الأقباط متحدون | نسـاء ولآلـئ
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠١:٠٨ | الاربعاء ١٨ ابريل ٢٠١٢ | ١٠برموده ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٣٤ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

نسـاء ولآلـئ

الاربعاء ١٨ ابريل ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : إدوارد فيلبس جرجس 

 
_ هل لا نزال نعيش في فكر الزمن الماضي يا أبي ؟!
 
إبتسامة مغضنة على وجه الأب وقال :
_ يا "عادل" يا ولدي لا تسئ بقولك إلى الزمن الماضي ، ليتنا لا نزال نعيش فيه ، لقد كان زمناً فاضلاً ، لاتخلط بين التقدم وأفكار الحياة وتجاربها ، لا بأس وبل من المفروض أن نأخذ من الحاضر تقدمه لكن لا يجب أن نتخلى عن فكر وتجربة الأباء والأجداد ، صدقني يا ابني فكر الماضي كان كنوزاً استبدلتها الأجيال الحاضرة بكومات من التراب تحت مسمى التقدم ، التقدم  يمكن أن يحدث في وسائل المعيشة والرفاهيات ، لكن لا يمكن أن نغير به مكنونات الإنسان كإنسان ، أو نستبدل به الأخلاقيات والفضائل                             
_ وهل زواجي من " زيزيت" سيغير من مكنونات الإنسان والأخلاق والفضيلة ؟! .
 
_ يا ولدي أعتدت ألا أسئ إلى أي إنسان ، لكن لا تنسى أنك مهندس وهي راقصة .
 
_ الرقص مهنة كأي مهنة يا أبي ، ألم أقل أن أجيالكم لا تزال تعيش في أفكار الزمن الماضي !! .                                                                               
أجاب الأب والأسف رفيق كلماته :
_ ليس العيب في الرقص ، إن اقتصر الأمر عليه ، لكن هل الثراء والبذخ الذي تعيش فيه " زيزيت" حصيلة مهنتها كراقصة فقط !!!! .

                                         
علق عادل غاضباً :
_ إن بعض الظن أثم يا أبي ، وأنا لم أر شيئاً يعيب سلوكها ، وأنت أيضاً لا تعرف عنها شيئاً ، فلماذا ترتكب الأثم يا أبي .  

                                                      
قال الأب بطول أناة :
_ هناك ظواهر تقابلنا في الحياة يا ولدي ، لا تحتاج لأدنى تفكير ، لأنها ُتعلن عن نفسها ، والنار إذا اشتعلت ، لا بد أن يكون هناك من أشعلها ، فهل هذه تحتاج إلى تفكير أو ظن أو أثم ؟!! .
                                                                                  
قال عادل محاولاً الهرب من الحصار :
 _ لكنني أحبها يا أبي ، ولا أستطيع الحياة بدونها . 
 
قال الأب في نبرة واعظة :
_ لو حاولنا أن نفعل أو نحصل على كل شيء يروق أمام أعيننا ونتمسك به تمسكنا بالحياة  لارتكبنا كثيراً من المعاصي !!                                                             
قال عادل غاضباً :
_ زواجي من " زيزيت " ليس معصية يا أبي ، ألم أقل لك أن أجيالكم تعيش بالأفكار القديمة وأول هذه الأفكار التفرقة أو التمييز بين الرجل والمرأة ، الرجال ملائكة حتى لو غرقوا في المعاصي ، والنساء تدان حتى على أنفاسها .    
                              
قال الأب وابتسامة رثاء فوق شفتيه :
_ لا يا ولدي قولك جانبه الصواب ،  أجيالنا قدرت المرأة وحافظت عليها ، ولا تضع تمييزاً أو فرقاً بين الرجل والمرأة ، لكن كما أن هناك بعض الرجال غير أسوياء فأيضاً هناك بعض النساء غير سويات ، الإثنان بشر يقفان سواسية تحت بند الصواب والخطأ .
  
قال عادل ونبرة عنيدة تؤكد كلماته :
_ إنني مصر على الزواج من " زيزيت " يا أبي ولن أسمح لأي سبب أن يبعدني عنها . 
 
قال الأب بصوت الحسرة على وحيده :                                                     _ هل تقبل " زيزيت " أن ترفع قدميها عن هذا الطريق الموحش ، وتعيش معك كزوجة فاضلة ؟!! ، لو قَبِلَتْ يا ولدي سأ قف وسط الجميع رافع الرأس وأصيح بأعلى صوتي ، من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر .
 
قال عادل وهو يحاول أن يرسل بعينيه بعيداً عن عيني الأب :
_ لقد عرضت عليها ولم توافق .
 
قال الأب وعيناه تفيضان حزناً ورأسه تهتز أسفاً : 
_ لن أغلق باب الأمل في أن تعيد تفكيرك ، لكن لا تنسى أنك إذا أقدمت على هذه الخطوة ، ستكون نهاية أبوتي لك ، وحسرة في قلب أمك ، وعار على اسم العائلة التي توارثت الفضيلة .    
                                                                              
********
 
" عادل صالح العدوي " ، شاب لم يصل إلى نهاية العقد الثالث ، نشأ في أسرة محافظة تنتمي إلى عائلة كبيرة عُرفت بالتقوى والفضيلة ، تحت رعاية عميدها " صالح العدوي " والد عادل ، لم يبخل عليه الأب ولا الأم حتى بلبن العصفورة كما يقولون ، نال من التدليل ما يكفي ويزيد ويطفو ، الإبن الوحيد الذي أتى بعد حرمان عشر سنوات من الإنجاب ، والوصول إلى درجة اليأس لأن تكون لهما ذرية ، ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، لم يبخل عليه الأب بأرقى المدارس ، وتخرج من كلية الهندسة معتلياً مرتبة النبوغ ، مما أهله لوظيفة مرموقة في إحدى الشركات الكبرى ، لم تبخل عليه الأم بالحنان والدلال الزائد الذي كان يعترض عليه الأب أحياناً ، يريد له أن ينشأ قوياً صلباً كرجال العائلة ، لكن الأم الفاضلة كانت تستطيع دائماً أن تكسب الجولة بكلمات بسيطة أمام زوج يحبها ويقدرها بأنه الأبن الوحيد الذي رأته أعينهما بعد سنوات من الحزن واليأس ، كان الأب يصمت على مضض وعن غير اقتناع ، لكن عادل لم يخيب ظنه وسار على الدرب القويم شاغلاً نفسه بالرياضة فأكسبته رشاقة وقوة ، ولم يبخل عليه الخالق بوجه جميل يجذب إليه القلوب ، وباختصار كان شاباً ملء العين والبصر ، لم يلوث رئتيه دخان ، أو يكوي حلقه كأس ، وقعت في هواه فتيات العائلة ، لكنه لم ينجذب إليهن ، ولم يضغط عليه الأب وإن كان في قرارة نفسه يود لو يختار عادل زوجة منهن معروفة الحسب والنسب .

المرة الوحيدة التي خرجت فيها قدمه عن الدرب القويم أتت عليه بكارثة ، أصر زملاء وأصدقاء العمل أن يحتفلوا بعيد ميلاده في أحد الملاهي ، لم تطأ قدمه مكان مثل هذا من قبل ، إنبهر به وبكل ما حوله ، والإنبهار الأكبر كان بالراقصة التي تعمدت أكثر من مرة أن تقترب منه وترمقه بنظرة خاصة ، انتهت السهرة وعاد إلى منزله لكن قلبه لم يعد معه ، ولم تفارق مخيلته نظرة من أسفل أهداب جارحة ، رقد واستيقظ في الصباح وقلبه كان لا يزال هناك ، ولم تنسه ساعات النوم نظرتها الداعية في صمت .

أحس بحتمية العودة إلى الملهى ليسترد قلبه ، وليعيد النظرة إلى صاحبتها ، خابت حساباته ، وخرج في المرة الثانية أسير شباك إنوثتها ، وسهام رغبة متوحشة لا تزال بكراً تخترق كل خلية في جسده . بدأت حكاية عادل الذي سجنته " زيزيت " خلف قضبان إغرائها وقالت وفوق شفتيها ابتسامة شيطانية ، إن استطعت الهرب فاهرب ، لم يحاول ، رأى في سجنها الجنة التي كثيراً ما سمع حكاياتها من والده . أذاقته من فتنتها مرة واحدة ، وعندما أطلقته من بين ذراعيها كان أشبه بمدمن مخدرات لا يتورع عن دفع حياته ثمناً لجرعة ثانية ، لكن الجرعة الثانية في مقامنا هذا ثمنها التوقيع على عقد الزواج ، شرطها الأول والأخير ، ذاقت واستمتعت بشبابه الغض وهو يضخ داخل جسدها الحب الحقيقي الذي لم تسمع عنه طوال حياتها ، منذ أن افترسها ذئب من ذئاب البشر وهي لا تزال في الرابعة عشر ، ومروراً بنزوات وشهوات وقاذورات لرجال يأخذون حق الثمن الباهظ الذي دفعوه للإستمتاع بالجسد الرخص ومفاتنه التي تغري قديساً على هجر حياة القداسة .

سألها عادل المزيد من رشفات الهوى المسكر ، وسألته التوقيع على رباط الزوجية أولاً ، بعزيمة حديدية قررت أن يكون من ممتلكاتها ،  حاول أن يفتش عن البديل لإدمانه مراعاة لأسرته ولعائلته ، إلى جانب خوفه من مفاتحة الأب والمعلم والناصح والمرشد برغبته في الزواج من راقصة ، أبداً لم يعثر على ما ينسيه النشوة اللانهائية وهويتمرغ في حضنها ، ضاقت الدنيا أمام وجهه ، واكتست بثوب أسود وقاتم وحزين ، تحشرجت أنفاسه التي أدمنت أنفاسها بعد المرة الأولى ، لم يعد يسمع لقلبه سوى نغمة حزينة ، لا بد من الجرعة ، والجرعة ثمنها التوقيع على عقد الزواج ، ولماذا كل هذه المتاعب والقنوط ، الثمن لا يتعدى التوقيع ، ثمن بخس مقابل نعمة ما بين ذراعيها ، فليوقع ، وليوقع أمام العالم كله كشرطها الذي لن تتنازل عنه ، وليتحدى كل شيء حتى لو كانت طاعة الأب ، يقولون يا روح ما بعدك روح ، وهو لديه إحساس بأن روحه تنسحب منه رويداً رويداً وتكاد تطير بعيداً عنه .

معذرة يا أبي أُقسم بالله إنني لم أكن أود مخالفتك ، الموت أهون عندي عن الخروج عن طاعتك ، لكن ماذا أفعل ؟ ، أنت لم تجرب أن تُسلبَ منك كامل إرادتك وتسير كالتائه وكأنك تسير في دنيا غير الدنيا التي نشأت بها وتعرفها ، لم تجرب ما معنى كلمة الإدمان ، وكيف يتحول المدمن إلى مجنون يمكن أن يرتكب أي شيء حتى القتل للحصول على جرعة واحدة ، طينتك غير طينتي يا أبي ، طينة أجيالكم غير طينة أجيالنا ، طينتكم تعرضت لصهد الفرن فتقوت وأصبحت صلبة يصعب تفتيتها ، طينة أجيالنا لم تصهرها النار، تتفتت بسهولة أمام أي ضغطة من ضغطات الحياة وتجاربها وقسوة إمتحاناتها ، سامحني يا أبي ، سأتزوج " زيزيت " وتخيل إنك لم تنجبني ، أو أن الموت اختطفني صغيراً                           .

                                                                                   
********
 
صعب .. صعب .. الموقف في غاية الصعوبة ، " صالح المعداوي "  سجن نفسه بعد زواج ابنه " عادل " من الراقصة " زيزيت " ، لم يحضر حفل الزواج سوى بعض الأصدقاء ، لم يقترب من بابه أحد من أسرته ، بل أعُلن الحداد داخل العائلة ، عادل مات أو في عداد الموتى ، خرج ولن يعود ، ترك محراب العائلة وسكن فسق الملاهي ، تزوج من راقصة تكبره بخمسة أعوام ، وثروة أتت من الحرام لا تحصى ولا تقدر ، لا يجب أن نظلمه ، الثروة أبداً لم تكن هي الجاذب له ، الجسد القاهر جذب كل عروقه وأوردة الحياة بداخله ، المرة الأولى التي ذاق فيها معنى كلمة الأنثى كانت من خلال ذراعيها ، امتص ثديها فأعاده إلى الطفولة وثدي أمه ، الطفل الكبير توسد وسادة النشوة وأصبح من الصعب جداً بل من المستحيل انتزاعها من أسفل رأسه ، الأب المسكين لا يفهم كل هذه الأشياء ، لم ينظر إليها كمرض أو فايروس يصعب علاجه بالنسبة لابنه صاحب المشاعر العذراء البكر .

توارى " صالح المعداوي " بين الجدران كمرتبك لجريمة أو لعار ، يشعر بالخزي ويرفض أن يكشف وجهه أمام العائلة وهو عميدها ، حاولت زوجته أن تهون الأمر عليه ، لكن رجولته منعت عليه الفضفضة بدموع تحرق داخله ، كتمها كنار لا تبرد ولا تنطفأ ، فاجأ زوجته ذات يوم بقراره الذهاب إلى أمريكا ، ليقضي باقي عمره بجانب أخاه وزوجته وأولاده الذين هاجروا منذ فترة طويلة ، فقد تعينه الغربة على رتق جرحه ، وأيضاً ستعفيه من الظهور أمام إناس يضحكون أمام وجهه ويتغامزون خلف ظهره ، شق على الزوجة أن تترك بلدها ووطنها وعائلتها وابنها التي تحاول أن تتشمم أخباره من بعيد ، وأمل يراودها في لقاء معه حتى لو من وراء علم زوجها ، قلب الأم وعاطفتها يغفران له نزوته حتى لو صلبتهما هذه النزوة فوق صليب العار . وأمام الإصرار كان الرحيل ودموع تملأ الجِرار ذرفها الأب خلسة وذرفتها الأم علانية .    
                                               
********
 
العسل حلو جداً ، والغيرة قاسية جداً ، وبين حلاوة العسل وقسوة الغيرة ، يحاول رفض أن تعيش حياتها وشفاه أخرى ترتشف من عسلها ،  اشتباكات تبدأ عنيفة ، وتنتهي بالصمت والخنوع والإستسلام أمام جرعات التأديب التي تناله بين الوقت والآخر ، فيعود إلى الطفل الطائع الذي يلهيه ثدي أمه عن كل شيء حوله ، مناقشات وحوارات تدور كتحصيل حاصل ،لا تبالي لتأكدها من أنها تقبض على زمام اللجام بيد قوية وحاكمة ، ولأنها تعلم جيداً أنه أصبح غير قادرعلى تقيأ إدمانه وعلى استعداد أن يزحف على بطنه من أجل جرعة ، دارت بينهما ذات مرة مناقشة إثر عودتها قرب الفجر :                                          
_ لماذا صممتِ على الزواج وأنتِ تسلكين هذا السلوك ؟!
اجابت " زيزيت " وهي تهز كتفيها :
_ أعتقد أنك كنت متلهفاً على الزواج أكثر مني ، وأنك لم تتزوجني كراهبة من داخل الدير ، لكن كراقصة من داخل ملهى !!
  _ نعم لم أنس هذا، لكن كنت أظن أن ثوب الراقصة فقط هو الذي سيبقى ، أما باقي الأثواب ستودعينها صندوق القمامة .    
                                                       
قالت بلهجة متهكمة :
_ وهل كنت تظن أن والدك سيغدق علينا بمعيشة كالتي نعيشها ؟! ، أنظر حولك لتعرف إننا نعيش في مستوى معيشة يسير على قدم المساواة  مع أكبر مسئول في البلد ، فلماذا نخسر كل هذا ؟!! .
                                                                       
أجاب عادل ونظرة صارخة تستنكر صراحتها الفجة :
_ من أجل أن تكوني زوجة لرجل يحبك وأسرة وأولاد !! .
 
قالت بلهجة أكثر تهكماً :
_ ثم أستجدي لتبديل سيارتي ، أو لأشتري فستان أو قطعة حلي ، ومشيرة بأصبعها ، أنظر إلى هذه الحلي التي تملأ الدرج ، ملكة بريطانيا لا تقتني مثلها .
_ هناك فرق بين الحلال والحرام ؟! 
 
أربد وجهها ، وقالت ونظرة كحد الخنجر تنطلق من عينيها :
_ منذ أن تزوجتني وأنت تغوص في الحرام ، كنهم أو جائع لم يذق طعاماً طوال عمره ، فما الذي نكأ جراح الشرف داخلك هذه الليلة ، ومن أجل هذا سأعفيك من الحرام هذه الليلة  وسترقد وحيداً كدواء لجراح الكرامة التي بدأت تنزف .
                                  
قفز كمن لدغته حية ، أمسك بيدها يقبلها ، كاد يهبط حتى القدم ، يصرخ كطفل أبعدوه عن ثدي أمه وهو لم يشبع بعد ، يستعطفها ألا تلفظه من حضنها ، ألا تحرمه من جرعة الإدمان التي اعتاد عليها كل ليلة حتى لو شاركه فيها أحد قبله ، شمة واحدة كافية أن تعيد إليه ارتخاء أعصابه ، وتحلق به في جو من السعادة ، لا تحرمينني أيتها القاسية ، لقد قبلتها مهما كانت ، فأنا من المؤمنين بالإشتراكية حتى لو كانت في جسدك ، دفعته القاسية فحكم التأديب قد صدر ولا عودة فيه ولا استئناف ، رقد ودموع الأطفال تملأ مقلتيه ، يؤنب لسانه الذي أوقعه في مصيبة الإنتظار إلى فجر اليوم التالي لينال الجرعة ومن يدري فقد تطول فترة التأديب !! .
                                                                   
********
 
الغربة الموحشة ، وألم فراق الأهل والأحباب ، والقلب الممزق على وحيده الذي عصا طاعته ، وتزوج زواجة كالموت ، نعم زواجة الموت ، ثلاث سنوات قضاها " صالح المعداوي " في الغربة لم ير فيها وحيده ، ولم يسمع صوته ، ولم يهنأ بحفيد كان يحلم به ، حتى الإنجاب تمردت عليه " زيزيت " ، قالت له أنها لا تفكر مطلقاً فيه الآن ، يجب أن تشبع من الحياة والشهرة وتُتخم من المال قبل أن تفكر فيه ، في الحقيقة كان عرض عادل بالنسبة للإنجاب عرضاً واهياً ، فهو أيضاً يريد أن يشبع من مفاتنها قبل أن يفسدها الحمل والولادة ، الوقت الذي يقضيه معها بعد عودتها فجر كل يوم لا يُشبع نهمه ، الغير يمتلكون جسدها وهو مجرد ضيف لوقت قصير تكون فيه منهكة ، شيطان الرغبة فيها امتلكه وارتضى أن يكون الزوج المخدوع بعلمه ، كلمات الحب والغنج التي تهمس بها في أذنه وهى تتثاءب أعمته عن أنه يقف على هاوية الرجال ، حبذ فكرة عدم الإنجاب ، حتى لا يشاركه فيها طفل له احتياجاته الخاصة ، بفكر غريب وشاذ تقبل أن يشاركه في جسدها الغير ، استسلم لهذا الفكر بل وكيفه بما يرضي رغبته العاشقة ، وبأنها دائماً تكون له في آخر الليلة ، ولا تزال تحبه ، وتبرر له انحرافها المخجل على أنه مجرد عمل لا أكثر  تجني من ورائه مكاسب طائلة تزيد من كومة ثروتها ضماناً للمستقبل ، صَدقَ أو لم يصدق لا يهم  لكنه تقبله مقنعاً نفسه بأنه الصدق ، مرات كثيرة يتمرد عليها في صمت وعلى نفسه علناً في غيابها ، يتذكر أبيه وأمه ، يفتقدهما ويشعر بطوفان من الوحشة ، لكن أسرِه كان من النوع الثقيل ، أسر لا مهرب منه إلا بالموت .

كم سالت دموع الأب خلسة أيضاً وخياله يسرح في ابنه العاق الذي حرمه من متعة حفيد يحمل اسمه .

ذات يوم كان الأب يطالع الصحف المصرية كأحد وسائلة التي يقطع بها وقت الغربة ، فجأة هب واقفاً وقد طار عقله ، حادثة بالجريدة ، تقول أن رصاصات أُطلقت على الراقصة " زيزيت " وزوجها " عادل صالح " ، والنتيجة مصرع الراقصة وإصابة الزوج إصابة خطيرة ، في ساعات كان يجلس بالطائرة المتوجهة للقاهرة ، في المستشفى التي يرقد بها ابنه علم أن الإصابة أنهت على إحدى " كليتيه " و الأخرى في حالة خطرة ، ولا توجد سوى " كلية "واحدة من متبرع لا تطابق أنسجتها " كلية " عادل ، تقدم الأب طالباً التبرع بإحدى " كليتيه " لأبنه ، تطابقت الأنسجة لكن للأسف التقرير أوضح  أن إحدى كليتي الأب تعمل بصورة جيدة والأخرى كفاءتها ضعيفة جداً ، ولهذا لن يستطيعوا انتزاع " كليته " السليمة وتركه يواجه الموت بكلية واحدة ضعيفة ، أصر الأب وهدد بالإنتحار إن لم يُقبل تبرعه بكليته السليمة لإبنه ، وقع على قبوله التبرع تحت مسئوليته ، أُجريت العملية وتمت بنجاح دون أن يعلم عادل أنه يحمل بداخله " كلية " من أبيه ، وبناء على رجاء الطبيب تقابل الأب والإبن كل واحد يرقد على فراش ، تولت الإبتسامات الضعيفة مهمة العناق وتبادل الأشواق ، حاول عادل حتى سمحت حنجرته بخروج كلماته الواهنة:                                
_ سامحني يا أبي .
 
بصوت أضعف من الوهن قال الأب :
_ قلب الأب لا يعرف سوى التسامح يا عادل .
 
_ أريد أن أشعر بأنني عدت إلى منزلتي القديمة في قلبك ، فاهدني نصيحة من نصائحك التي كانت تلازم كل خطواتي قبل وقوعي بين براثن الشيطان .؟
 
قال الأب وعلى وجهه ابتسامة تحاول الهرب :
_ إذا فكرت في الزواج ثانية تذكر قول سيدنا سليمان " إمرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ .
 
دموع حارة كسيول الصيف انهمرت تغسل وجه عادل ، وامتدت يد لتسحب الملاءة البيضاء فوق وجه الأب !! .
 
تمت ؛




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :