كتبت – أماني موسى
يوافق اليوم ذكرى نياحة المعلم إبراهيم الجوهري، الرجل العظيم والمحسن الكريم، والمعروف في الأوساط القبطية بكونه رجل أعمال عصامي اشتهر بعطاءه وكركمه لكل الفقراء والمحتاجين.. نورد بالسطور المقبلة بعض لمحات من حياته.
ولد إبراهيم الجوهري في القرن الثامن عشر الميلادي، ونشأ في أسرة من أبوين فقيرين متواضعين.
كان والده يوسف الجوهري يعمل بالحياكة، في قليوب، وربياه على الإيمان والمداومة على الصلاة والذهاب للكنيسة.
تعلم في كُتّاب البلدة القراءة والكتابة والحساب، واشتهر منذ حداثته بنسخ الكتب الدينية وتقديمها إلى الكنائس علي نفقته الخاصة وكان يأتي بما ينسخه من الكتب إلى البابا يوحنا الثامن عشر البطريرك السابع بعد المائة الذي تولي الكرسي من سنة 1486 إلى 1512 للشهداء ( 1769 – 1796 م ).
وكان لهذه العطايا الأثر في لفت انتباه البابا في ذلك الوقت إلى كثرة ما قدمه إبراهيم الجوهري والنفقات التي تحملها في نسخ وتجليد هذه الكتب وتقديمها إلى الكنيسة، وأوضح الجوهري أنه ميسور الحال وأنه يحب الكنيسة ويغير عليها لذا يقوم بهذه الأعمال، فشكر البابا مجهوده ومحبته قائلاً: "ليرفع الرب اسمك ويبارك عملك وليقم ذكراك إلى الأبد" وبعدها توثقت العلاقات بينه وبين البابا.
وكأن السماء استجابت لهذه الطلبة، فتدرج المعلم إبراهيم في العديد من الوظائف بالقصر الملكي، وابتدأ بوظيفة كاتب لأحد أمراء المماليك ثم توسط البابا لدي المعلم رزق رئيس الكتاب وقتئذ فأتخذه كاتبًا خاصًا له، واستمر في هذه الوظيفة إلى أخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته.
ولما تولي محمد بك أبو الذهب مشيخة البلاد اعتزل المعلم رزق رئاسة الديوان وحل محله المعلم إبراهيم فسطع نجمه من هذا الحين.
رئاسة وزراء مصر
ولمَّا مات أبو الذهب وخلفه في مشيخة البلاد إبراهيم بك، تقلد المعلم إبراهيم رئاسة كتَّاب القطر المصري وهى أسمى الوظائف الحكومية في ذلك العصر وتعادل رتبة رئاسة الوزارة، واستمر الجوهري في عطاءه وتواضعه ومحبته وإحسانه.
وفي ذلك الوقت رفضت مصر الانصياع لأوامر السلطان العثماني، فقام بإرسال جيشًا بقيادة حسن باشا قفطان (قبطان) سنة 1199 هـ، وقام بسلب ونهب بيوت المصريين وعلية القوم من أفراد الحكومة، واستمر حسن باشا إلى أن اُستُدعيَّ إلى الاستانة، فغادر وبعد فترة عاد إبراهيم بك ومراد بك إلى منصبيهما ودخلا القاهرة في 7 أغسطس سنة 1791م، وعاد المعلم إبراهيم الجوهري واستأنف عمله وعادت إليه سلطته ووظيفته، ولكنه لم يستمر أكثر من أربع سنوات وتوفي.
حياته
تزوج المعلم إبراهيم من سيدة فاضلة شجعته على تعمير الكنائس، ورزق منها بولد اسمه يوسف، وابنه اسمها دميانة، وقبل أن يتزوج ابنه بأيام مات وهو يستعد لحفل الزفاف، فحزن عليه حزنًا شديدًا وأغلق الدار التي رتبها لزيجة ابنه.
وفاة ابنه الوحيد قبل زواجه
وكان لوفاة هذا الابن الوحيد، أثر كبير في نفس إبراهيم وزوجته، فازداد رغبة في مساعدة الأرامل واليتامى والمساكين، وتعزية الحزانى والمنكوبين، وقيل انه رآى القديس أنطونيوس في الوقت ذاته له وعزَّاه وشجعه. ولما استيقظت الزوجة توجهت إلى زوجها، وقصت عليه الرؤيا، فأجابها بأنه رأى نفس الرؤيا في هذه الليلة، فسلَّما الأمر لله، واستبدلا لباس الحداد باللباس العادي، وامتلأ قلباهما عزاء وشاركته زوجته في جميع أعماله الخيرية وصدقاته، حتى يوم وفاته.
الجبرتي: أدرك بمصر من العظمة ما لم يسبق مثله وعمر الكنائس والأديرة
أطلق عليه الناس لقب سلطان الأقباط، وقال عنه الجبرتي المؤرِّخ الشهير: " إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظمة الصيت والشهرة ـ مع طول المدة ـ ما لم يسبق لمثله من أبناء جنسه، وكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات، وكان من ساسة العالم ودهاتهم، لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور، ويدارى كل إنسان بما يليق به من المداراة، ويفعل ما يوجِب انجذاب القلوب والمحبة إليه وعند حلول شهر رمضان كان يُرسل إلى أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا. وعُمِّرت في أيامه الكنائس والأديرة وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان، ورتَّب لها المرتبات العظيمة والأرزاق المستديمة والغلال ".
محبًا للفقراء ومهتم بعمارة الكنائس.. يحب الجميع ويقضي حوائج الكافة دون تمييز
وقال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبحّ أسقف جرجا وأخميم: " أنه كان من أكابر أهل زمانه وكان محبًا لله يوزع كل ما يقتنيه على الفقراء والمساكين، مهتمًا بعمارة الكنائس. وكان محبًا لكافة الطوائف. يُسالم الكل ويحب الجميع ويقضي حوائج الكافة ولا يميز واحدًا عن الآخر في قضاء الحق".
أعماله:
- تمكَّن من استصدار الفتاوى الشرعية بالسماح للأقباط بإعادة ما تهدم من الكنائس والأديرة.
- أوقف الأملاك الكثيرة والأراضى والأموال لإصلاح ما خرب منها وقد بلغت حجج تلك الأملاك 238 حجة مدونة في كشف قديم محفوظ بالدار البطريركية.
- اشتهر بنسخ الكتب الثمينة النادرة، وإهدائها لجميع الكنائس والأديرة.
- أول من سـعى في إقامـة الكنيسـة الكبرى بالأزبكـية، وكان في ذلك الوقت يحرم على الأقباط أن يشيِّدوا كنائس جديدة أو يقوموا بإصلاح القديم منها، إلا بإذن من الهيئة الحاكمة، وذات مرة قدم الجوهري كل الرعاية لأحد الأميرات القادمة من الأستانة لأداء مناسك الحج، فأرادت مكافأته وإظهار اسمه لدى السلطان فالتمس منها السعي لإصدار فرمان سلطاني بالترخيص له ببناء كنيسة بالأزبكية، حيث يوجد محل سكنه، وقدم لها بعض طلبات أخرى خاصة بالأقباط فأصدر السُّلطان أمرًا بذلك، ولكنه توفي قبل البدء في بناءها، وأتم بناءها شقيقه المعلم جرجس الجوهري.
- شيد ووسع العديد من كنائس وأديرة مصر بعمرانها وصحرائها.
ودفن في المقبرة الخاصة التي بناها لنفسه بجوار كنيسة مارجرجس بمصر القديمة.