كتب : ماجد سوس
حكى لي رجل أعمال من كاليفورنيا أنه في يوم ١١ مارس ٢٠١٢ حلم إنه ذهب لزيارة مثلت الرحمات قداسةالبابا شنودة الثالث، وكان مريضًا جدًا في ذلك الوقت فإذا بالبابا يبتسم له بابتسامة عريضة، ويسلمه ورقة كان مكتوبا عليها اسم شخص بحبرٍ أزرق و طلب منه أن يساعد هذا الشخص ماليًا. يقول رجل الأعمال انه عندما سلمني البابا الورقة تطلعت إليه في شيء من التردد، وكنت أود أن أسأله إن كان هذا الشخص بالفعل محتاجًا إلى مالٍ أم لا بادرني قائلاً: "اعطه ولا تعلق إن كان هذا الشخص محتاجًا أم لا. اترك الله هو الذي يدين، الأمر المهم هو أن تقدم للمحتاج بقلبك. أما انه يحتاج أم لا، فليس من شأننا".
كنت قريبا جدا من سريره، وإذا به يضع ذراعيه حول عنقي، ويقول: "هذا يكفي، لقد قمت بدوري من جانبي... لقد حان وقت رحيلي".إحتضني و شعرت أنه مريضا جدا او انه يترك العالم فحاولت أن أسنده أو احمله واستيقظت وأنا أحاول أن أعيده إلى سريره. وكان ذهني مشغولاً بمن هو ذاك الشخص الذي حدثني عنه قداسة البابا، وفي ذات الوقت كنت حزينًا على فراق البابا.
في اليوم التالي الاثنين ١٢ مارس، جاءتني مكالمة تلاها e-mail من موظف سابق أخذ أسرته إلى إرسالية في جنوب أفريقيا مع كنيسته الكاثوليكية ليكرز ويخدم للفقراء هناك ، عبّر عن ضيقة مالية شديده حلّت به و بأسرته منذ خمسة أشهر و ليس لديه مالاً وله ثلاثة أبناء في المدرسة و تحدث عن البطالة الشديدة التي حلت بدولة جنوب افريقيا و التي وصلت الى اكثر من 41 % ، في نهاية المكالمة اعتذر لإتصاله بي و ازعاجي طالبا في خجل عن امكانية مساعدتي له . قبل أن أجيب عليه روادني فكرا كان قداسة البابا قد حذرني منه في الحلم وهو : كيف لا تهتم به الكنيسة هناك ماليًا؟ وفي دقائق تذكرت الحلم، وتحققت أنه هو الشخص الذي أرسل الله البابا شنودة يسألني أن أساعد هذه العائلة، وحسبت هذا شرف لي وبركة.و بعد أن ارسلت له المال ارسلت خطابه لكل موظفين الشركة و كتبت لمن يرغب ان يساعد هذا الإنسان ان يراسله على عنوانه و ياللعجب لقد تحرك قلب كل العاملين، حتى غير المسيحين و اللادينيين فأشتركوا جميعا في أخذ بركة العطاء ..هذه القصة الجميلة قصها علي صاحبها على الهاتف و ختم كلماته متعجبا فبابا الاسكندرية يرسل لشخص في كاليفورنيا ليساعد شخصا في جنوب افريقيا ..أجبته و الأكثر من هذا أن بابا الاقباط الأرثوذكس يسند كارز كاثوليكي ليؤكد انه ليس بابا الكرازة المرقسية أو بابا العرب كما يسميه الأخوة العرب فحسب وانما في الحقيقة هو بابا المسكونه كلها ..
عمل مثلث الرحمات البابا شنودة على وحدة كنائس المسكونة منذ أن أعتلى سدت البطريركية ، بدءا من المقابلة التاريخية في مايو سنة 1973 بين البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث وكانت هذه أول مرة منذ مجمع خلقدونية 451 يذهب فيها بطريرك الإسكندرية لزيارة رسمية إلى روما. وتسلم خلال المراسم الدينية في كنيسة القديس بطرس رفات القديس أثناسيوس الرسولي و في نهاية الزيارة صدر البيان المشترك في 10 مايو 1973 وتشكلت لجنة مشتركة تضم وفداً من الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية وكان أول اجتماع لها في القاهرة سنة 1974. وقد افتتح البابا شنودة أعمال اللجنة بحضور الكاردينال اسطفانوس الأول نيافة سفير الفاتيكان أشيل جلوريو وممثلي الطوائف الكاثوليكية والأرثوذكسية. وكانت مهمة هذه اللجنة توجيه دراسات مشتركة لحل المشاكل بالتعاون المشترك بروح الاحترام المتبادل. وتوصل الطرفان الأرثوذكس و الكاثوليك إلى اتفاق تام حول صيغة طبيعة ومشيئة السيد المسيح، نصه كالتالي:
"نؤمن بأن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة المتجسد، هو كامل في لاهوته وكامل في ناسوته، وجعل ناسوته واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا تشويش، ولاهوته لم ينفصل عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، وفي الوقت نفسه نحرم تعاليم كل من نسطور وأوطيخا"
وهذه الصيغة هي التي كان قد اقترحها قداسة البابا شنوده الثالث في الاجتماع الأول الذي عقدته مؤسسة برو أورينتا في فيينا بالنمسا .
وأما بين العائلة الأرثوذكسية ففي عام 1985 بدأ الحوار بصورة رسمية برعاية قداسة البابا شنوده الثالث (ممثلاً عن كنائس الأرثوذكس الغير خلقيدونييين، وهم الكنيسة القبطية ومعها الحبشية والإريترية، والكنيسة السريانية ومعها الهندية، والكنيسة الأرمنية) والبابا ديمتريوس بطريرك القسطنطينية (ممثلاً عن كنائس الروم الأرثوذكس الخلقيدونيين المنتشرة بالعديد من بلاد العالم، وتطلق بطريركية القسطنطينية على بطريركها لقب بطريرك المسكونة) واستمر مع البابا برثولماوس، حيث تم تشكيل لجنة عامة للحوار مكونة من 20 عضو ولجنة فرعية للحوار اللاهوتي مكونة من 6 أعضاء، وعقدت اللجنة العامة اجتماعها في سويسرا، وتم الاتفاق على أن يكون الموضوع الرئيسي للبحث هو "نحو كريستولوجية مشتركة".
وفي عام 1987تم وضع الاتفاق اللاهوتي الرسمي الأول حول طبيعة السيد المسيح، على أساس تعليم القديس كيرلس الكبير الذي دافع عن الوحدانية في طبيعة الله الكلمة المتجسد وفي شخصه والذي أعتبر الاعتراف بلقب والدة الإله (ثيئوطوكوس) هو أحد البراهين الرئيسية على أرثوذكسية التعليم، وكان قد وقع عليه في هذا العام أصحاب القداسة البابا شنوده الثالث بطريرك الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس، ومار أغناطيوس زكا عيواص بطريرك أنطاكية للسريان الأرثوذكس، والبطريرك برثينيوس بطريرك الإسكندرية للروم الأرثوذكس، والبطريرك أغناطيوس الرابع بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس، والكاثوليكوس كراكين الثاني بطريرك الأرمن الأرثوذكس، الذين اجتمعوا في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون قبيل اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، وقد عرض على اللجنة العامة للحوار في اجتماعها في 24 يونيو 1989 بدير الأنبا بيشوي برعاية قداسة البابا شنوده الثالث، حيث تمت الموافقة عليه.. وبذلك تم إنهاء خلاف دام نحو خمسة عشر قرناً.. وفي هذا الاجتماع تم اختيار المطران دامسكينوس (مطران سويسرا للروم الأرثوذكس) رئيساً للجنة، والمطران الأنبا بيشوي (مطران دمياط من الكنيسة القبطية) رئيساً مشاركاً
وفي اجتماع اللجنة العامة في الفترة من 23 إلى 28 سبتمبر 1990 في المركز الأرثوذكسي للبطريركية المسكونية في شامبيزي بجنيف بسويسرا تم اتفاق على رفع الحروم بين العائلتين وبحث سبل التعاون بين كنائس العائلتين في المسائل الرعوية (التي سبقت أن درستها لجنة فرعية اجتمعت بدير الأنبا بيشوي في الفترة من 31 يناير إلى 4 فبراير 1990).. وتم إرسال الاتفاق إلى المجامع المقدسة للكنائس الأعضاء لاتخاذ قراراتها بهذا الشأن.
اما عن الكنيسة الأسقفية و هي المسماه بكنيسة إنجلترا (الكنيسة الأنجليكانية) بعد أن فصلها الملك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية عام 1534م، وقد تفرّعت عنها مجموعة الكنائس الأسقفية.. وتدخل الكنيسة الأسقفية ضمن عائلة الكنائس البروتستانتية.. وهي موجودة في مصر فهي عضوا في المجلس الإنجيلي العام الذي يرأسه رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، وإن كانت الكنيسة الإنجليكانية مازالت تحتفظ شكليا و ظاهرياً بثلاثة أسرار كنسية هي المعمودية والإفخارستيا والكهنوت.فقد اشتركت في لقاءات مسكونية من أجل تفعيل لقاءات مسكونية في بعض المجالات المشتركة و العمل على فتح حوارات صريحه لتصحيح مفاهيم مختلفه لعل حلم الوحدة يتحول الى حقيقة يوما كما تمنى قداسة البابا شنودة.
وقد رفضت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعض مواقف الكنيسة الأسقفية مثل رسامة المرأة لوظيفة مطران وقسيس، وفي هذا الصدد بعث قداسة البابا شنوده الثالث برسالة إلى مؤتمر لامبث عام 1988 قدمها نيافة المطران الأنبا بيشوي- والذي شارك بصفة مراقب في أعمال المؤتمر، وفيها شرح قداسته عقيدة الكنيسة القبطية في رفض رسامة المرأة لوظيفة الكهنوت.وقد اتسمت رسائل قداسته بالموضوعية و بقدرته الفائقة في طرح التعليم النقي بروح الأبوة و المحبة .
هكذا عزيزي القاريء أستطاع البابا شنودة أن يجمع بين حمايته للإيمان الأرثوذكسي الذي تسلمناه من آبائنا و في ذات الوقت العمل بكل قوة و حكمة روحية من أجل وحدة الكنائس في كل المسكونة .
و قد شرفت يوما في فترة شبابي أن أنال بركة حضور ثلاثة مؤتمرات خارج مصر ممثلا الكنيسة الأرثوذكسية في مجلس كنائس الشرق الأوسط وكانت تعليمات قادة الكنائس لنا أن نتحدث في ثمار الروح التي تجمع بيننا فالحب المشترك هو البداية لتحقيق حلم الوحدة و كان على كل كنيسة أن تقدم تعاليمها و ألحانها بالتناوب فطلب منا أن نقدم كنيستنا دون اي تجريح أو تعالي على الكنائس الأخرى و كانت من أجمل أيام عمري حينما كنا نشعر ان قداسة البابا يريد ان يكسر الحواجز التي بنيت لتفتيت الكنيسة فكان يشجع العمل المسكوني ويفرح به و كان يصلي حتى تعود الكنيسة ، كنيسة واحدة ، جامعة رسولية.
أذكر ياأبي وحدة الكنائس أذكر الشعب المسيحي في كل مكان تشفع من أجل نشر الإيمان بالمسيح الى كل بقاع الأرض أطلب من أجل نجاح الخدمة والكرازة في كل الطوائف المسيحية ،لأنك وبحق بابا المسكونة.