بقلم شكري بسطوروس - لوس انجيليوس
من هو رئيس مصر القادم؟
اتسائل مع الكثيرين عن مصدر تمويل الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة حازم ابو اسماعيل ... من وراء هذه الحملة؟ فملصقاته الاعلامية فاخرة الورق والطباعة تملأ كل شوارع وحواري مصر، الملصق بجوار الاخر بجوار الثالث في صفوف طويلة لا تنتهي. بالاضافة إلى ملصقات داخل المدارس والمباني الحكومية والنوادي الرياضية بل وصل الامر إلى أن ملصقاته توضع علي انابيب البوتاجاز. فمن الذي دفع تكاليف هذه الحملة من مؤتمرات ومآدب وملصقات واجور عاملين في الحملة في طول مصر وعرضها، خاصة وان ايا من الاحزاب المصرية لم يدعم ترشح الرجل للرئاسة؟
يرى كثير من المحللين ان السعودية هي مصدر تمويل الحملة، فالرجل داعيه سلفي وهابي القلب والقالب، ومن مصلحة السعودية ان يكون لها رجلها المخلص فكراً وعملاً على قمة هرم السلطة في مصر. فالهدف واضح وهو سعودة مصر لضمان استقرار الاسرة الحاكمة السعودية وازدياد نفوذها في الاقليم. فهل اهتم المجلس العسكري ببحث الامر كما فعل مع منظمات المجتمع المدني وزج بنشطاءها في السجون انتظاراً للمحاكمة؟ هل تحرك النائب العام للتحقيق في الامر بعد أن تجاوزت حملة ابو اسماعيل الحد الاقصى المسموح به وهو 10 ملايين جنيه؟ الغريب في الامر ان المجلس العسكري ولا اياً من اجهزة الدولة الرقابية اهتم ان يسأل عن مصادر تمويل هذه الحملة الانتخابية الباذخة!
ومع ذلك فالامر لا يخلو من مفارقات عجيبة تعكس حالة مصر التي استُبحيت لكل من هب ودب. فقد نشرت جريدة البديل الجديد على موقعها الالكتروني يوم 1 ابريل 2012 أن اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة حصلت على مستندات رسمية تؤكد حصول والدة حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الرئاسية على الجنسية الأمريكية، كما كشفت مصادر مطلعة لجريدة الاخبار الورقية أن د. نوال عبد العزيز والدة حازم صلاح أبو إسماعيل الراحلة دخلت القاهرة قبل وفاتها قادمة من ألمانيا يوم 16 أغسطس عام 2009 بجواز سفر أمريكى برقم 500611598. الأمر الذي يمنع ابو اسماعيل من الترشح للمنصب طبقاً للإعلان الدستوري. وان الموضوع برمته مطروح الآن امام المجلس العسكري!
حزر فزر ماذا سيكون القرار إن صحت هذه المعلومة خصوصاً بعد ترشيح الاخوان المسلمين خيرت الشاطر لمنصب الرئاسة؟ الخطوة التي قلبت المعادلات الانتخابية رأساً على عقب. فما بالك لو خرج ابو اسماعيل من السباق؟ وكما نعلم جميعاً ان قطر تدعم الاخوان بشدة مقابل دعم السعودية للسلفيين. فقطر ايضاً تريد ان يكون لها كلمتها على حكام مصر وبالتالي تكون قائداً للمنطقة العربية كمنافس للسعودية غريمتها التقليدية في الاقليم!
بل ما هي فرص باقي المرشحين الاسلاميين كعبد المنعم ابو الفتوح وسليم العوا وهشام البسطويسي بعد ترشح الشاطر؟ وماذا عن مؤيدي الدولة المدنية وهم يرون تضاءل فرص ابو العز الحريري وحمدين صباحي في الفوز، هل سيتجهون إلى انتخاب احد الفلول كعمر سليمان او احمد شفيق او عمرو موسى؟ ام سيعطون اصواتهم لأبو الفتوح بحكم كونه منشق عن الاخوان وبالتالي فمن الممكن التفاهم معه؟ ما هو موقف الاقباط ازاء هؤلاء المرشحين بعد ان رفضت الكنيسة تأييد احدهم؟ ما موقف الاقباط من بعض الكهنة الذين يؤيدون ابو اسماعيل علناً ويحضرون مؤتمراته الانتخابية، بل ما هو موقف الكنيسة منهم خصوصاً وان ابو اسماعيل يتبني علناً تطبيق مبدأ الجزية على غير المسلمين؟
نعود للمرشحين... من سيفوز بالرئاسة من بين هؤلاء المرشحين السابق ذكرهم والتي يري غالبية المحللين أنهم الاكثر حظاً؟ أم ان الفائز بمقعد الرئاسة سيكون شخص اخر ليس من بين السابق ذكرهم في ظل وجود المادة 28 من الاعلان الدستوري المعدة خصيصاً للتزوير دون مسائلة او طعن أو امكانية لإلغاء النتائج؟ .. لماذا يصر المجلس العسكري على هكذا صورة ضبابية للمستقبل وكأننا نشاهد مسلسل شديد الدرامية والغموض منذ توليه السلطة، فلا نعرف ما سيحدث في الحلقة القادمة؟ لماذا الهاء الشعب بمختلف فئاته في ازمات انابيب البوتاجاز والسولار والبنزين؟ هل الهدف هو تمرير باقي الصفقات الحاسمة - كصياغة الدستور والانتخابات الرئاسية - في صمت ودون احتجاجات او مظاهرات في ظل ظروف عدم توافر الوقود؟ فمن المجنون الذي يذهب لميدان التحرير سواء من القاهرة او من المحافظات بعد قضائه ما بين 4 - 6 ساعات في طوابير طويلة لملء خزان سيارته بالوقود؟
دستور جاهز ام تفصيل؟
كتبنا منذ حوالي شهر عن مخاوفنا من الطريقة التي يتم بها اختيار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور. وذكرنا ايضاً مخاطر الصفقات المتبادلة بين العسكر والاخوان، ولكن لا حياة لمن تنادي. لذلك تقدم كل اعضاء اللجنة من مؤيدي الدولة المدنية باستقالتهم منها ووصلنا للمأزق التي نحن فيه الان. وفي هذا نلوم اول من نلوم اللجنة الاخوانية التي اختارها المجلس العسكري لصياغة التعديلات الدستورية في فبراير 2012. فهذا المأزق يعود للصياغة الملتبسة - التي لا اشك لحظة في انها مقصودة - والتي جاءت كما هي تقريباً في 60 من الاعلان الدستوري، ثم نلوم البرلمان باغلبيته الاسلامية الاقصائية التي تنكر وجود الاخر في دكتاتورية مريضة باسم الدين.
ان الاسلوب المتعصب الذي تم به اختيار لجنة صياغة الدستور من قبل الغالبية الاسلامية لاعضاء مجلسي الشعب والشورى يوضح بجلاء اننا مقبولون على صياغة دستور مشوه لخدمة اغراض ايدلوجية ومصالح فئوية ستعود بالبلاد إلى عصر المماليك وتجعلها نهباً للفاسدين والمفسدين. إننا نناشد كل العقلاء في هذه الامة على اختلاف مسئولياتهم الضغط لإعادة تشكيل لجنة صياغة الدستور لتكون بالانتخاب - وليس بالاختيار - حسب نص المادة 60 من الاعلان الدستوري، ومن خارج مجلسي الشعب والشورى فمن المنطقي أن يكون الناخب غير المنتخب ومن غير المنطقي عكس ذلك! على أن تضم هذه اللجنة صفوة عقول الامة وتمثل فيها كافة مكونات المجتمع المصري تمثيلاً عادلاً طبقاً لنسبهم الحقيقية، بما في ذلك المرأة والشباب والاقباط والبدو والنوبيين وغيرهم.
ما نهيب بالجميع - حرصاً على سلامة الوطن وضماناً لأمنه وتقدمه - ان يأتي الدستور الجديد معبراً عن كافة القوى الوطنية بمختلف مشاربها واطيافها. وخير ما يضمن ذلك هو النص على ان مصر دولة مدنية ديمقراطية تقوم على اساس المواطنة وحقوق الانسان بحسب معاييرها الدولية طبقاً لما هو مقرر في مواثيق الامم المتحدة بهذا الخصوص. ايضاً ضرورة النص في الدستور الجديد على ان جميع المواطنين المصريين أحرار ومتساوون أمام القانون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، ويحظر التمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة او غير ذلك.
كما يجب النص بوضوح على ان الدولة تكفل حرية الاعتقاد، وتضمن حرية بناء دور العبادة وممارسة العبادات دون اي تمييز بسبب الدين. اخيراً اذا ارتئى من يضعون الدستور النص على تطبيق احكام الشريعة فيما يتعلق بالحدود، فلابد من وضع نص دستوري يمنع تطبيق هذه الحدود على غير المسلمين الذي لا يقرونها اصلاً.
من له حق الترشح لمنصب البابا القادم؟
يعز على كاتب هذه السطور الخوض في هذا الموضوع ولم يمض على نياحة البابا شنودة سوى نحو 3 اسابيع، ولكن قرار المجمع المقدس بتشكيل لجنة الترشيحات جعل من الواجب علينا أن نتحدث عنه. غني عن القول ان البابا الجديد بانتظاره مشكلات كبيرة وخطيرة أولها وصول تيارات الاسلام السياسي المتشددة إلى الحكم، الامر الذي لم تشهده مصر رسمياً طول ما يزيد عن 200 سنة. فضلاً عن تنامي روح التعصب وعدم قبول الاخر في الشارع المصري المتأسلم بحسب الحكمة القديمة: الشعوب علي دين ملوكهم. هذا بالاضافة إلى مشكلات متعلقة ببناء دور العبادة ليست فقط الجديدة بل والتي تم هدمها او حرقها. ثم قانون الاحوال الشخصية للغير المسلمين التي ترفض الدولة اصداره لما يزيد عن 25 سنة، وايضاً دور الشباب القبطي فى الحراك السياسي الذى تشهده البلاد، بالإضافة إلى موقفه من القضايا الإقليمية مثل زيارة القدس والعلاقة بمجلس كنائس الشرق الاوسط ومشكلات قادمة لا محالة حول مياة النيل خصوصاً مع اثيوبيا. هذا بخلاف مشكلات داخل الكنيسة في مصر واثيوبيا وارتيريا تراكمت في السنوات الاخيرة ليس هذا مجال الحديث عنها الآن. فوق كل هذا فالبطريرك القادم سيخلف شخصية تاريخية بكل المقاييس مما يستلزم منه التحلي بفضائل متنوعة ليس أقلها المحبة الكاملة والرؤية الثاقبة والحكمة الغزيرة والعزيمة القوية وبذل الجهد والذات وطول الاناه التي جميعها من عمل الروح القدس في النفس البشرية المجاهدة مع الله والمثابرة له. فلنصلي جميعاً من اجل ان يختار الله الشخص الذي حسب قلبه ليصنع كل مشيئته.
ولكننا بعدما عرفنا بقرار المجمع المقدس الذي يسمح لمطارنة واساقفة الابروشيات بالترشح لهذا المنصب الجليل نود ان نذكر بعض الحقائق التاريخية فيما يتعلق بهذا الامر. وهنا لا أعطي رأيي الخاص بل أنقل رأي الاستاذ نظير جيد (المتنيح قداسة البابا شنودة) المنشور في مجلة مدارس الاحد عام في عددها الرابع لسنة 1954 وكان وقتها الكرسي المرقسي خالياً إذ يقول: "تعترف (اللجنة القبطية) بأن الثابت في التاريخ انها (اي الكنيسة) استقرت منذ اكثر من ألف سنة على اختيار البطريرك من فئة الرهبان فيجب احترام هذا التقليد والعمل به، كما أنها درجت من القديم ان يكون البطاركة من الرهبان الذين لم يصلوا لرتبة الاسقفية، لأن علاقة الاسقف بالابروشية التي يرعاها لا تسمح بتخليه عنها. ومع ذلك فان اللجنة - سامحها الله - رأت ان يكون للاساقفة والمطارنة نصيب في الترشيح، ضاربة عرض الحائط بقوانين الكنيسة وتقاليدها وتاريخها التي اشارت إليها آنفاً، وضاربة عرض الحائط باجماع الشعب الذي الذي تجلى فيما ارسلته الهيئات من اقتراحات، وفيما نشرته الصحف من مقالات."
ثم يعود الاستاذ نظير جيد في نفس المقال ويقول: "لقد درجت الكنيسة منذ 1900 سنة على عدم اختيار البطريرك من بين المطارنة، فهل منع هذا من اختيار الشخصيات القوية التي مازالت أسماؤها تدوي في سمع التاريخ؟ ...... تسير الكنيسة 1900 سنة على تقليد واحد، تؤيده قوانين ونصوص، وتنذر كاسره حروم وعقوبات، فينسون هذا كله ثم يُكسر هذا التقليد منذ 1928.... "
هذا بعض ما كتبه الاستاذ نظير جيد عام 1954 وأدي مع مجهودات اخرين إلى صياغة لائحة عام 1957 والتي على اساسها انتخب القمص مينا البراموسي للكرسي المرقسي باسم البابا كيرلس السادس وايضاً البابا شنودة لكونه كان اسقفاً عاماً غير مرتبط بابروشية.
ان السماح بترشح اساقفة او مطارنة الابروشيات لكرسي الباباوية هو امر يخالف قوانين الكنيسة وتقاليدها منذ العصر الرسولي ويفتح الباب واسعاً امام تحزبات وصراعات الكنيسة في غنى عنها. ومن الجهة الاخرى حال فوز احد اساقفة الابروشيات بمنصب البابا فان هذا سيؤدي إلى تدهور الرعاية في ابروشيته الاصلية بسبب انتقاله منها للقاهرة وبسبب مسئوليات البابا الجسيمة التي ليس اقلها الاعباء الثقيلة لرعاية ابروشيتي الاسكندرية والقاهرة التي يقطنهما على الاقل 6 مليون مسيحي، اي ما يزيد عن تعداد مسيحيي 10 ابروشيات كبيرة.
نضع هذه الحقائق امام الجميع طالبين ارشاد الرب وعمل روحه القدوس في كنيسته بل ومصر كلها.