السليمة الواعية ، التى سعت دائما لتحقيق جميع السبل لإعلاء قيمة المصلحة الوطنية فوق كافة الاعتبارات الاخرى . لقد أعطت مصر الاولوية للتفاوض واشركت المجتمع الدولى متمثلا فى الولايات المتحدة الامريكية والبنك الدولى والامم المتحدة فى المسار التفاوضى . بل التزمت مصر بضبط النفس لأقصى درجة على طول خط التفاوض فى محاولة جادة لتقديم هذا السبيل على أى خيارات أخرى . فالمصريون لم يهربوا يوما من أرض المعركة ، ولم يسجل لهم التاريخ أنهم قد فرطوا فى حق من حقوق الوطن ، وكافة الخيارات مطروحة للحفاظ على حقوق المصريون فى نهر النيل '> مياه نهر النيل .