بقلم: يوسف سيدهم
كعادة وطني ـ مثلها مثل الكثير من الصحف والمنابر الإعلامية ـ تجدونها تتابع عن كثب البرامج والدراما الرمضانية وتنتظر الفراغ من عرضها حتي تتصدي لتقييمها وتحليلها ونقدها… وفي هذا الإطار ننشر ضمن صفحات هذا العدد رؤية باب فكر وأدب لأهم الأعمال الدرامية التي تم عرضها عبر الشهر الكريم وتقييم النقاد لها علي تسليط الضوء علي العمل الذي أجمع الكافة علي أنه درة الأعمال وهو مسلسل الاختيار الذي يعتبر عن حق ملحمة وطنية رائعة وعملا إبداعيا منفردا يجمع بين دراما الواقع وتوثيق التاريخ.
كما تعرض الصفحة لنماذج من الأعمال الأخري التي تميزت ونالت إعجاب المشاهدين مع التسليم بأن التقييم النهائي لها متروك للنقاد والمتخصصين.
وبالتوازي مع تقييم الأعمال الدرامية الرمضانية, لا مهرب من فتح ملفين مسكوت عنهما من قبل سائر الأجهزة المسئولة بالرغم من إنهما غير مسكوت عنهما من قبل الجمهور والنقاد والخبراء!!… أنهما ملفا الإعلانات وبرامج المقالب ولا أخفيكم أن الحديث عن هذين الملفين بات حديث كل موسم.. حديث مكرر ومؤسف ومؤلم دون أية بادرة تنبئ بخطوات إصلاحية بشأنهما.
الإعلان مادة إعلامية تجارية تسويقية تستهدف إعلام المستهلكين وجذبهم إلي سلع أو خدمات أو منتجات عن طريق عرض تفاصيل مرتبطة بها وتسليط الضوء علي مزاياها وكيفية الحصول عليها… كل ذلك في إطار تجاري يبغي جذب نظر المستهلك وتوجيهه إلي السلعة أو الخدمة أو المنتج ودون أن يثقل عليه الإعلان أو يستفزه أو ينفره… لكن يبدو أن تلك المعايير أصبحت دقة قديمة فالمدرسة الحديثة للإعلان تركت كل ذلك ولجأت إلي أدوات اعتبرتها إبداعية, لكنها غريبة أشد الغرابة, فالإعلان لا علاقة له إطلاقا بموضوع المنتج أو الخدمة إنما ينطلق في تقديم كلام مرسل سواء منطوق أو ملحن سواء مع مادة مصورة لا علاقة لها هي الأخري لا بالكلام ولا بالمنتج (!!)… ويستمر الإعلان في هذا العبث حتي يفاجأ المشاهد بأنه انتهي أخيرا إلي اكتشاف المنتج أو الخدمة أو السلعة (!!)..
هذا عن أدوات الإعلان التي يقولون إنها إبداعية وحديثة… لكن يبقي أمران هما الإسفاف والانفلات يطرحان سؤالا صارخا يبحث عن إجابة: الأمر الأول تكرار الإعلان نفسه مرة ومرتين وثلاث مرات خلال الفقرة الإعلانية الواحدة ـ والتي يشكو الكثيرون من طغيانها علي البرامج لدرجة إفسادها ـ والتي تساءلت أنا مرارا عن جدواها الإعلانية, هل هي ترغيب المستهلك وجذبه لموضوع الإعلان, أم ضجر المستهلك ونفوره من الإعلان؟.
والأمر الثاني عندما تكون مادة الإعلان ـ ولا أقول نوع المنتج ـ مادة هابطة خادشة للحياء منافية للقيم منطوية علي إسقاطات وألفاظ وغمز ولمز غير أخلاقية وكل ذلك منظوم في إطارأغان وألحان تقتحم المشاهدين والأسر والشباب والأطفال دون استئذان لتصدر أحط وأبشع جرائم تربوية مدمرة.. هل هذا لصالح التسويق؟.
وأترك ملف الإعلان لأنتقل إلي ثاني الملفين المسكوت عنهما وهو ملف برامج المقالب الذي يصلح أن يطلق عليه جرائم المقالب, حيث يتحول ظاهره من الترفيه والترويح واستهداف الفكاهة إلي دراما سوداء وجريمة أخلاقية بجميع المقاييس, سواء في تدبير المكائد السخيفة أو في تعمد الترويع وإرهاب الضحية, أو في الانفلات اللفظي والأخلاقي للحوار, وكلها معايير تنحدر إلي أدني المستويات الإعلامية والفنية وتستبيح التنكيل بالضحية متصورة ـ وياللهول ـ أنها بذلك تنتزع إعجاب وضحكات المشاهدين… وأخيرا تكمن الكارثة.. كل الكارثة فيما يتسرب كل موسم من مواسم تلك المهازل من أن الأمر لا يعد كونه تمثيلية مقيتة معدة ومدفوعة سلفا بين المعد والضحية.. بينما الضحية الحقيقية هي المشاهد والأخلاق والمثل والقيم والشباب والنشء والأطفال!!!
كنت أود أن أعتبر هذا المقال بلاغا أرسله إلي المجلس الأعلي للصحافة والإعلام, وإلي المجلس الأعلي للثقافة, وإلي السيد وزير الثقافة, وإلي السيد وزير التربية والتعليم, وإلي لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب… لكن أصارحكم القول إني شعرت بقدر هائل من الحنق واليأس والإحباط إزاء الصمت المطبق وغض النظر الذي يتحلي به جميع المسئولين ويكفي أن أنقل تصريح مسئول رفيع في مجال الإعلام عندما سئل عن ذلك الوضع المتردي, حيث قال:
*** نحاول قدر الإمكان أن نكون متسامحين مع البرامج والإعلانات وألا نمثل عبئا كبيرا عليها ولاسيما في ظل الظروف الراهنة وما تتعرض له البلاد من كبوة الكورونا, كذلك تراعي حاجة الناس إلي الترفيه وأن نبعث في نفوسهم البهجة… إلا أن هذا لا يمنعنا من التصدي للإسفاف والضرب بيد من حديد علي الذين يقدمون الإسفاف للرأي العام ويسيئون إلي الأسرة المصرية, ولكننا في النهاية لسنا في حالة سباق نحو معاقبة الناس إنما نحمي المنافسة الجيدة والشريفة ونشجعها, كذلك نقوم بوقف أية إعلانات مسيئة.
برامج المقالب جميعها تحت المراقبة لما تؤدي من آثار سلبية علي الأسرة المصرية وهي ليست من البرامج المرحب بها كثيرا علي الشاشات والأصل فيما تقوم بعرضه عدم اللجوء إلي فواحش الأمور والألفاظ المتدنية والسلوكيات التي تحمل إيحاءات مسيئة… وهي موضوعة تحت المراقبة وتتم دراستها ونشير إلي أن أضرارها علي الشارع والمشاهدين تتجاوز كونها برامج ترفيهية.
*** تصريح جميل.. لكن تستمر الإعلانات و المقالب.. ويتواصل العبث والإسفاف!!