كمال زاخر
توقف إضطرارى ثم نواصل
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
إشكالية العهد القديم ... إقتراب مسيحى
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
من يتابع كتابات الآباء وتعامل الكنيسة الأولى مع العهد القديم يتيقن أننا لا نطلبه لذاته، وانما للتعرف على خيوط ومسارات تدبير الخلاص ، عبر شخوصه واحداثه ونبواته، ونبحث في سطوره وأسفاره عن شخص المسيح، باعتباره مركز الكتاب.
وقد رأيت ونحن نتابع القراءة .. عشاء الرب" أن نقترب من رؤية الأب متى المسكين فيما يتعلق بالعهد القديم، وتحديداً "الناموس"، "وكلمة ناموس تعريب للكلمة اليونانية (نوموس) أى قانون أو شريعة، ويقابلها فى العبرية كلمة (توراة) والتى تفيد معنى التوجيه أو الإرشاد أو التعليم.
وتستخدم كلمة (ناموس) لتشير إلى القانون العام، أو ناموس موسى ـ بما فيه الوصايا العشر ـ كما أنها تستخدم أحياناً فى العهد الجديد لتشير إلى كل اسفار العهد القديم" (الراهب القس أثناسيوس المقارى : معجم المصطلحات الكنسية ـ الجزء الثالث).
ونجد ضالتنا فى كتاب للأب متى المسكين (القديس بولس الرسول : حياته ، لاهوته، أعماله)، والصادر عن دير أنبا مقار 1992، فى القسم الثانى منه والذى يتعرض لـ "لاهوت بولس الرسول" والفصل الثامن منه والذى يتناول "النتائج المباشرة التى ترتبت على الفداء" تحت عنوان (إبطال عوائق المصالحة)، وفيه يناقش نقاط رئيسية :
• احنرام بولس للناموس.
• لماذا وضع الله الناموس بيد موسى.
• الناموس أكمل مهمته.
• عجز الناموس.
• مجئ المسيح يُكمِّل ما عجز عنه الناموس.
• كيف انتهى الناموس.
ثم يفرد الكاتب صفحات ممتدة ليعرض فيها (صراع بولس الرسول مع اليهود المتصرين من أجل الناموس)، الذى ينتهى بتصفية حساب الناموس فى رسالته إلى روما (رومية).
وفى ايجاز لا يخل بالمعنى نقرأ بضع من سطوره.
بولس الرسول هو الوحيد بين الرسل الذى أدركانتهاء سلطان الناموس بمجئ المسيح وموته على الصليب، وذلك حينما دعاه الله لبشارة الإنجيل بين الأمم، فكرز بإنجيل المسيح بدون ناموس ولا سبت ولا ختان ولا أعياد يهودية ولا تعاليم فريسية، هى من وصايا الناس.
سار الرسول بولس لى نهج السيد المسيح فى احترام الناموس، من جهة أنه يوفى بالغرض الذى وضع من أجلهولزمن محدود كان فيه الناموس كافياً لتأديب الشعب، ولكن حينما بدأ المسيح يعلم انتهى هذا الزمن وبدأ الزمن الجديد الذى لم يعد الناموس يصلح له، بل يتحتم على الناموس أن ينسحي كما انسحب المعمدان ممثلاً للنبوة بأكملها. ويقول المسيح فى إنجيل القديس متى (الإصحاح الخامس):
ـ قد سمعتم أنه قيل للقدماء (الناموس) لا تقتل .... وأما أنا فأقول لكم ...
ـ قد سمعتم أنه قيل للقدماء (الناموس) لا تزنِ .... وأما أنا فأقول لكم ...
ـ أيضاً سمعتم أنه قيل للقدماء (الناموس) لا تحنث .... وأما أنا فأقول لكم ...
ـ سمعتم أنه قيل (فى الناموس) عين بعين وسن بسن.... وأما أنا فأقول لكم ...
ـ سمعتم أنه قيل (فى الناموس) تحب قريبك وتبغض عدوك.... وأما أنا فأقول لكم ...
ثم بدأ المسيح يضع فى مقابل كل وصايا الناموس وصايا جديدة كلها على أعلى مستوى من الروحانية لتتناسب مع الحياة الجديدة التى زرعها الرب فى طبيعتنا والتى بها نؤل لميراث السموات، وبذلك يكون المسيح قد أكمل عجز الناموس وجَبَرَ نقصانه، ثم استودعه لماضيه، وحبسه فى دائرة القدماء الذين وضع لأجلهم.
وكان هذا عين التعليم الذى علم به بولس الرسول.
وبطرس الرسول يعترف عن نفسه وعن آبائه أنهم فشلوا فى تتميم وصايا الناموس وبالتالى صاروا بلا رجاء؛ بل وتحت لعنة بانتظار الخلاص:
ـ "لماذا تجربون الله بوضع نير (الناموس) على عنق التلاميذ (المؤمنين من الأمم) لم يستطع أباؤنا ولا نحن أن نحمله" (أع 15 : 10)
ويتضامن معه القديس بولس :
"ولكن اسرائيل وهو يسعى فى إثر ناموس البر لم يدرك ناموس البر . لماذا؟ لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان؛ بل كأنه بأعمال الناموس ..." (رو 9 : 31 و 32)
"لأنه بأعمال الناموس، كل ذى جسد لا يتبرر أمامه، لأن بالناموس معرفة الخطية"(رو 3 : 20)
وقول المسيح يؤكد ذلك :
"وكذلك أنتم أيضاً متى فعلتم كل ما أمُرتم به (من الناموس) فقولوا أننا عبيد بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو 17 : 10).
يخرج القديس بولس من هذا كله بأن الناموس كان داخلاً فى خطة الخلاص، وأن دوره كان لتأديب وتهذيب ضمير الإنسان ليعده للنقلة الكبرى لتجديد خِلقة الإنسان من فوق ونوال حرية أولاد الله.
ويضع القديس بولس نقطة فى أخر سطر الناموس "إذاً يا إخوتى أنتم أيضاً قد مُتُّم للناموس بجسد المسيح لكى تصيروا لآخر للذى أُقيم من الأموات لنثمر لله .... وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذى كنا مُمسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف (الناموس)" (رو 7 : 4 و6).
لقد اعتبر بولس الرسول اللجوء إلى الناموس بعد أخذ الإيمان بالمسيح، أن ذلك يبطل الإيمان بالمسيح : "قد تبطَّلتم (انفصلتم) عن المسيح أيها الذين تتبرروم بالناموس، سقطتم من النعمة؟ (غل 5 : 4). وهكذا وضع بولس الرسول والقاطع الأبدى بين الناموس والإيمان بالمسيح. وجعل التعارض والتضاد بينهما ما لا يمكن التساهل فيه أو تخطيه.
النتيجة : أنه بمجئ المسيح انخفضت قيمة الناموس وكبرياؤه إلى الصفر، أى انتهى عهده، فلم تعد فيه أية فائدة أو قيمة إزاء حرية أولاد الله والبر بالإيمان، بل وبمجئ الوعد الكامل، أصبح الناموس فى توصياته الجسدية على قدم المساواة مع الوثنيين فى عبادتهم لأركان العالم الضعيفة.
:::::::::::::::::::::::::::::::::::
اللافت أننا نجد بيننا من يعيد مجدداً الدعوة للتمسك بقيود الناموس فى ارتداد لما قبل عهد النعمة!!,