الأقباط متحدون - مزاعم حول البرنامج النووي المصري (5/5)
أخر تحديث ١٩:٥٥ | الثلاثاء ٢٤ ابريل ٢٠١٢ | ١٦ برموده ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٤٠ السنة السابعة
إغلاق تصغير

مزاعم حول البرنامج النووي المصري (5/5)

بقلم: د.محمد منير مجاهد

 أحد الأساليب الخبيثة لتشكيك المصريين في أنفسهم وفي قدرتهم على إنجاز برنامج مصر النووي بنجاح هو التشكيك في نزاهة وأمانة العاملين في الهيئات النووية باتهامهم بالعمالة للشركات المنتجة للمحطات النووية دفاعا عن مكتسبات مادية، أو بالتربح بالاستيلاء على أراضي البدو الذين كانوا مقيمين في موقع المشروع بالضبعة وبيع منتجاتها لحسابهم الشخصي، أو إقامة منتجعات فاخرة بالموقع كمصايف لكبار العاملين بوزارة الكهرباء، وغيرها من الاتهامات، وهو الأمر الذي يستوجب الرد عليه ليس فقط دفاعا العاملين في تنفيذ البرنامج النووي المصري، وإنما أيضا لتأكيد ثقة المصريين في أنفسهم وفي قدراتهم التي تسعى إسرائيل وحلفائها من مافيا الأراضي لكسرها.

 
من أمثلة التشكيك في مهنية وكفاءة العاملين بالمركز القومي للأمان النووي والوقاية من الإشعاع، الرسالة التي كتبتها الدكتورة سهير منصور، ونشرها الدكتور محمد المخزنجي بتاريخ 18 مارس 2010 في مقاله الأسبوعي بالشروق، وجاء فيها أن "مافيا ولوبى الصناعة النووية العالمية قرروا أن يروِّجوا بضاعتهم الكاسدة فى الدول النامية وعلى رأسها مصر ودول الخليج والبداية كانت أبو ظبي التي تعاقدت على أربع محطات نووية بـ41 مليار دولار.. أما فى مصر فيقوم بعض أفراد هيئة الطاقة الذرية بعد أن وُعِدوا بكادر مالي تتراوح الرواتب فيه من 18000 جنيه إلى 75000 جنيه بالترويج لمنتجات هذه الشركات العالمية وبالاتصال بالصحافة لاستعجال المشروع النووي وجعلوا من موضوع الضبعة ذريعة لإعطاء الموضوع طابع المعركة الوطنية وكسب الأنصار. أما وزارة الكهرباء ورئيس الوزراء فيستقون معلوماتهم عن الأمان النووي من السيدة آن لوفرجون مديرة شركة «اريفا» لبناء المحطات لنووية"
 
وباعتباري أحد المدافعين عن البرنامج النووي وموقع الضبعة ونائب سابق لرئيس هيئة المحطات النووية، أشهد بأنه لم يعدني أي مسئول في الدولة بالمرتب المذكور أعلاه، كما أنني وغيري من المدافعين عن البرنامج النووي قد كتبنا في هذا الموضوع قبل أن يظهر للوجود بسنوات طويلة مشروع القانون النووي بالكادر المقترح للعاملين في هيئة الرقابة النووية والذي لم يؤخذ به في نهاية الأمر، وفي النهاية فإن الحلم بمستقبل أفضل للوطن لا يحتاج لكادر مالي خاص، وإذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة مصدر فخر لكل عربي بتحركها الواثق نحو إدخال الطاقة النووية فإنها أيضا مصدر تهديد للبرنامج النووي المصري بما تمثله من جذب للعمالة النووية المصرية المدربة.
 
من ناحية أخرى فوزارة الكهرباء ورئيس الوزراء لا يستقيان معلوماتهما عن الأمان النووي من السيدة آن لوفرجون مديرة شركة «اريفا» لبناء المحطات لنووية، ولكنهم يستقون معلوماتهم من الخبراء المصريين العاملين في الهيئات النووية المصرية، فمنذ توقف البرنامج النووي في عام 1986 لم تتوقف الدراسات والمتابعات لتطور المحطات النووية من كل النواحي بما فيها بالطبع الأمان النووي من خلال المشاركة في المؤتمرات وورش العمل الدولية، والمشروعات البحثية المنسقة التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
 
نشرت مجلة آخر ساعة في عددها الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2011 تحقيقا بعنوان "الضبعة .. أحلام مهددة بحزام نووي"، تضمن لقاءات مع ثلاثة من فلول الحزب الوطني، وجاء فيه أنه "تم بناء سور حول المساحة الشاسعة المطلة على البحر المخصصة للمشروع النووي، ولكن في التسعينيات فوجئنا ببناء مصايف داخل هذا السور لصالح كبار المسئولين عن هذا المشروع"، وباعتباري عملت بالموقع لمدة خمس سنوات (2002-2007) وكنت المهندس المقيم، أستطيع أن أؤكد بضمير نقي أنه لا وجود لمثل هذه المنتجعات، ولكن هذا الادعاء تكرر كثيرا في السنوات الماضية وساعد على بقاءه الاكتفاء بالنفي من جانب وزارة الكهرباء والطاقة، وعدم الاهتمام بالإعلام الجماهيري، والرد المناسب في رأيي كان هو الإعلان عن تنظيم جولة بالموقع لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بما في ذلك القنوات الفضائية العامة والخاصة، وفي حضور هؤلاء الفلول وغيرهم ممن أشاعوا في وسائل الإعلام مثل هذه الإدعاءات الكاذبة كي يدلونا على موقع هذه المصايف، أما وأن هذا لم يتحقق وتم اقتحام الموقع بالفعل من قبل عصابات مسلحة، فلعل هؤلاء الفلول ومن ورائهم مافيا الأراضي يسمحوا لوسائل الإعلام بالدخول إلى الموقع ويرشدوهم إلى هذه المصايف والمنتجعات الفاخرة لكبار المسئولين في الدولة. 
 
تروج مافيا الأراضي عن طريق أفراد من العصابات المسلحة التي اقتحمت الموقع، أنهم قد وجدوا أوراقا تكشف انحرافات مالية لقيادات هيئة المحطات النووية والعاملين بالموقع، والغريب أنهم لم يتقدموا لأي جهة رسمية بهذه المستندات، ومما يروجه هؤلاء، أنه تم "الاستيلاء على أرض أناس كانوا يسكنوها ويزرعونها جيلا بعد جيل، جرى تشريدهم وهُدِمت بيوتهم ودُمِّرت آلاف أشجار التين والزيتون واللوز التي زرعوها، بل ردد أهالي الضبعة أن ما بقى من أشجارهم داخل أسوار الموقع كان محصولها يباع لصالح بعض الموظفين هناك، وهو أمر فى حاجة لتحقُّق وتحقيق فى جريمة تربُّح خسيس إذا ثبتت".
 
والحقيقة أنه بمجرد صدور القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 بتخصيص موقع الضبعة لمشروع المحطة النووية، وتنفيذا لقانون "نزع الملكية" رقم 577 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1991 قامت الهيئة المصرية العامة للمساحة بتقدير قيمة التعويض المستحق لكل حالة عن المباني والمغروسات، حيث أن الأراضي مملوكة للدولة، ويفترض القانون أن الاستيلاء على المزروعات في الأراضي المخصصة للملكية العامة سيؤدي لتلفها، لذلك فإن الأساس في تعويض صاحب الشأن عن تالف مغروساته إنما هو تعويض عن قيمة المغروسات ليتمكن صاحب الشأن من شراء شتلة أخرى من نفس نوع المغروسات التي أتلفت، بالإضافة لتكاليف زراعتها، والقيمة الإيجارية للأرض، وكذلك تعويض عن قيمة العائد نتيجة عدم استغلاله لتلك المغروسات من تاريخ إتلافها حتى وصولها إلى درجة الاستثمار الجيدة.
 
بالنسبة لأراض موقع المحطة النووية بالضبعة لم تتقيد اللجان التي قامت بحصر ومعاينة وتعويض المغروسات داخل أرض الموقع بالأسس السابقة بل استرشدت بجداول وضعت بمعرفة لجان شكلت من المجلس المحلي لمدينة العامرية الجديدة، والمجلس المحلي لمحافظة مطروح زادت فيها من قيمة التعويضات المتعارف عليها في عام 1981، وعلى الرغم من ذلك فقد تم زيادة قيمة تعويضات المغروسات بنسبة 40% على القيمة المقدرة بمعرفة لجان التثمين إذا ما تم تسليمها قائمة (أي سليمة).
 
بلغ عدد حالات للأهالي واضعي اليد على المغروسات والمباني عام 1981 طبقا للحصر الذي قامت به الهيئة المصرية العامة للمساحة 459 حالة مغروسات و344 حالة مباني، وقامت هيئة المحطات النووية بسداد 11 مليون جنيه بخزينة هيئة المساحة لصرف التعويضات المستحقة لأصحاب الحقوق الذين يتقدمون لصرفها، وقام بعض المستحقين برفع قضايا للطعن على قيمة التعويض وفي الحالات التي صدر فيها حكم بزيادة قيمة التعويض قامت الهيئة بتنفيذ الأحكام فورا دون استئنافها.
 
ورغم قيام هيئة المحطات النووية بدفع التعويضات المقررة قانونا لواضعي اليد داخل المساحة المحددة لإنشاء محطات نووية إلا أنهم ظلوا مقيمين بالأرض، وإزاء تقاعس محافظة مطروح عن تنفيذ القانون وإخلاء الموقع من التعديات أصدر القائد العام للقوات المسلحة أمرا في 28 يوليو 2003 بإزالة جميع التواجدات والإشغالات الموجودة داخل أسوار المحطة والصادر بشأنها القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981، وبالفعل تم إزالة 192 مبنى كان قد سبق تعويض أصحابهم عن المباني والمغروسات من قبل هيئة المحطات النووية بمبلغ 5.2 مليون جنيه، وقامت القوات المسلحة باستلام جميع المزروعات والمغروسات (84 إشغال) ويتضمنوا 9982 شجرة تين، و3436 شجرة زيتون، و14 شجرة عنب، و52 شجرة لوز.
 
وعلى هذا فإن جميع المغروسات التي تسلمتها الهيئة قائمة هي ملكية خالصة للهيئة، وقد كانت ثمار هذه الأشجار حتى عام 2003 تباع بمعرفة الهيئة العامة للخدمات الحكومية، واعتبارا من تنفيذ إزالة التعديات في يوليو 2003 كانت ثمار هذه الأشجار تباع بمعرفة القوات المسلحة، يتضح مما سبق أنه لم يحدث قط أن بيعت أي محاصيل لصالح موظفي المشروع النووي ولم يتربح أي منهم من وجوده لأداء واجبه الوطني بموقع مشروع المحطة النووية.
 
تبقى نقطة أخيرة وهي الخاصة "بتدمير آلاف أشجار التين والزيتون واللوز"، والحقيقة أن كل المغروسات التي آلت ملكيتها للهيئة - سواء تلك التي أدارتها أو أدارها الجيش - كانت تتدهور وتنتهي في خلال عامين إلى ثلاثة لسبب بسيط أنه كان يتم زراعتها – كمعظم المزروعات على الساحل الشمالي – بمياه مسروقة من خط مياه الإسكندرية – مرسى مطروح، ولم يكن من الممكن لهيئة حكومية محترمة أن تمارس مثل هذه السرقة، ولو تم دفع ثمن المياه لأصبحت الثمار الناتجة باهظة التكلفة.
 
الخلاصة: العاملين في البرنامج النووي المصري – مثلهم مثل غيرهم – يجب أن يخضعوا للمراقبة والمحاسبة بواسطة الأجهزة المختصة، ولكن التشكيك في نزاهة وأمانة العاملين في الهيئات النووية، لا يستهدف فقط التشكيك في سلامة البرنامج النووي، ولكن يستهدف أساسا هز ثقة المصريين في أنفسهم وفي قدراتهم. 

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter