د.ماجد عزت إسرائيل
ولد القديس أوغسطين في 13 نوفمبر 354م) في طاجسطا (Thagaste) من أعمال نوميديا- (سوق أهراس بالجزائر على الحدود التونسية حاليًا) من أب وثني وأم مسيحية تدعى "مونيكا" لقّنته التعاليم المسيحية.
وقد اطلع أوغسطين في الثامنة عشر من عمره على كتاب"هوطانسيوس" لصاحبه ماركوس توليوس شيشرون (106-43 ق.م) Marcus Tullius Cicero - عضو مجلس الشيوخ الروماني القديم - الذي يتناول البحث في الحقيقة. فدفعه هذا إلى مغامرة فكرية أدت به إلى مخالطة أتباع المانويّة وحضر حلقاتهم بمدينة قرطاجة مدة ناهزت سبع سنوات، قبل أن يغادر إفريقية إلى مدينة روما ويستقرّ بها.
على أية حال، انتقل القديس أوغسطين من مدينة قرطاجة إلى مدينة ميلانو Milano حيث عمل مدرّسا للخطابة، ودبرت له العناية الإلهية الالتقاء بالقديس "أمبروسيوس" أسقف ميلانو، الذي أحبه أغسطين وأعجب بعظاته، وكان مداومًا على سماعها فسمع تفاسيره الروحية للعهد القديم الذي كان المانيون يتجاهلونه، كما سمعه في رده على أتباع ماني وغيرهم من الهراطقة، فبدأ نور الحق ينكشف أمامه.
فسرعان ما انصرف عن المانويّة إلى الأفلاطونيّة المحدثة واعتنق المسيحيّة عام(386م) ليعود مجدّدا إلى إفريقيّة راهبا ثمّ أسقفا بمدينة إيبونارجيوس (عنّابة حاليًا) عام(396م).
ويعدّ القدّيس أوغسطين رائدا للفلسفة المسيحيّة في العصر الكنسي الذي امتدّ من القرن الثاني حتّى القرن السادس الميلاديّين.إذ امتدّ أثر فكره إلى معظم لاهوتيّي العصر الوسيط مثل القدّيس توما الأكويني وأنسلم.. وانطلقت عمليّة البحث عن سبل التوفيق بين الإيمان والعقل أو الفلسفة واللاهوت.وساهم هذا من انفتاح المسيحيّة عل الفكر اليوناني في طابعه الأفلاطوني. وكانت ثقافته جامعة بين إتقان ضروب البلاغة وتعقّب أثر السلف.
وقد آمن بأنّ طلب الحكمة ينطلق من الإيمان فوحّد بذلك بين الإيمان الديني واليقين العقلي في تحصيل المعرفة.
ومن أبرز مؤلّفات القدّيس أوغسطين كتاب "الاعترافات" وقد كتبه عام(400م) وحاول من خلاله تحليل سيرته الروحيّة والفكريّة وتناول معضلة الشرّ.وكذلك كتابه "مدينة الله" الذي ألّفه إثر نهب مدينة روما عام(410م) ودرس فيه تاريخها محمّلا مسؤوليّة الانحطاط وتدمير المدينة إلى فساد الحاكم. ورأى أنّ حبّ الذات المتأصّل في المدينة الأرضيّة يقود إلى انتهاك حرمة الإله وأنّ بلوغ المدينة السماويّة يستوجب احتقار الذات وتعميق حبّ الله. واعتبر أنّ حبّ الخير هو المبدأ الرئيسي والأساسي لكلّ الأخلاق، وظل يكتب حتي تنيح في مدينة أبيونا عام(430م). أي في الوقت الذي كان فيه برابرة الوندال يحاصرون المدينة.