دكتور شريف منصور
نتيجة لإقامتي خارج مصر-بالجسد وليس بالروح- منذ عقود طويلة، ومع مرور الوقت ومشاغل الحياة، أصبحت غير متابع بانتظام لما يقدم من أعمال درامية على شاشات التليفزيونات،
ولكن هذا العام كان الأمر مختلف، إذ قمت بمتابعة أحد الأعمال الفنية المتميزة، والتي سعدت كثيرًا بمتابعته، هذا العمل هو مسلسل "الاختيار" الذي كان السبب وراء متابعتي له هو حالة الانتشار الكبير التي حققها المسلسل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أثار فضولي ودفعني لمتابعته،
والحقيقية أنا سعدت لمتابعتي هذا المسلسل. فهذا العمل المتميز الذي يتخطى المفهوم التقليدي لعمل درامي، فهو عمل وطني راقي قدم لنا رسالة مهمة، تتمثل في رفع الوعي لدي المصريين بمختلف أطيافهم حول حقيقية ما يدور في سيناء وحجم المؤامرة والمخاطر التي تتعرض لها مصر،
فالاختيار قدم لنا صورة واقعية لتضحيات أبنائنا الأبطال ف سيناء، وقام بتعرية الجماعات الإرهابية القذرة، وأفكارها الملوثة، والطريقة التي تستخدمها تلك الجماعات الإرهابية للتغرير بعقول الشباب، من أجل استخدام هؤلاء الشباب كمعول لهدم الأوطان، تحت ستار الدين لصالح جهات ودول أخري في المنطقة.
يأتي "الاختيار" في مرحلة شديدة الحساسية تحيط فيها المخاطر بمصر من كل اتجاه (الشرق في سيناء، الغرب في ليبيا، الجنوب إثيوبيا)، في ظل حالة من التضليل المتعمد، الذي تقوم به أبواق إعلامية تشرف عليها جماعة الإخوان الإرهابية، التي تبث سمومها من قطر وتركيا، في محاولة للوقيعة بين الشعب المصري وجيشه وقيادته السياسية،
ولكن "الاختيار" الذي قدم قصة البطل الشهيد "أحمد المنسي" ورفاقه في سيناء، جعل الشعب المصري يتفهم حجم المؤامرة التي تحاك ضده من قوي الشر ليلًا نهار، وطبيعية ما يدور على الأرض في سيناء، وأن الدولة المصرية تقوم بكل ما يلزم للحفاظ على أرض سيناء الغالية، والحفاظ على كل مصر.
ولكن قوي الشر التي أشرنا اليها لم تستطيع تحمل نجاح هذ العمل الوطني وتأثيره الذي تخطي مصر ممتدًا إلى الدول العربية، فعلي نباحها من منابر الخيانة والعار التي يمارسون منها أحط أنواع العمالة والدعارة الفكرية والأخلاقية في الدوحة وإسطنبول، مهاجمين هذا العمل الوطني.
وفي محاولة تحريضية خسيسة لإثارة المصريين، هاجم هؤلاء الخونة "الاختيار" بالحديث عن الملايين التي صُرفت على هذا العمل من أجور للمثلين والعمليات الأخرى المتعلقة بالإنتاج، غافلين أن من قام بإنتاج هذا العمل هي شركة خاصة، أي أنه لم يتم إنتاجه من خزانة الدولة، وأنه بالرغم من القيمة الوطنية الكبيرة، فهو عمل يخضع لقوانين السوق، فالعمل بنجاحة الكبير وعرضه على أكثر من شاشة، حاز على حصة كبيرة من الإعلانات، التي تغطي كل تلك المصروفات، دون أن يحصل على جنيه واحد من ميزانية الدولة المصرية،
ولكن بغض النظر عن المبالغ التي تم صرفها على عمل بحجم "الاختيار" وهو يستحق،فليس هذا لب الموضوع، ولكن لب الموضوع الأثر الكبير وحالة الاستيقاظ التي قام بها "الاختيار" في نفوس المصريين بل وبدون مبالغة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وتسلطيه الضوء لمعرفة مصدر الخطر الحقيقي القادم من الاتراك وعملائهم من الإخوان والقطريين.
أن الدراما والسينما هي واحدة من أهم الأدوات الناعمة المهمة التي تقوم بتشكيل وعي ووجدان الشعوب، وطالما كان لمصر دور رائد وبارز في هذا المجال، ومؤخرًا قام النظام الإخواني في تركيا بالانتباه إلى تلك الميزة وقام بإنتاج عدد من المسلسلات التي تهدف إلى تصدير صورة ذهنية إيجابية حول الدولة العثمانية، وضرورة عودة تبعية الشعوب العربية للعثمانيين مرة أخري، من هذه المسلسلات "قيامة أرطغرل" الذي بدأ عرضه في ٢٠١٤ واستمر حتى ٢٠١٩، وتكلف إنتاجه مبالغ ضخمة، وحظي ذلك المسلسل باهتمام من أردوغان نفسه، كل ذلك من أجل تلميع تاريخ العثمانيين، والتأثير على الشعوب العربية.
وقامت الابواق الإخوانية من المجرمين والمرتزقة التي تأويهم إسطنبول والدوحة، بالتهليل والتطبيل لتلك الأعمال الفنية، والادعاء بأن مصر غير قادرة على أنتاج أعمال مؤثرة مثلها، وهذا أدعاء كاذب تمامًا، فتاريخ الإنتاج الفني في مصر ملئ بالأعمال التاريخية الكبرى التي شكلت وعي العالم العربي كله.
ولكن ما حدث أن التأثير الكبير الذي أحدثه مسلسل "الاختيار"، قد أضاع المجهودات الخبيثة التي قامت بها الدراما التركية الموجه في السنوات الأخيرة، ولذا أود توجيه التحية إلى كل من ساهم في هذا العمل الوطني الراقي، نتطلع إلى مزيد من الأعمال المماثلة التي ترفع من مستوى وعي الشباب المصري والعربي، وتكشف له حقيقية قوي الشر والمؤامرات التي تحاك ضد أوطاننا، حتى لا تهدم تلك الشعوب أوطانها بأيدها لحساب تلك الدول والجماعات المارقة التي تأخذ من الدين ستار لها.
وأريد أن أختتم هذا المقال بجزء من كلمات الفنان أحمد السقا الذي قام بدور المحقق مع الإرهابي هشام عشماوي، قائلًا له "بص يا هشام أحنا مش هنسيب اللي مشغلينك يلعبوا في دماغ اللي زيك تاني، وأديك شوفت ما الاخر كده أحنا مبنسيبش تارنا، ولا بنسامح اللي غدر بينا، ومش هنسيب اللي زيك ولا اللي مشغالينك؛ ولا الأجهزة اللي مشغلة اللي مشغالينك".
الرسالة واضحة للجميع وتحيا مصر.