وعدتك في نهاية المقالة السابقة ان يكون موضوعنا اليوم عن استحالة تكون الجينات في الطبيعة لكن اسمح لي ان أظل بعض الوقت في معضلة الزمن الطويل الذي تقدمة لنا نظرية التطور وتفرضه علينا في المدارس والجامعات والاعلام.
وحلقتنا اليوم تتحدث عن المجال المغناطيسي للأرض في تحد جديد يختصر مليارات سنين التطور الى آلاف قليلة.
معضلة تضاؤل المجال المغناطيسي للأرض
في البداية نعرض المشكلة
بتميز كوكبنا الأرض بوجوده على البعد المثالي من الشمس للحصول على الطاقة والدفء اللازمين للحياة، ولكن اشعة ذلك النجم الأم التي تصل الى الأرض تحمل معها بجانب الدفء والنور ايضا رياحا كهرومغناطيسية تزيد على ما تحتاجه الأرض بسبعة الاف مرة وبما يكفي لتدمير الحياة على الأرض آلاف المرات، لو لم تكن تلك المغناطيسية الأرضية التي تحمي كوكبنا الأزرق لتضمن بقاء الحياة؛ حيث يوفر المجال المغناطيسي للأرض ما يشبه حائط الصد الذي يعمل على حمايتها من تلك الرياح الشمسية ويمنع وصولها الى الغلاف الجوي، وأول ما يستفيد من تلك الحماية هي طبقة الأوزون التي تمنع وصول الاشعة فوق البنفسجية الضارة الي سطح الأرض.
من جهة أخرى تمثل قوة المجال المغناطيسي أيضا عاملا مهما لبقاء الحياة، فوجوده يولد أيضا طاقة لا يُستهان بها وتساهم في إضافة نسبة ضئيلة من الدفء اللازم للحياة على الكوكب، لكن لو زادت قوته عن الحد المعروف لانعدمت فرص الحياة لسخونة الكوكب، وبحسب قياسات العلماء فإن قوة المجال المغناطيسي تتضاءل بسرعة كافية، أو بمعنى آخر، بالعودة الى الماضي تتضاعف الحرارة التي يسببها المغناطيس الأرضي أيضا بسرعة فلا نكاد نتخطى حاجز الثمانية آلاف سنة فقط في الماضي القريب حتى ينقلب أثر الدفء في المجال المغناطيسي للأرض الى حرارة معادية للحياة، اما إذا رجعنا أكثر للماضي فسنجد ان كوكب الأرض منذ 25 ألف سنة كان في حالة تشابه في حرارتها بعض النجوم أي ان درجة الحرارة كانت ستكون عالية جدا مثل حرارة نجم قاتل لكل فرص الحياة واحلام التطور!
والآن الى تفاصيل الموضوع
ما هو المجال المغناطيسي للأرض؟
في باطن الكرة الأرضية مغناطيس عملاق ذو مجال مغناطيسي شديد القوة حتى ان مجال تأثيره يمتد الى مسافات شاسعة في الفضاء المحيط بالكوكب، قطبا المغناطيس الموجب والسالب موجودان في القطبين الجنوبي والشمالي للأرض
الغلاف المغناطيسي الأرضي (Earths magnetic field) هو المنطقة المحيطة بالكوكب ويقوم بحماية الأرض من موجات الاشعة الضارة مثل الاشعة المصاحبة لضوء الشمس، التي حينما تقترب من الأرض تتعرض جسيماتها المشحونة المتحركة في الفضاء للمقاومة بواسطة الحقل المغناطيسي للكوكب فتنحرف عن مسارها وقد يتمتع هذا الحقل المغناطيسي بشدة وشكل كافيين لأن يجعل الجسيمات المشحونة السريعة تبتعد عن المناطق الداخلية للكوكب مما يحميه من تأثيرها.والمجال المغناطيسي للأرض محاط بمنطقة الغلاف المغناطيسي.
قوة المغناطيس الأرضي الحالية هي 29.5 ميكرو تسلا ومستمرة في الاضمحلال بمعدل شبه ثابت
سجل العلماء عدة انقلابات متتالية في قطبي المغناطيس الأرضي حدثت منذ زمن بعيد على فترات متقاربة.
تاريخ قياسات المغناطيس الأرضي
في 1835 تمكن عالم الرياضيات الألماني فريدريك جاوس Carl Friedrich Gauss, 1777-1855 من وضع طريقة لقياس القوة المغناطيسية واعطى وحده القياس اسمه أي جاوس.
ثم جاء العالم الصرب-امريكي نيكولا تسلا Nikola Tesla 1893-1943 ليضع مقياسا لقوة المجال المغناطيسي للأرض وجعله يحمل اسمه أي "تسلا" وتتكون وحدة قياسه من 10,000 جاوس.
اثبتت القياسات المتتابعة من وقتها الاضمحلال المستمر لقوة المجال المغناطيسي الأرضي بمقدار 6% في خلال 150 سنة وحتى بداية القرن 21، والدراسات توثق هذا الاضمحلال.
وفي الثلاثة عقود الأخيرة من القرن العشرين (1970 الي 2000) نقصت قوة المغناطيس الأرضي بمقدار 1.4 % وهذا المعدل للاضمحلال لا يختلف عليه أحد من العلماء واستمر بنفس المعدل حتى الآن.
بناء على هذا نجد ان نصف العمر للمجال المغناطيسي للأرض، أي المدة التي يحتاجها المجال المغناطيسي ليفقد نصف قوته، هو 1465 سنة. هذا المعيار يعني ان المجال المغناطيسي للأرض يفقد نصف قوته مرة كل 1465 سنة. وللتسهيل على القارئ سنعتبرها مرة كل 1500 سنة، فبتعبير آخر كانت قوة المجال المغناطيسي للأرض قبل 1500 سنة ضعف ما هي عليه الآن، أيضا كانت أربع اضعاف من 3,000 سنة وثمانية اضعاف من 4,500 سنة ثم 16 ضعفا منذ 9,000 سنة وهكذا دواليك. وهذا التضاعف يعني بالطبع زيادة الدفء الذي يولده المجال المغناطيسي كنتيجة لقوة المغناطيس وسريعا ما يتضاعف ليصير حرارة مدمرة للحياة والكوكب.
ولكن ما هو سر تكون المغناطيس الأرضي؟
النظريات المختلفة لتكون المغناطيس الأرضي
لم تحظ محاولات تفسير وجود المغناطيس الأرضي بنظرية واحدة بل كان هناك العديد من النظريات، وللتسهيل فهناك اتجاهان رئيسيان لتلك النظريات، "الدينامو" و "الاضمحلال الديناميكي Dynamic Decay"، وهو ما سنتناوله تاريخيا
في سبعينات القرن العشرين لاحظ بروفيسور الفيزياء الأمريكي توماس بارنز Thomas Barnes ان قياسات قوة المغناطيس الأرضي أظهرت اضمحلال المجال المغناطيسي منذ بدء القياس في 1835 بنسبة حوالي 5% (صححها العلماء لاحقا الى 6%) في القرن، وهذا ما أكدته أيضا الأبحاث على مغناطيسية الصخور والاحجار القديمة حيث أظهرت اضمحلالا يبلغ 40% في آخر الف عام، وفسر بارنز هذه الظاهرة بفقد الأرض التدريجي للتيار الكهربائي لباطن الأرض المعدني، واستنتج عالم الفيزياء من هذا ان ذلك التيار لا يمكن ان يزيد عمره عن عشرة آلاف سنة فقط وإلا كانت الحرارة الناتجة منه بالقوة الكافية لصهر القشرة الأرضية، وبالتالي فالأرض ومعها بالطبع الحياة الموجودة عليها عمرهما بالضرورة اقل من عشرة آلاف سنة.
رد علماء التطور:
تمسك علماء التطور بحسابات العمر الطويل للأرض ورفضوا بالتالي ما قاله د. بارنز وقدموا في المقابل نظرية الدينامو الشهيرة
تتنوع نظريات "الدينامو" في بعض التفاصيل لكنها تتفق في انها تنسب مصدر المغناطيس الأرضي الى حركة العناصر الساخنة المنصهرة، خاصة الحديد، حيث تسبب تلك الحركة ما يشبه الدينامو المعروف الذي يولٌد طاقة كهربائية او مغناطيسية داخل الأرض، واجمع أصحاب تلك الفئة من النظريات على ان البطء الشديد في تناقص حرارة باطن الأرض هو الضامن للطول الشديد في عمر المغناطيس الأرضي وبطء اضمحلاله، وبالتالي فأن كان عمر الأرض 4.6 مليار سنة ومازال بها كل هذا النشاط البركاني، فمن الطبيعي ان يحتفظ المغناطيس الأرضي بنفس العمر.
وتتعرض كل هذه النظريات (Dynamo theories) التي حاولوا اثباتها لعشرات السنين الى انتقادات علمية متزايدة للأسباب التالية:
oبالرغم من بساطة التفسير لم تصمد أي من تلك النظريات امام التجربة العملية فلم تستطع كل الاختبارات العلمية والقياسات المغناطيسية في الحمم البركانية او أعماق المحيطات اثبات تلك العلاقة المفترضة بين حركة الحديد المنصهر في باطن الأرض وبين توليد المجال المغناطيسي
oلم تستطع تلك النظريات تفسير الحقيقة المكتشفة في كواكب أخرى للمجموعة الشمسية بها نشاط بركاني وحمم غنية بالحديد لكن ليس بها مجال مغناطيسي
ومع ذلك قدم علماء التطور ما رأوه دليلا يدحض نظرية بارنز وهو حقيقة انقلاب قطبي المغناطيس، وهذي الظاهرة التي رصدها علماء البراكين حيث لاحظوا ان جزيئات الحديد الموجودة في الحمم تتشكل او تتمغنط دائما في اتجاه القطب السالب الذي هو الآن القطب الشمالي قبل ان تبرد وتتجمد، ولكنهم وجدوا بعضا من الحمم تشير الى الاتجاه الآخر مما يثبت تغير انقلاب القطبين، ثم قدموا تفسيرهم بان المغناطيس الأرضي يتم شحنه مجددا مع كل انقلاب مما يجعل المجال المغناطيسي دائم التجدد. وبقي انهم لم يقدموا تفسيرا مقنعا للانقلاب القطبي.
رد الخلقيين على رد التطوريين
في سنة 1984 قدم الفيزيائي الأمريكي دافيد راسل هامفريز David Russell Humphreys نظريته "الاضمحلال الديناميكي Dynamic Decay" التي تعتمد على الخلق وليس التطور، وفيها فسر سبب تولد المغناطيس الأرضي بان ذرات الهيدروجين الموجودة مثلا في جزيئات الماء او غيرها هي بنفسها مشحونة مغناطيسيا بسبب دورانها مع الكوكب وتكون في مجموعها المجال المغناطيسي وتشكله في قطبي الأرض بالموجب والسالب.
أضاف د. هامفريز أيضا تفسيرا علميا للانقلابات المتعددة في قطبي المغناطيس الأرضي بحدوث ظاهرة فريدة وهي الطوفان العالمي العملاق الذي غير وجه كل الكوكب في أيام نوح، وقال بان الانقلابات كلها انحصرت في نطاق شهور قليلة وبفاصل أيام او أسابيع بين كل انقلاب وآخر، وفي هذه الحالة لا تكون الانقلابات موزعة على أحقاب منفصلة بما لا يخدم فرضية إعادة الشحن بواسطة الانقلاب، ولم تمض أسابيع على هذا إلا واستطاع علماء البراكين اثبات هذا في عدة مواضع وقارات مختلفة في ضربة قوية تثبت ليس فقط انها حدثت في ذات الزمن بل وأكدت أيضا على حقيقة الطوفان العالمي وليس المحلي وتعود بنا الى نظرية د. بارنز ومعه د. هامفريز بصغر عمر الكوكب.
توسع د. هامفريز في نظريته بتطبيق قواعدها على القمر والشمس وكواكب اخري في المجموعة الشمسية وهذا ما اثبتته الدراسات في الرحلات الى القمر ثم اثبتته الصور والبيانات والقياسات التي أرسلتها المركبة الفضائية فوياجر التي عبرت المجموعة الشمسية وقدمت نتائج قياساتها على الستة كواكب التي عبرت عليها كلها تؤكد نظرية د, هامفريز عن المجال المغناطيسي للكواكب، في مقابل فشل نظريات علماء التطور الذين وضعوا بدورهم توقعاتهم عن تلك الكواكب وثبت خطأهم وصحة د. هامفريز في كل مرة، مما اوقعهم في حرج شديد.
شهادة من عالم تطوري بارز
بعد البراهين التي وجدها العلماء بالتجارب والقياسات الأرضية والفضائية بثلاث سنين خرج عالم المغناطيس الأرضي المعروف د. دافيد ستيفنسون David Stevenson من جامعة كاليفورنيا في سنة 2014 وأقر في حديث إذاعي شهير بالمشاكل التي تواجه فرضية العمر الطويل للمغناطيس الأرضي وذلك بالرغم من بقائه متمسكا بالتطور ومشيرا الى ان المغناطيس الأرضي كان يجب ان يختفي منذ فترة طويلة جدا، وهذا جزء مما قاله:
"حاليا هناك مشكلة في فهمنا لباطن الأرض، وتلك المشكلة ظهرت منذ سنتين وهي معضلة عويصة تجعلنا متحيرين في كيف استطاع المغناطيس الأرضي البقاء في القسم الأعظم من التاريخ المفترض وأيضا لسنا نعرف كيف استطاعت الأرض القيام بهذه المعادلة. نحن اكتشفنا ان العلم الذي لدينا ليس بالقدر الذي كنا نظنه من عقد او أكثر ويمثل التعارض بين التاريخ وإمكانية بقاء المغناطيس الارضي لنا لغزا محيرا."
الخلاصة
المغناطيس الأرضي بمجال قوته الآن وحتى 8,700 سنة في الماضي على أكثر تقدير لا غني عنه لوجود واستمرار الحياة على الأرض، وهو للأسف في اضمحلال سيؤدي الى اختفائه في ظرف 1,200 عاما من الآن، ولن يؤثر انقلاب ما في القطبين المغناطيسيين على حقيقة الاضمحلال المستمر للمغناطيس الأرضي.
المجال المغناطيسي يولد حرارة هي الآن ضئيلة لكنها تتضاعف بالعودة الى الماضي حتى ان قوتها من 10,000 سنة كانت كافية لصهر القشرة الأرضية.
هذا الأمر يطرح ظلالا كثيفة على نظرية التطور التي تنادي بالعمر الطويل للكائنات يبلغ المليارات من السنين، فمن اين بكل هذا الوقت؟
علماء التطور لا زالوا يبحثون عن كون ومخلوقات تطورت بنفسها وبدون أي حاجة الى خالق ويرفضون بالتالي أي احتمال لوجود الخالق القادر على صنع كل هذه المخلوقات بكلمة من فمه المبارك.
في المرة القادمة سنرى كيف يقدم طوفان النيل السنوي تحديا آخر ضد فرضية العمر الطويل للأرض، فإلى ذلك الحين ابقوا سالمين.