بقلم : عبد المنعم بدوى
فى كل مره أذهب الى مدينة السويس ، وأنا منطلق بالسياره فوق الأسفلت الأسود الذى يخترق الصحراء ... يستغرقنى خاطر ، كم عدد المرات التى سرت فيها فوق هذا الطريق ، سواء من السويس الى القاهره أو العكس .
أنا سويسى ، وأسير على هذا الطريق وعمرى لم يتجاوز الرابعه ، وكنت لاأمل من سؤال والدى عما أراه طول الطريق من بقايا معسكرات الجيش الأنجليزى وقتها ، وكان لايمل أبى من الأجابه .
علامة الكيلو 101 .. تخرجنى كل مره من أفكارى ، كأنها كابوس يغتال أحلامى ، تباغتنى تلك العلامه " الكيلو 101 " ، هى لافته تشعل فى النفس فى كل مره مصابيح كثيره ظننتها إنطفأت ، وخصوصا قد مر عليها مايقرب من 47 سنه ، من الأتفاقيه الأولى لفض الأشتباك ، التى وقعت فى هذا المكان فى أعقاب معارك السادس من أكتوبر 1973 .
نحن الأن أذن على مشارف مدينة السويس ، وهنا عند الكيلو 101 توقف العدو الأسرائيلى ، لم تصده قواتنا عند اللوحه الحديديه المرقومه على جانب الطريق ، حيث لايوجد جندى واحد أمامه حتى القاهره ... وإنما توقف لأن نارا ملتهبه كانت تحرقه من الداخل ومن الخلف ، من قلب المقاومه الشعبيه لأبناء هذه المدينه الباسله ، أبطال مدنيين رجالا وشبابا وشيوخا ، صمدوا أمام محاولة أقتحامه لمدينتهم حتى أخر كسرة خبز، وأخر قطرة ماء ، وأخر نقطة دم ، وأخر طلقة رصاص .
تهب على نسمة رائحتها مميزه ... هذه الرائحه أميزها ، أعشقها ، تجعلنى أعود طفلا يتذكر عطر أمه وهى ترضعه من ثديها ... أنها رائحة البترول المحترق من مداخن منطقة الزيتيه ، ممزوجه برائحة الماء المالح ، وهواء الصحراء ... تلك الرائحه تلتفت إلى وتقول :
ـ أهلا بأبنى .. وهنا
ـ أجيب .. هنا ولدت ، أسمع صدى ضحكات ، أخواتى ، وأقاربى ، وأصدقائى ، ونحن نجرى بأقدام عاريه من عمق البحر ، بشاطىء " ركس " ، وفى أيدينا القواقع والأسماك ، وسرطانات البحر ، وقد لطخت أرجلنا ببقع الزيت .
تحياتى الى مدينه السويس ... فى ذكرى العاشر من رمضان