محمد حسين يونس
كلما رأيت الشوارع الواسعة .. و المباني العالية .. و مسطحات الزجاج بواجهات منشئات المدن الجديدة .. أو إستخدام الرخام و السيراميك .. و الطرز الغريبة التي تقام بها المباني .. أبتسم .. وأتذكر حسن فتحي .
في سبتمبر 1962 .. تم تكليفي بعد تخرجي للعمل بالمكتب العربي للتصميمات .. قابلنا مدير عام التصميم المهندس توفيق عبد الجواد .. إستقبالا مشجعا .. و دافئا ... بصفتنا الدم الجديد الشاب الذى سيتقدم بالمؤسسة .
بعد حوالي شهر من إستلامي العمل .. إستدعاني لحجرته .. حيث كان هناك بعض من الضيوف .. عرفني عليهم .. و كان من بينهم المهندس حسن فتحي ..
فهمت من المقابلة أن توفيق بك يرشحني للعمل مع المهندس حسن و إكتساب خبرات إسلوبه في البناء .
أعطاني عنوان منزله .. خلف جامع بن طولون .. و طلب مني زيارته لتنسيق العمل .
منزل قديم ذو سلالم ضيقه .. و إضاءة خافته .. و رائحة مميزة ...كان يجلس علي كنبة بلدى و بجواره كلب أسود ضخم .. يتحدث بالفرنسية مع سيدة تبدو أجنبية .
جلست بجواره أنظر للقاعة التي أمامي .. هناك طبلية واسعة .. مغطاه بطبق نحاس مشغول .. و حولها بوفات .. للجلوس .. الديكور والأثاث كله طابعه كما لو كنت قد إنتقلت لبيت السحيمي .
ظل لنصف ساعة يتحدث بحماس لشاب حديث التخرج عن عناصر العمارة في القاهرة القديمة .. و كيف بنيت شوارعها ضيقة بحيث تكفل الظل المناسب في أيام الصيف و الزعابيب ..
و شرح لي كيف أن المعمارى القديم كان يهتم بأمرين .. أولهما الخصوصية لذلك كان يحول منزله إلي قلعة .لا تكشف من الخارج ... و الثاني التعامل مع الطقس الحار المترب .. لذلك كان دائما ما بضع الحجرات حول (باثيو ) ما يشبه المنور تتوسطه فسقية مياة ترطب الجو ..ويهتم بملقف الهواء الموجه للبحرى .. و يجعل الحوائط الخارجية سميكة .. و الفتحات ضيقة و مغطاه بحيث تعطي درجات مختلفة من السطوع .. داخل الحجرة
ثم أرسلني للدور العلوى لأشاهد لحظة غروب الشمس ..تكوينات خط السماء و علاقات الأحجام المختلفة .. ما بين إنحناءات القبب و إرتفاع المأذن .. و تكعيبات المنازل.. في إنسجام و ليونه .. تميز المكان بسحر غامض .. لا زلت أتذكره
ثم شرح أن التغطية جاءت متناسبه مع البيئة .. من حيث المواد أو الشكل .. لتعطي رطوبة محببة في الصيف.. إما بواسطة قبوات و قبب مصنوعة بطريقة خاصة تسمي ( بروز المداميك )..
حسن فتحي بحر .. لا يتوقف عن العطاء .. و كنز لمن يود المعرفة من مواليد الأسكندرية مارس 1900 و تخرج من المهندسخانة .. ثم إشتهر بطريقة بنائة التي تعلمها من متابعة العمارة بالصعيد و النوبة .. وتأمل الأثار الخاصة ببيوت و قصور العصرين المملوكي و العثماني .
وتعد القرنة التي تقع على الجهة الغربية لمدينة الأقصر و بناها لتقطنها 3200 أسرة كان مطلوب اعادة توطينها لتبتعد عن ما اعتادوا عليه من سرقة المقابر في منطقة وادي الملوك ووادي الملكات،... ولقد قام بتدريب السكان المحليين على صنع منازلهم بالمواد الخاصة بهم.
حسن فتحي جزءا من تاريخ البناء الشعبي أو بما يعرف بعمارة الفقراء حصل على الكثير من الإشادة بين المتخصصين . أتخيل رد فعله و هو ينظر إلي مبني فندق الماسة الأسود المبني في العاصمة الجديدة .. و رد فعلة و هو يرطن بالفرنسية غاضب