سليمان شفيق
منذ أكثر من عشرين عاما أكتب عن المنيا، مدينتى ومسقط رأسى، المنيا التى لا يعرفها أحد، يكتبون عنها مثل قصة العميان والفيل، كل من تحسس جزءا منه كتب عنه، هكذا كانت المنيا، من يتوقف أمام التطرف يكتب «إمارة الإرهاب»، ومن ينطلق من كورنيش النيل يتصور أنها «الإسكندرية» ومن يتجول فى الأحياء الراقية «أرض سلطان، شلبى، المنيا الجديدة»، يظن أنه فى مصر الجديدة والمهندسين، ومن يجلس فى كافيهاتها يعتقد أنة فى بيروت، وبعض القرى «كابول»، كل ذلك صحيح لأنها «عروس الصعيد».
من المنيا خرج فجر الضمير والتوحيد والاستنارة إخناتون والشيخان على ومصطفى عبدالرازق ود. طه حسين وهدى شعراوى ود. لويس عوض ود. نعمات أحمد فؤاد ويوسف ويعقوب الشاروني وعمار الشريعي وفاروق سيف النصر واسماعيل صبري عبد لله والبطل فؤاد عزيز غالي والفريق صفي الدين ابو شناف وجميل راتب وهدي شعراوي وسناء جميل ، وأيضا فى المقابل خرج كرم زهدى وفؤاد الدواليبى وعاصم عبدالماجد، ونشأت فيها أفكار التكفير القطبية على يد شكرى مصطفى فى أبوقرقاص منذ نهاية ستينيات القرن الماضى، وتمت إدانة جماعته التكفير والهجرة باغتيال الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف، عام 1978م فى محاكمة عسكرية وانتهت بحكم الإعدام شنقاً لخمسة متهمين وكان منهم شكرى مصطفى.
المنيا بها 1241 قرية ونجعا والأحداث منذ سنوات تتكرر فى «42 قرية» والمنيا بها كل العصور الأثرية وغير مدرجة على خريطة السياحة!
أكبر تجمع مسيحى فى الشرق الأوسط «سكانها حوالى ستة ملايين مواطن %35 منهم مسيحيون»، وترتفع حيازات المسيحيين وثرواتهم إلى أكثر من %35 من الثروة المنياوية، بها حوالى خمسة آلاف مسجد وزاوية، و621 كنيسة، لجأ إليها السيد المسيح والعائلة المقدسة، وبها أكبر منظمات مجتمع مدنى وجامعة ومؤسسات دولية، ورغم ذلك فهى «مشتل للتطرف».
منذ 1978 وحتى الآن مرت بثلاث مراحل: 1978-1981 كانت الجماعة متسيدة الإرهاب وبعد مقتل الرئيس السادات تقهقرت الجماعة من أسيوط إلى المنيا لأن قادتها الأكثر عنفا ـ حينذاك من المنيا ـ عاصم عبدالماجد، كرم زهدى، فؤاد الدواليبى وآخرون، وتم إعادة التأسيس الثانى للجماعة فى المنيا وسيطروا عبر مسجد الرحمن بجنوب المدينة وكانوا يطبقون الحدود «عينى عينك» ويفرضون الجزية حتى 1990، لتبدأ المرحلة الثالثة من 1990 حتى المراجعات.
فى تسعينيات القرن الماضى بدأ الإخوان المسلمين يستقطبون بعض قادة الجماعة مثل محيى الدين أحمد عيسى والمهندس أبو العلا ماضى إلخ لتبدأ مرحلة الإخوان، ليظهر نجم سعد الكتاتنى ويصير نائب الدائرة، وصولا لثورة 25 يناير 2011، وتحالف الإخوان والسلفيين والجماعة وحصولهم على %80 تقريبا من الأصوات وحيازة المجرم محمد مرسى على %78 من أصوات الناخبين فى المنيا، وتوغلهم واستيلائهم على الكثير من المناصب والنقابات إلخ.
بعد فض الاعتصامات الإرهابية فى رابعة والنهضة بلغت خسائر الوطن فى المنيا %80 من محاكم وأقسام ومؤسسات الدولة، وتم التمثيل بأجساد ضباط وأفراد الشرطة فى سمالوط ومطاى، وبلغت نسبة خسائر الأقباط فى المنيا أيضا %70 من الكنائس التى حرقت ونهبت.
من 1960 وحتى 2019، (24) محافظا من عبدالفتاح فؤاد وحتى اسامة القاضي ، بمعدل محافظ كل سنتين، ولكن هناك أربعة محافظين استمروا خمس سنوات وهم (اللواء عبدالفتاح فؤاد، اللواء صلاح الدين إبراهيم، اللواء عبدالحميد بدوى، اللواء حسن حميدة)، وستة محافظين جلسوا سنة فأقل وهم (أحمد كامل خمسة شهور مايو- أكتوبر 1968، ويلاحظ أن التغييرات تمت ارتباطا بورقة أكتوبر1968 والفريق محمود ماهر 1968/1971 وارتبط تغييرة بما سمى ثورة التصحيح 1971، إبراهيم بغدادى من مارس وحتى مايو 1971، أقل من شهرين وكان محسوبا أيضا على ما سمى مراكز القوى، اللواء سمير سلام 2011/2012، وارتبط التغيير السريع بثورة 25 يناير وما تبعها) ود. مصطفى عيسى ارتبط تغييره بثورة 30 يونيو لأنه كان من الإخوان، وما تبقى لم يزيد عن سنتين وعدة شهور. أيضا كما واضح أن محافظة المنيا تهم الرؤساء جدا ونعرف ذلك من علاقة التعيين والتغييرات لمن تم إقصاؤهم بثورات (ورقة أكتوبر 1968 وثورة التصحيح 1971، وانتفاضة يناير 1977، وثورة 25 يناير 2011، وثورة 30 يونيو).
أن محافظى المنيا من القيادات المهمة دائما، وليس أدل على ذلك من أن كل حدث كبير منذ 1968 وحتى الآن يتم إقصاء محافظ دون أن يكمل العام، وبعضهم تم سجنه، كما أن المحافظة محل اهتمام أمنى، ورغم اهتمام الدولة بالمنيا فهى متأخرة فى معدلات التنمية، وتكاد تكون بلا صناعة، والجامعة لم تقدم تنويرا حتى الآن بل خرج من بين صفوفها كرم زهدى وعاصم عبدالماجد وصولا للكتاتنى.
المنيا مرآة عاكسة للوضع فى الصعيد، بها أكفأ منظمات مجتمع مدنى، وليس بها تنمية ناجزة، وأغنى ثروات معدنية وليس بها صناعة حقيقية، وبها آثار متفردة من كل العصور وليست مدرجة على الخريطة السياحية منذ تسعينيات القرن الماضى، بها جامعة ومنظمات دولية ولكنها تعد «مشتلا للإرهاب»!
المنيا 1241 قرية ونجع والأحداث منذ سنوات تتكرر فى «42 قرية» بها كل العصور الأثرية وغير مدرجة على خريطة السياحة! أكبر تجمع مسيحى فى الشرق الأوسط «سكانها حوالى ستة ملايين مواطن %35 منهم مسيحيون»، وترتفع حيازات المسيحيين وثرواتهم إلى أكثر من %35 من الثروة المنياوية، بها حوالى خمسة آلاف مسجد وزاوية، و621 كنيسة، لجأ إليها السيد المسيح والعائلة المقدسة، وبها أكبر منظمات مجتمع مدنى
وجامعة ومؤسسات دولية، ورغم ذلك فهى «مشتل للتطرف
%82 من السكان ريفيون، ورغم ذلك فالمساحة الزراعية تشكل %6.5 من المساحة الزراعية فى مصر، ولذلك فهى طاردة للعمالة الزراعية، ويعد %25 من العمالة فى ليبيا من المنياوية رغم القهر والموت والإرهاب.. وفى نفس الوقت لا توجد صناعة، بل أنشطة للمحاجر وبعض الصناعات الصغيرة، فى حين بيعت فى الخصخصة ثمانية مصانع منها شركة النيل لحليج الأقطان وغيرها من المصانع التى كانت تستوعب قرابة 200 ألف عامل وعاملة، ووفق تقرير التنمية البشرية فإن 600 ألف يعيشون تحت خط الفقر.
وإذا انتقلنا للمواطنين المصريين الأقباط فهم حوالى 2 مليون مواطن من 5،5 مليون نسمة، يشكلون %32 من الثروة المنياوية، و%40 من الطبقة الوسطى،
لديهم 632 كنيسة، وبالمحافظة 150 مكانا «توابع صغيرة تضم من 500 إلى 1500 قبطى» ليس بها كنائس، ويصلى فيها سكانها فى بيوت لتعذر الحصول على تراخيص، وقبل القانون الأخير كان من يعتدى عليهم يعد خارجا عن القانون، أما الآن فإنهم يعدون يصلون بدون ترخيص؟!!
كما أن %32 من القرى فى الثلاثين عاما الأخيرة أصابها ما يسميه المفكر سمير مرقص «فيروس التفكك القاعدى»، وأصبح بناء كنيسة فى تلك القرى ضربا من الاستحالة، ولم يعد التحدى مع تنظيمات بل قطاع لا يستهان به من السكان، ومن ثم مسألة تطبيق القانون تحتاج تهيئة ثقافية بعيدا عن الحلول العرفية، لذلك كله يعد منهج الأسقف الأنبا مكاريوس اسقف عام المنيا وابوقرقاص نقلة نوعية فى منهجية التعامل مع الملف من منظور أن الأقباط ليسوا «طائفة» ولا رعايا الكنيسة بل مواطنين مصريين.
لكن المنيا منذ بدايات المواجهة مع الارهاب في سيناء دفعت 12 شهيدا دفاعا عن الوطن .
منياوي وافتخر.