محمد حسين يونس
كان يا ما كان .. في مصر زمان ..من 3500 سنة .. ملوك أقوياء مثل أحمس وحتشبسوت و تحتمس و رمسيس .. و شعب يقدس حكامه.. بصفتهم أبناء للإله .. و جيش وطني ..مكون من سكان البلد يغزو الأقطار المجاورة ليكون إمبراطورية مترامية الأطراف.. و كهنة يسيطرون علي قلوب و عقول عبدة الرب ( آمون ) أغنياء يرفلون في النعيم القادم من المستعمرات ... و كانت مصر أم الدنيا فعلا بعلمها و قوتهاو تمثل بؤرة التحضر في ذلك العصر ... طردت الهكسوس .. و بدأت بالأسرة الثامنة عشر .. في بناء ( الدولة الحديثة )

يكتب الاستاذ سليم حسن في موسوعته الرائعة عن تاريخ مصر انه منذ القرن السادس عشر قبل الميلاد و حتي بداية القرن الحادى عشر ق.م ( 1550– 1077 ق.م ) .. ((كان كل العالم المتمدن يعيش تحت سيطرة حكام مصر ))

لكن عوامل الوهن و الضعف و الدعة أخذت تدب في اوصال الشعب المصرى عندما جنح حكامه الي حياة الترف و الرفاهية ....و بناء المعابد في المدن الجديدة (طيبة و أخيتاتون ) و في مدن القبور بالضفة الغربية للنيل ...(وادى الملوك .. و وادى الملكات) .

في نفس الفترة التي بدأت امم فتية لم يدنسها الترف تظهر ... ومن ثم أخذت بوادر الاضطرابات و الفتن السياسية والدينية ( ديانة آتون ) تعم أرجاء الامبراطورية مما أدى الي إنحلالها و تفككها فلم يسع الحكام امام تلك الحالة المنذرة الا إستخدام جنود مرتزقة ( بمعني هؤلاء الذين يكسبون عيشهم من العمل العسكرى ) لقمع الفتن ثم حماية البيت المالك نفسه ))

وقد كان من جراء هذا
ان وطد المرتزقة اقدامهم في طول البلاد وعرضها و إنتهي بهم الامر الي إنتزاع السلطة من الملك و تولي احدهم (شيشنق ) 950 ق.م الحكم مكونا الاسرة الثانية و العشرين ( الليبية )

تعاقب علي حكم البلاد اغراب (من المرتزقة) بحيث إنحدر الحال بسكان وادى النيل في نهاية حكم هذه الاسرة.. واصاب إمبراطوريتهم شيخوخة طاحنة و إنحلال تمثل في إستسلام الحكام لسيطرة رجال الدين الذين كان جل همهم جمع المال و السلطان مستخدمين ما لهم من نفوذ جارف علي نفوس الشعب الساذج..

يكتب سليم حسن ((لن نكون مبالغين إذا قررنا أن تغلغل السلالات الاجنبية في ارجاء البلاد و إستيلاء أسرهم علي زمام الحكم منذ الاسرة الثانية و العشرين كان السبب الرئيسي في ضياع الامبراطورية و خرابها ))

بكلمات أخرى.... كان لنا دولة ناهضة و مسيطرة .. فجاء (الكهنة) و (الجنود المرتزقه) منذ الأسرة الثانية و العشرين فأفسدوها .. وكانت نقطة البداية و السبب في ضياع الأمبراطورية و تدهور أحوال مصر .و إنتهت إلي إحتلال أشورى حول عام 750 ق.م .

لم يسرالأمر بهذه البساطة .. أو فلنقل لم يستسلم الشعب للإحتلال فخلال قرن من الزمان .. ثار علي الأشوريين .. ودارت بينهم معارك عديدة حتي إستطاع عام 656 ق.م .. (بسمتيك) مؤسس الاسرة السادسة و العشرين أن يفعل ما فعله أحمس .. و يطرد المحتلين

((و سار بالبلاد الي الفلاح والواقع أنه يعد من دعاة النهضة و بعث مجدها من جديد إذ نجده قد إستمر في إعادة علوم وفنون وثقافة وفلسفة البلاد القديمة حتي جعلها قبلة العلم و المعرفة... يضاف الي ذلك أنه قد فتح أبوابها لكل طالب خاصة أنه كان في حاجة الي تكوين جيش قوى يدفع به في وجه الممالك الفتية الناشئة )).

(( ولقد كان له ما اراد تدفق علي مصر الجنود المرتزقة من بلاد الاغريق و (كاريا ) باسيا الصغرى وقد عرفوا بشجاعتهم و مهارتهم في فنون الحرب وحسن التسلح
هذا الي أن الشعب الاغريقي منذ أقدم العصور كان مرتبطا بمصر و يعتقد انها أم الحضارات و العلوم ..فلما اتاح لهم بسمتيك ..وفد اليها جمع غفير من طلاب العلم و المعرفة وأخذوا ينهلون من حياضها و ينقلون الي بلادهم كل ما تعلموه ومن ثم كانت المعرفة المصرية النواة الاساسية التي نشأ عليها العلم الاغريقي و المعرفة الاغريقية في كل مظاهرها )).

ومع ذلك فلقد كسر الفرس .. الجنود المرتزقة و إحتلوا مصر525 ق.م

فواجههم المصريون أيضا بثورات متعددة لمدة قرن أخر حتي طردهم ((امير تاوس )) عام 404 ق.م و اسس الاسرة الثامنة و العشرين التي اعادت لمصر بعض من مجد سالف إستمر خلال الاسرتين التاسعة و العشرين و الثلاثين.

يكتب سليم حسن ((يرجع السبب في ذلك الي إنصراف الفرس عن مصر بحروبها مع بلاد الاغريق هذا فضلا عن أن دويلات الاغريق أخذت تتحالف مع مصر خاصة اثينا و تمد اليها يد المساعدة عند اى محاولة فارسية للغزو ومن أجل ذلك كانت تسمح عن طيب خاطر لابنائها الشجعان بالانخراط في سلك الجيش المصرى بوصفهم جنودا مرتزقة مدربين علي احدث فنون القتال )).

حوالي عام 341 ق.م إنتهت مقاومة جيش مصر المكون من المرتزقة .. وإنهزم امام الغزو الفارسي بقيادة قمبيز.

من ما قدمه لنا هذا العظيم (سليم حسن ) فإن مصر لم تسقط فجأة لقد توالت الاحداث منذ الاسرة 22 حتي الاسرة 30 في تطور منطقي .. بدأ باسترخاء الترف و الغني .. ثم زيادة نفوذ الكهنة و شرههم و تجميعهم للاموال ثم السلطة .. و إنفصام العلاقة بين الحكام و الشعب بتكوين جيش من المرتزقة .. ثم هزائم و تحرر .. واحتلال و ثورات دامت لقرون

لقد شهدت مصرخلال الفترة من 1100 ق.م إلي 341 ق.م .. العديد من الغزوات ..و حكمها الغرباء .. شهدت أكثر من نهضة و إن عابها أنه مع كل نهوض من كبوة كان الحكام يعتمدون علي .. الكهان .. و جنود من المرتزقة .. ويهمشون المصريين ...

قي عام 341 ق. م .. دل مرتزق يهودى (و كان احد قواد جيش مصر ) قمبيز علي دفاعات المصريين فسقطت دون قيام .. لتتوالي عليها بعد ذلك قوات الاحتلال المختلفة حتي زمننا هذا.. ( نكمل حديثنا غدا عن أول إستعمار إستيطاني ).