حوار لا مفر منة:
سليمان شفيق
""في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه" (قضاة / 21 /٢٥ )
احمد الله انني لا اريد اي مكاسب سوي "ميته صالحة" أن امكن ، احب الوطن واشعر بكل ما يحيط به من ارهاب في سيناء ومحاولات تركية لجرنا الي معركة في ليبيا الي محاولات اثيوبيا جرنا للحرب او العطش ناهيك عن الكورونا ومخاطرها ، وفي نفس الوقت اتابع المأساة التي حدثت من تحول الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العريقة ،مع تقديري للجميع من الاباء والاكليروس والبطريرك والعلمانيين حيث تحول الجميع ، الي عدة اطراف متازعة .. بلا قيادة حقيقية ،يختلفون عقيديا ولاهوتيا دون ادراك حقيقي لمخاطرما يحدث للكنيسة والوطن ، الامر الذي دفع تيار صحفي ان يشارك في تلك الخلافات بطريقة "مشوهة ومشبوهة" ، وفجأة وجدنا طرف حكومي مشكورا يتدخل في سرعة ملفتة للنظروغير معهودة في قضايا اخري الامر الذي جعل الامر يذكرنا بمخاطر سابقة حفظ الله الكنيسة والوطن.
وبدلا من ان نجد من يتكلم مع المقر واباء المجمع في حكمة، راينا العكس محاولات لجر الكنيسة الي تجدد تلك المعارك ، يحدث ذلك ولازالت الكنيسة تحاول لم الشمل واعادة افتتاح الكنائس مع دور العبادة ، ودون دواعي الاطالة وبدون اي تحفظ لازالت الكنيسة مجمعيا وبطريركيا تعاني من خلافات معلنة لاهوتيا وعقيديا ، لن تحلها الحكومة ولا الهيئات الاعلامية .
تجعلنا نطرح التساؤلات حول وجود "كبير" او" ملك" حقيقي يعينة الله لقيادة الكنيسة ولا يتحول الي طرف، مهما كان ما يطرحة من اراء مستنيرة ولكنها تجعلة طرف وليس قائد ، لان الكنيسة الان بحاجة لقائد يري مشاكل الوطن والمؤمنين في تلك المرحلة الحرجة دون الاعتماد علي طرف حكومي او صحفي ؟
لذلك اري في ظل تباعد وجهات النظر بين الاكليروس تعاني الكنيسة القبطية الارثوزكسية من نقص الوجود "العلماني " الذي كان يسمي المجلس الملي العام ، مما كان يكمل جناح الكنيسة الاخر من الاكليروس ، وللاسف وبدون دواعي الحرج حاولت الكنيسة مؤخرا تسمية اسماء من بعض العلمانيين في لجان موقرة ولكنها لم تكمل الدور وتسد الحاجة بل اصبح اغلبها يبحث عن رضي الحكام او بركة المتنفذين في القرار لدي الاكليروس لتحقيق مصالحهم مه الحكم.
هل يمكن ان يكون ذلك المجلس الملي العام؟ السؤال :
اتمني قبل فوات الاوان، وذلك لان المجمع مختلف واغلبهم انزوي بعيدا في محاولة الحفاظ علي ايمان إيبارشيته في صمت وسط حالة ايمان جماعي ومحبة في الكنيسة وخوف علي ذلك التباعد بين المقر البابوي وجماعة المؤمنين في القري والاماكن المنسية التي تعاني من حرج في مشاكل لاتجد فيها صوت للمقر البابوي مع كامل محبتهم للبطريرك والمجمع ولكن لا مفر من ذكر ذلك المسكوت عنه.
لا يمكن إدراك وفهم المجلس الملي دون ادراك ما يحدث في الوطن ، ولا يمكن ادراك مايحدث في الوطن دون ادراك مايحدث في الكنيسة العتيدة ، منذ 1873وحتي نهاية 2020، ما يقارب القرن ونصف القرن ، سبعة بابوات (كيرلس الخامس ، يوانس التاسع عشر ، مكاريوس الثالث ، يوساب الثاني، كيرلس السادس ، شنودة الثالث ، تواضروس الثاني)و18 مجلسا مليا ، ولم تخلوا دورة للمجالس الملية من مشكلات وخلافات بين الاكليروس والعلمانيين الا في عهد البابا المتنيح شنودة الثالث ، ويعود ذلك الي رسامة الاعضاء الموقرين شمامسة ، ومن ثم عملوا ليس بصفتهم علمانيين بل درجة ادني من الاكليروس !!
ولذلك كانت دورات المجلس الملي المتعاقبة في حبرية البابا المتنيح شنودة الثاني تخلوا من أي نزاع ، مجرد ألية تنفيذية للاكليروس ، اصدار بيانات وفقط ، حتي ان انتخابات المجالس في حبريتة كانت تتم بقوائم متفق عليها مع المقر البابوي ، ولذلك يكاد يكون دور المجلس الملي قد افرغ من مضمونة بعد ثورة يوليو 1952 بشكل موضوعي ، ومن غلبة اليبراليين وكبار الملاك علي عضويتة من 1873 وحتي 1952 ، الي كبار الموظفين ورجال الدولة والتكنوقراط بعد 1952 ، الي متغيرات كبري حدثت للنخب القبطية بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث لم تعد النخب لا كبار ملاك ولا تكنوقراط بل ابناء الفئات الوسطي والدنيا من الطبقة الوسطي ، ثواروخدام ، ابناء ثورة الاتصالات وليسوا ابناء الثورة الزراعية، ثوار كسروا منهج ومفهوم الابوية هذة المعطيات والمتغيرات انعكست علي المجلس الملي حتي ان البابا تواضروس صرح في اكثر من حديث بأنة لايرتاح لاسم "المجلس الملي" ومن المؤكد ان البابا علي حق لاننا لا نعيش الان في العصر الذي نصنف فية ك"ملة" ، بل نعيش في عصر المواطنة ، ولذلك كلة ووفق كل ماذكر فأن العمر الافتراضي للمجلس الملي شكلا وموضوعا ، الاسم والمهام والتركيب الاجتماعي ، كل ذلك انتهي عمرة الافتراضي ، واصبح الحديث عن "المجلس الملي" بشكلة القديم كمن يدخل الكنيسة بالطربوش العثمانلي !!
ورغم ذلك فالمجلس الملي اصبح جزء لا يتجزء من بنية المؤسسة الكنسية منذ ان تأسس بعد ان انتقلت رياح التغيير من الوطن الي الكنيسة العريقة ، في 1872، وانتخب اعضاؤه في 16 يناير 1874، وأختير بطرس غالي باشا وكيلا للمجلس حيث كانت الرئاسة للبطريرك، وأصدر الخديوي أمره باعتماد تشكيله، وبدأ المجلس يباشر مهامه في فبراير 1874، وهو الذي إختار كيرلس الخامس بطريركا خلفا لديمتروس في عام 1875، ورأى كيرلس الخامس أن المجلس يمثل اعتداء على سلطاته فحل المجلس في 1875، وسعى بطرس غالي لدى الدولة في هذا الشأن حتى صدر الأمر العالي في 13 مارس 1883 بتشكيل المجلس الملي مرة أخرى، وأعيد انتخاب بطرس غالي وكيلا له في 14 مايو 1883. ونصت لائحة المجلس الملي على أن يشكل المجلس للنظر في كافة المصالح الداخلية للأقباط، وأن يختص بحصر اوقاف الكنائس والاديرة والمدارس وجمع حججها ومستنداتها وتنظيم حسابات الايراد والمنصرق وحفظ الارصدة وأن يكون من واجبه ادارة المدارس والمطبعة ومساعدة الفقراء، وحصر الكنائس وقساوستها والاديرة ورهبانها والامتعة والسجلات الموجودة بهذه الجهات، وذلك فضلا عن اعتباره محكمة للأحوال الشخصية للأقباط تنظر
منازعات الزواج والطلاق وغيرها، ويكون تشكيل المجلس من 12 عضوا يكونوا المجلس، و12 نائبا يضافوا الي الاعضاء لتكوين الجمعية العمومية له، وينتخب الاعضاء والنواب 150 ناخبا، ويكون البطريرك هو رئيس الاجتماع الانتخابي، كما تكون له رئاسة المجلس الملي ذاته على أن ينتخب وكيل للمجلس من أعضاءه يقوم مقام الرئيس عند غيابه، ومدة العضوية والنيابة في المجلس 5 سنوات تجدد بعدها الانتخابات، ورفض المطارنة المجلس وأصدروا بيانا يؤكدون فيه أن المجلس مخالفة للأوامر الإلهية والنصوص الرسولية، وأعلن البطريرك كيرلس الخامس رفضه للائحة، وعندما اراد المجلس تجديد انتخاب أعضائه في 1891، رفض البطريرك ،فطلب المجلس بقيادة بطرس باشا غالي الكبير من الحكومة نفي البطريرك، فنفي إلى دير البراموس بوادي النطرون، ونفي مساعده ووكيله الانبا يؤانس(البطريرك الذي خلف كيرلس الخامس فيما بعد نياحتة) الى دير الانبا بولا بالصحراء الشرقية ودام نفيهما قرابة العام حتى اعادتهما وزارة رياض باشا في 4 فبراير 1893، والتفت حوله الجماهير بما فيهم أغلب خصومه، ولم يعد البطريرك مهزوما بل أكثر تشددا، فقبل العمل بلائحة 1883 بشرط أن تؤلف لجنة ملية تعمل بجواره بدلا من المجلس المنتخب، وبذلك نسف البطريرك جوهر اللائحة، واستمرت الأوضاع على هذا المنوال ما يقرب من إثني عشر عاما.بل ويمكن القول ان الصراع بين العلمانيين والاكليروس حول لائحة المجلس الملي استمر حتي ثورة 1952 ، وماتلاها من صراع مابين البابا كيرلس السادس (1959/1970) واغلاقة للمجلس الملي والاستعانة بذلك بالرئيس جمال عبد الناصر ، وحتي جلوس البابا شنودة الثالث (1970/2012) الذي لم يجد سوي حلا اكليروسيا حينما رسم اعضاء المجلس شمامسة.
واستمر الصراع بين الاكليروس والمجالس الملية المتعاقبة مايربوا الي قرن وربع القرن من الزمان حتي المجلس الملي "المتأكرس" ، نسبة الي سيامتهم شمامسة ، وحول دورتية الاخيرتين يقول :المهندس يوسف سيدهم عضو المجلس الملي للدورتين الاخرتين ،ورئيس تحرير جريدة وطني : ـ يختص المجلس الملى بالنواحى الإدارية وغير الدينية فى حياة الكنيسة , فيدير وينظر كل ما يتعلق بالأوقاف الخيرية والمدارس والكنائس والمطابع القبطية والمعونات للفقراء والمعوزين , وينظم حياة الكنيسة وحياة الرهبان فى الديرة وسجلات الزواج والتعميد والوفاة . ـ أجازت اللائحة أيضاً تشكيل مجالس ملية فرعية , يتولى رئاسة كل مجلس الأسقف أو الرئيس الروحى فى الجهة المعنية، وينتخب الأعضاء بنفس الطريقة التى ينتخب بها المجلس العام. ويتولى المجلس الملي مهامه لمدة 6 سنوات، والمجلس الحالي هو المجلس المنتخب في عام 2006، ووفق اللائحة الحاكمة للمجلس الملي فإن البابا يتولى التنسيق مع الدولة ممثلة في وزارة الداخلية من أجل اجراء انتخابات للمجلس الملي، وعقب إجراء الإنتخابات ترفع وزارة الداخلية تقريرها إلى رئيس الجمهورية يتضمن أسماء الـ 24 عضوا للمجلس الملي ليصدق رئيس الجمهورية على قرار تعينهم، والمجلس الحالي بالرغم من إنتهاء مدته في عام 2012 الا ان اللائحة تنص على أنه إذا امتنع البابا عن مباشرة الترتيبات الخاصة بإنتخاب مجلس ملي جديد لأي سبب من الأسباب، فإن المجلس القائم يظل له كل صلاحياته حتى إنتخاب مجلسا جديدا، وقد كانت وفاة البابا شنودة الثالث في مارس 2012 حائلا دون إجراء إنتخابات للمجلس الملي. وقد صرح البابا تواضروس بأن لائحة إنتخاب المجلس الملي في حاجة إلى إعادة النظر بها وخاصة في أمرين وهما: ــــ الاشتراطات الواجب توافرها في المرشح لتتواكب مع العصر. ــــ توسيع دائرة الناخبين لتعكس مشاركة جموع الأقباط. أما ما يثار بين الحين والأخر عن تعديل لائحة المجلس الملي لتسمح بوجود دور سياسي للمجلس الملي فهو عار من الصحة لما يتضمنه من مخاطر من شأنها تكريس الطائفية في المجتمع المصري.
خاتمة: ومن ثم المطلوب اعادة النظر في مجمل علاقة الكنيسة بالعلمانيين ، وبالمسألة التمثيلية ، وبأسم ومهمة ولائحة هذا المجلس ، وقاعدة الناخبين ، ومكانة الشباب ، ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق لأن الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق اردا. ولا يجعلون خمرا جديدة في زقاق عتيقة لئلا تنشق الزقاق فالخمر تنصب والزقاق تتلف بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعا. (مر 2 ــ 18: 22) لذلك لابد من عقد مؤتمرا موسعا علميا تناقش فية حزمة من الاوراق والافكار من اجل ضع الخمرة الجديدة في زق جديد، وحتي تتحول الكنيسة كما قال الكتاب :الي : "في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه" (قضاة / 21 /٢٥ )
اكرر الخطر انة ليس هناك قيادة محل انصياع وتوافق من المجمع المقدس ،وكلنا راينا المعارك التي لن تكون اخرها ماحدث في روزا ، واي محاولة لانكار ذلك يهدد الوطن والكنيسة ، ولابد في وسط خلافات الاكليروس ان تبرز قيادات علمانية قبل فوات الاوان لوقف وتجميد هذة الاحادية التي تحول الامر الي الانقسام . حتي يمكننا تواجد تيار من الحكماء يوقف النقص المتواجد والذي يؤدي الي الدخول في صدامات علنية في زمن صعب، ومن له عينان للنظر فلينظر ، ومن له اذنان للسمع فليسمع ، ومن يرفضون فسوف يزيدون الازمة والحكم لن يتفرغ كثيرا لازمات ليس لها حلول لما هو لاهوتي او عقيدي