محمد حسين يونس
إختلف التصوير (الرسم ) في القرن العشرين .. عن ذلك الذى سبقه .. فلقد حدثت ثورات في الفكر و الفلسفة في نهاية القرن التاسع عشر ..إنعكست علي الفن و أدت إلي تغييرات اساسية في الشكل .. و المضمون .. و الوسائط ( اللون و المادة المستخدمة ) .. بحيث أصبح الفنان لا ينقل من الطبيعه .. بقدر ما يعيد صياغتها .. طبقا لرؤيته.
فنانين الستينيات في بلدنا.. تأثروا بالمدارس العالمية .. خصوصا التأثيرية و التكعيبية و السريالية .. و أصبحوا يغيرون في الشكل واللون .. و قد يشوهون النسب أو الفورم .. بحيث يضعون المشاهد في مأزق أن لا يكون سلبيا و يشارك برؤيته في إستكمال الفكرة فيصعب تطابق إنطباعين لمشاهدين إثنين لنفس اللوحة ....وهذا بالضبط ما تسبب في إنفصالهم عن الجماهير.
عرضت في يوم لوحة لفان جوخ علي صفحتي في الفيس بوك يعتبرها النقاد ( ماستر بيس ) فكانت التعليقات .. في أغلبها ( تريقة و مزاح ) و عدم تقدير .. لان الإنسان عدو ما يجهل .. و فهم الفن الحديث يتطلب تدريب للعين .. و معظم المصريين بما في ذلك المثقفين (أو المتعلمين ) لم يدرسوا الأفكار و الفلسفات التي غيرت الأوروبي .. و لم يتعلموا من خلال المعرض و المتحف كيف يقرأون لوحة فنية .
جمعية خريجي الفنون الجميلة التي تأسست عام 1945.. كانت من أهدافها تثقيف العين لذلك كانت تقيم إعتبارا من 1953 معرضا سنويا تسمية (معرض الربيع ) .. تعرض فيه بمقرها في عمارة بشارع الجلاء أعمال خريجيها الفنية ..و تحاول أن تجد صلة ما مع جمهور المتفرجين.
كان لي صديق مسئول عن تنسيق المعرض مهندس الديكور ( محمد حمزة ) شجعني علي أن أشهدة و لم يبخل علي .. بالشرح و التفسير بما في ذلك دوافع الفنانين و حياتهم .. بحيث أصبح من الممكن لي فهم طلاسم الفن المعاصر ومتابعة تطور المدارس الفنية الأحدث.
و إستمر هذا التقليد خلال ستينيات القرن الماضي .. كنت أحرص سنويا علي مشاهدة كل جديد من أعمال الفنانين الكبار مثل صلاح طاهر و حسين بيكاروحامد ندا و سامي رافع( إبن حتتنا) ..التي تعرض في ذلك المكان .
ثم قادني هذا المعرض لأن أرتاد أماكن أخرى كانت تقام بها عروض مشابهه مثل أتيلية القاهرة ... أو بينالي الأسكندرية ...
و أن أكون زبونا دائما لمتحف الفنون الحديثة حيث لفت نظرى أن ريشة كل فنان لها طابعها الخاص الذى يميزها ...محمود سعيد ..و سيف وانلي ..و جورج حنين و رمسيس يونان ..و جاذبية سرى.. وعبد الهادى الجزار.. و حامد عويس .. لقد كان كل منهم بالنسبة لي عالما مبهرا بإسلوبه المتفرد المميز .
حامد عويس إبن الصعيد (بني سويف ) .. ضيفنا اليوم ... تتميز لوحاته بتضخيمه لأعضاء جسد الأشخاص حتي في البورتيرهات .. يذكرنا برسومات جوجان في تاهيتي.. أو بالمدرسة التكعيبية عموما .. و تتميزلوحاته أيضا بتنوع المواضيع المتصلة بناسنا (أهلنا ) من مختلف الطبقات .. مع غزارة في الإنتاج .
لقد رصد الفنان شكل الحياة في بلدنا (الواقعية الإجتماعية ) .. و قدم لنا العامل و الفلاح و الصياد و الحرفي أثناء عملهم .. و سيدات و بنات الطبقة الوسطي .. بجوار الأحداث الهامة التي عاصرناها تأميم القناة و بناء السد العالي وتشغيل مصانع الحديد و الصلب و خرج للطبيعة لنرى شوارعنا و حدائقنا و بحارنا وصحارينا و غيطانا بعينيه كما تواجد فيها.. لم يترك شيئا.. في ذلك الزمن ..لم يرصدة حتي حياة المهمشين و أطفال الشوارع .
في الفيلم التالي ..تقديم لبعض من أعماله .. أترك لكم الحكم عليها ..في إطار أنه ليس كاميرا تنقل الواقع بقدر ما هو فن يخضع لقواعد الحداثه ..التي كانت معروفة في ذلك الزمن .
لقد كنا نعيش في الستينيات حركة فنية متقدمة كنتاج لبيئة معاصرة مشجعة .. ثم .. تدهورت الأمور تدريجيا .. مع إدانة الفنون عموما و التشكيلية بالخصوص دينيا و رفضها .. وعندما أصبح الفن سلعة تباع و تشترى في زمن الإنفتاح والفنان يرسم ما يطلبه المنتفع ..و تم حصر العمل بين صلاح عناني (معارضة شابة ).. و فاروق حسني (حكومة عجوز ) لم نعد نهتم
و ها نحن نراقب حديثا بملل توقف الحركة الفنية و عجز معاهد الفنون .. بعد أن أصبح وزير الثقافة أمي لم يقرأ كتابا في حياته أو يقف أمام لوحة أو تمثال .ومثله الأعلي بلا فن بلا نيلة .. خلينا ناكل عيش .