كيف تغيرت ثوابت الإسلام فى ١٣ شهراً؟
يبدو أن مصر محروسة فعلاً، لأن الاستماتة فى سرقة الثورة لا تحقق للشركاء إلا الندامة. صفقة بعد صفقة ينكشف المتآمرون سريعاً، وسريعاً يختلفون عند تقسيم المسروقات.
اختلف الأولياء وصار بعضهم لبعض عدواً بعد عام وشهر من صدور الإعلان الدستورى المعيب روحاً ولغة ومقصداً.
يصرخ السلفيون الآن من المادة ٢٦ بالإعلان الدستورى، ويعلنون الندم لأنهم استماتوا فى الدفاع عنه لتمريره، لمجرد أن المادة المتشددة بشأن مصرية المرشح تطيح بطموح المرشح السلفى.
مضى عام وشهر على غزوة الصناديق التى رسمت فسطاطى الـ«نعم» والـ«لا» على أساس دينى، حيث وضع السلفيون والإخوان الجنة تحت أقدام من سيقولون «نعم»، وتوعدوا بالسعير من سيقول «لا».
الآن يقولون بوضوح: «أخطأنا»، ويجب ألا يمر ندمهم مرور الكرام على من له عقل يفقه، فهم عندما قالوا «نعم» لم يقولوها باعتبارها رأياً بشرياً يحتمل الصواب والخطأ، بل أدخلوها فى الحلال والحرام، فكيف كانت الـ«نعم» من صلب الدين وصحيحه وكيف صارت إثماً اليوم؟ هل تغير الدين الإسلامى فى ثلاثة عشر شهراً وصار فى جانب الكفار الذين قالوا «لا» منذ عام واحد؟! وكيف لا يفهم المتعاطفون مع أسلمة السياسة أن الزج بالدين فى السياسة تدنيس للدين وتلاعب بأصوله التى يجب ألا تتغير؟!
من حيث المبدأ كانت الاستقامة السياسية تقتضى أن يصدر الدستور أولاً: لأنه هو الذى يحدد مهام مؤسسات الدولة، وكان من السهل تشكيل لجنة صياغة الدستور قبل أن تتفرق القوى وتغتر جماعة الإخوان بقوتها وتحاول احتكار الدستور، لكن العسكر فضلوا تأخير هذه الخطوة ضد إرادة القوى الثورية، والنتيجة هى حالة الميوعة السياسية الدميمة التى نعيشها الآن والقائمة على القواعد القديمة للعبة السياسية، واستمرار مؤسسات بلا أى أهمية مثل مجلس الشورى، الذى لم يكن ضرورياً فى مرحلة كهذه ولا فى أى مرحلة فى الحقيقة، وقد ظهر وزنه السياسى من خلال جهل الناس بيوم الانتخاب وانصرافهم عن التصويت بعكس الاحتشاد الذى شهدته انتخابات مجلس الشعب.
ومن حيث الشكل جاء الإعلان الدستورى طويلاً ومفصلاً، أطول من كثير من الدساتير الحقيقية فى العالم، داخلاً فى العديد من التفاصيل التى كان من الواجب تركها للدستور الجديد، لكنه أراد تجميد الحياة السياسية على الصورة التى هى عليها وكأن شيئاً لم يكن فى ٢٥ يناير.
ونامت ألغام الإعلان الدستورى كما نامت سائر الألغام وكما غمضت سائر الألغاز والمؤامرات، حتى جاءت مصادفة تعارض المادة ٢٦ مع مصلحة المرشح حازم أبوإسماعيل، وهى مادة مجحفة حقًا، فأن يكون الأبوان مصريين فهذا أمر مقبول، وأما النص على ضرورة ألا يكون هو أو أى من الوالدين قد سبق له حمل جنسية دولة أخرى فهو تزيّد، لأن حمل جنسية جديدة فى الكبر لا ينفى مصرية من ولد مصرياً. وقد حمل مئات الآلاف من المصريين جنسيات أخرى، إما بسبب الاضطهاد السياسى لتيارات بعينها أو بسبب الاضطهاد الاقتصادى الذى حرم الكثير من المصريين من فرصة عمل بوطنهم، أى أننا فى كل الأحوال أمام فعل اضطرارى تسببت فيه إدارة فاسدة جعلت مصر بلداً طارداً لأبنائه.
لكن كوارث الإعلان أخطر كثيراً من إعاقة حازم، فهو يقيدنا بوجود مجلس الشورى بشكله واختصاصاته عديمة النفع، ويحافظ لرئيس الجمهورية على تعيين عشرة من أعضاء مجلس الشعب وثلث أعضاء الشورى، كما يقيدنا بنسبة الخمسين بالمائة عمالاً وفلاحين التى أفسدت الحياة السياسية، بل ينوه بمسألة تمكين المرأة، وكلها إجراءات ضد مبدأ المساواة بين المواطنين.
أى أن الإعلان قام بتقييد حريتنا فى اختيار أسلوب حياة سياسية جديدة، قبل أن يقيد حرية حازم صلاح أبوإسماعيل فى الترشح. ولمن يتذكر فإن الذين أكلوا الحصرم وانتظروا أكثر من عام حتى يضرسوا لم يتوقفوا عند عيوب الإعلان التى انتبهت لها القوى الثورية، بل ضللوا البسطاء عندما أعلنوا أن العلمانيين والأقباط يريدون إلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، وكانت قولة باطل يراد بها تمرير كل باطل الإعلان.
لم يكن هناك من يطلب إلغاء المادة، لأن من شأنها بالفعل إثارة الفرقة بين المصريين، لكن القوى الدينية كانت ترد الجميل بعد أن أطلق لها المجلس العسكرى حرية العمل السياسى ضد قانون الأحزاب، بل ضد الإعلان الدستورى ذاته الذى نص على عدم جواز قيام أحزاب على أساس دينى.
اخترق «العسكرى» مشكوراً إعلانه الدستورى من قبل أن يعلنه، فأطلق الأحزاب الدينية التى ردت الجميل.
وطالبت من يقول «لا» بالهجرة إلى كندا وإلا أطلقت ضده الجهاد المقدس، والآن تقول الجماعات ذاتها «لا» للإعلان الدستورى نفسه، وتهدد بالجهاد المقدس إذا تم استبعاد حازم اللازم.
ومن حق من نالوا اختراق الإعلان مرة أن ينالوه مجددًا، ومن حقنا أن نقول إن من حضر العفريت عليه أن يصرفه قبل أن ينصرف.
نقلا عن المصري اليوم
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :