كتب – روماني صبري
لم تبارح ذكريات الفقر واليتم الأديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، حتى بعد الشهرة، فدائما ما كان يظهر غير رائق المزاج ولكن رغم ذلك كان قويا غير خجل من شيء، في رواياته فضح تبعات التجارب على الروح البشرية، ولما لا وهو الذي عرف المعاناة الشديدة والعوز في الجزائر أيام السيطرة الإمبريالية الفرنسية، إلى جانب انه كان سيعرفه الموت وهو في السابعة عشرة من عمره جراء إصابته بالسل، وفي الحقيقة لطالما فشل الرجل في أن ينفك عن كل ذلك، ومرد ذلك أن الطفولة التعيسة تسحق الروح البشرية، وعبر شخصيات رواياته تمسك كامو باحترام نفسه ومد لسانه للحياة حتى أصبح أديب استثنائي يتحدث أبطاله بصوت مخنوق، فكأنما كانت الكتابة هي من تحيط على عنقه لتحميه، ولبراعته في الأدب ككاتب وجودي ،توج بجائزة نوبل وكان ثاني أصغر من توج بها من الأدباء، ويقول كامو في قول مأثور له:" لا أبغض العالم الذي أعيش فيه ولكن أشعر بأنني متضامن من الذين يتعذبون فيه... إن مهمتي ليست أن أغير العالم فأنا لم أعط من الفضائل ما يسمح لي ببلوغ هذه الغاية، ولكنني أحاول أن أدافع عن بعض القيم، التي بدونها تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها ويصبح الإنسان غير جدير بالاحترام".
طفولة تعيسة
ولد كامو في قرية الذرعان الشهيرة ببلدة مندوفى بمقاطعة قسنطينة بالجزائر، وتربى في كنف أسرة شديدة الفقر تعتنق المسيحية الكاثوليكية، كان والده فرنسيا، ولقي مصرعه بعد مولده بعام واحد في إحدى معارك الحرب العالمية الأولى، أما أمه الاسبانية فكانت مصابة بالصمم.
كامو يناهض الاحتلال
حين أنهى دراسته الثانوية، التحق بجامعة الجزائر من خلال المنح الدراسية وذلك لتفوقه ونبوغه، حتى تخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب، بعدها انضم للمقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال الألماني، وأصدر مع رفاقه في خلية الكفاح نشرة باسمها، وبعد تحرير باريس باتت صحيفة Combat "الكفاح" ، المعنية بالتحدث عن المقاومة الشعبية، واشترك في تحريرها جان بول سارتر، في عام 1935 إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، ثم تركه،ورغم أنه كان روائيا وكاتبا مسرحيا في المقام الأول، إلا أنه كان فيلسوفا، وكانت مسرحياته ورواياته عرضا أمينا لفلسفته في الوجود والحب والموت والثورة والمقاومة والحرية، وكانت فلسفته تعايش عصرها.
فلسفته
كشف كامو النقاب عن فلسفته عبر " أسطورة سيزيف 1942 "، المتمرد 1951"، وفيهما يتحدث عن العبثية والتمرد، فمن خلال أسطورة سيزيف وضع رمزا للإنسان في الحياة، وسيزيف هو هذا الفتى الإغريقي الأسطوري الذي قدر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح، فيضطر إلى إصعادها من جديد، وهكذا للأبد.
وفيه يرى كامو الإنسان الذي كتب عليه الشقاء بلا جدوى، وقدرت عليه الحياة بلا طائل، فيلجأ إلى الفرار إما إلى موقف شوبنهاور فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أو بالانتحار، وإما إلى موقف الآخرين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أعلى من الحياة، وهذا هو الانتحار الفلسفي ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز نفسه في نطاق ما يؤدي إلى نفيه.
وإما إلى موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم، فإذا متنا متنا متمردين لا مستسلمين، وهذا التمرد هو الذي يضفي على الحياة قيمتها، وليس أجمل من منظر الإنسان المعتز بكبريائه، المرهف الوعي بحياته وحريته وثورته، والذي يعيش زمانه في هذا الزمان... الزمان يحيي الزمان.
أشهر أعماله
روايات : الغريب, السقطة، المقصلة، الطاعون، السقطة، المقصلة، الإنسان المتمرد، الموت السعيد، المنفى والملكوت، الرجل السعيد(وهي سيرة ذاتية عن حياته في الجزائر.)
حياته الشخصية
في شبابه تزوج وانفصل مرتين، ما جعله بعدها يرفض مؤسسة الزواج، عام 1934 تزوج من سيمون يي التي كانت مخطوبة من قبل لصديقه ماكس بول فوشيه، ودام زواجهما حتى عام 1936، بعد ذلك تزوج كامو في 3 ديسمبر عام 1940 من فرانسين فاغ عازفة بيانو وعالمة رياضيات التقى بها عام 1937 وأنجب منها في 5 سبتمبر عام 1945 توأما هما كاثرين وجاين، ويقال انه كان يحبها حبا جما ورغم ذلك وقعت بينهما الكثير من الخلافات.
الرحيل
ودع الرجل الذي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957، الحياة في 4 يناير عام 1960 في بيرغندي في فرنسا جراء حادث سيارة، عن عمر 46 عاما، وخيمت شكوك وقتها أن السوفييت من دبروا الحادث لكن لم يظهر دليل يكشف حقيقة ذلك.