من الأمور الجميلة في حياتنا أن نحب إنسانا دون أن نعرف أسبابا محددة لذلك… نحبه قلبيا وروحيا قبل أن نحبه منطقيا وعقلانيا… هذا الحب هو ما ربطني طيلة سنوات هذا عددها بالأخ والصديق الحبيب نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية, فقد جذبتني إليه ابتسامته ووداعته ودفء طبيعته, تلك السمات التي سرعان ما تذيب أحاسيس الجدية والخشوع التي تربطنا بالمقامات الروحية والمراتب الكهنوتية والتي جعلتني أندفع نحو نيافته مرحبا ومعانقا كلما التقيته ومتبادلا معه أطيب وأعذب الحديث.
حرصت أن أقول ذلك قبل أن أسجل أن نيافة الأنبا موسي من أعمدة أصحاب الكلمات الروحية المسيحية في وطني وهو يعد من السمات التي لا غني عنها في هذا المجال لإسهاماته القيمة الثرية التي يغدق بها علي قرائنا كل أسبوع بشكل متواصل منذ عدة عقود… إذا بالإضافة إلي العلاقة الإنسانية الحميمة تربطني بنيافته علاقة مهنية وطيدة, والعلاقتان, معا تمثلان رصيدا متناميا من المحبة والقدير والاحترام يربطني به ويشدني إليه ويفتح شهيتي للاستماع إلي عظاته كلما أتيحت لي الفرصة… لكن أصارحكم القول إني ظللت غير ملم بسيرة حياته أو بدقائق خدمته وعطائه كأسقف للشباب بالرغم من تعطشي لذلك, إلي أن رتب الرب أن أحصل علي ما يرويني في هذا الإطار بشكل عجيب, إذ أتاني مبتغاي من أقصي أقاصي الأرض!!
يدق جرس التليفون في مكتبي ويأتيني علي الجانب الآخر صوت يتحدث الإنجليزية بطلاقة اعتقدت معها أنه أجنبي قبل أن يقدم لي نفسه.. إنه الأب القس متي عطية -أو ماثيو عطية كما يكتبه بالإنجليزية- راعي كنيسة مارجرجس القبطية بسيدني بأستراليا, وبعد حديث ودي قصير أبلغني أنه سوف يرسل مقالا بقلمه للنشر في وطني بمناسبة مرور أربعين عاما علي بدء خدمة نيافة الأنبا موسي أسقفا للشباب في الكنيسة, وطبعا رحبت بذلك, وجاءني مقاله علي البريد الإلكتروني بلغة إنجليزية طليقة, وشرعت في قراءته فإذا بي ألتهمه من فرط ثراء المعلومات التي يحتويها والتي أكملت شغفي بخدمة ورسالة نيافة الأنبا موسي وتضيف البعد الرعوي إلي البعدين الإنساني والمهني اللذين يربطانني بنيافته… هذا المقال تنشره وطني باللغة التي كتب بها في ملحق وطني إنترناشيونال بالإنجليزية, وجار ترجمته إلي العربية لتقدمه إلي قراء وطني… ويسعدني أن أقدم لكم بعض ملامحه فيما يلي:
** ولد إميل عزيز في 30 نوفمبر 1938 وتخرج في كلية الطب عام 1966 وخدم ربط الشباب في بني سويف أثناء حبرية مطرانها الجليل الأنبا أثناسيوس, وفي عام 1975 تمت رسامته راهبا باسم الأب أنجيلوس البراموسي, ثم في 25 مايو 1980 -منذ أربعين عاما- تفضل قداسة البابا شنودة الثالث بسيامته أسقفا للشباب ليكون أول أسقف للشباب في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأنبا موسي.
** الأنبا موسي يمتلك رؤية لاهوتية في رعاية الشباب وتطوير وتنمية شخصيته جسديا ونفسيا وعقلانيا وروحيا, وكان لدفء وترحاب شخصيته بالإضافة إلي روحه الشابة الفضل الكبير في تلامسه مع الكافة وتغييره حياتهم.
** غرس الأركان الثلاثة للحياة الروحية الناجحة وهي في وجود الأب الروحي والبرنامج الروحي والبيئة الروحية, كما صك أربع صفات للسمو الروحي هي الصحة والسعادة والقداسة والتطلع للملكوت.
** بجانب مقالاته وكتاباته العديدة علي مدي أربعين عاما من حبريته, لنيافة الأنبا موسي مؤلفات قيمة علي رأسها: الروح القدس, مقومات التعليم الأرثوذكسي, الكنيسة, كيف تخدم الشباب, الشباب والأسرة, الشباب والحياة النقية.
** تحت قيادة نيافة الأنبا موسي تصدر أسقفية الشباب دوريات رسالة شباب الكنسية, الأغصان, الكلمة, بالإضافة إلي مطبوعة 200 محور في خدمة الشباب.
** في عام 1989 أوفده قداسة البابا شنودة الثالث لعقد مؤتمرات للرعاية في أمريكا وكندا وأستراليا بالإضافة إلي دول أوروبا للتواصل مع الشعب القبطي وأبناء الكنيسة هناك, واستمرت هذه المؤتمرات بمعدل سنوي وتركت بصمة واضحة علي حياة آلاف الشباب.
** أسس نيافته عام 1995 مركز القادة للشباب لإعداد القادة للخدمة في مختلف الجوانب الروحية والطقسية والكتابية بالإضافة إلي النواحي الأخلاقية والاجتماعية.
** أسس نيافته خدمات جليلة في مجالات رعاية الشباب المغتربين, ومشغلا للفتيات ودارا لرعاية الأيتام ولجان لدعم المحتاجين وطالبي العمل والمقدمين علي الزواج.
** تصدي لقضايا مجتمعية عاصفة مثل الإدمان, والمثليين, وحقوق الإنسان, والتطرف الديني.. وغيرها من القضايا التي دعا للمشاركة في بحثها خبراء مصريين مسلمين ومسيحيين.
** أوفده قداسة البابا شنودة الثالث لتمثيل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العديد من المؤتمرات والملتقيات المسكونية حول العالم, كما أسس نيافته اللجنة المسكونية للشباب لترسيخ العلاقات الطيبة بين الكنائس المسيحية في مصر.
*** هذه بعض الملامح لرحلة عطاء وخدمة نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب علي امتداد أربعين عاما من حبريته ومن رسالته مع الشباب… والتي أشعر معها أنها غطت الجانب المعرفي لتضيف إلي رصيد المحبة الإنسانية التي طالما ربطتني به.