محمد حسين يونس
وذهب (باتا) إلى وادي الأرز(لبنانه ) وبنى لنفسه قصرا وخلع قلبه ووضعه فوق أعلى زهرة في شجرة أرز يستمد منها الحياة لجسده وكان يجلس تحتها كل يوم وفكر أن يتزوج.
فخرج ذات يوم فقابل (تاسوع الآلهة) فقالوا له : أنت يا ثور التاسوع .. أتركت قريتك أمام زوجة أنوبيس ..إنه قد ذبحها لأنك كشفت له عن الجناية التي ارتكبت ضدك وأظهر التاسوع له العطف فدعو له رع أن يرزقه بزوجة جميلة فقال رع لـ خنوم إله الخلق : سو ّ زوجة لـ باتا حتى لا يكون وحيدا في بيته
فوهبه خنوم رفيقة تبز كل امرأة في الأرض جمالا فشغف بها باتا حبا، وفي الطريق استوقفته (حتحور) إلهة الحب فقالت : باتا رفيقتك ستموت ميتة شنعاء فلا تخرجها من بيتك. ولا تفش لها سرك
فقال باتا يا رفيقتي إنني أحبك ولقد سواك الإله خنوم هدية لي ولا حيلة لك فابقي معي رغم أنني أنثى مثلك ولا تخرجي كي لا يحملك البحر بعيدا ولا أستطيع إلى خلاصك سبيلا .. فقد أنبأتني حتحور بهذا وتصديقا ووفاء لك سأخبرك بسر وجودي وقد حذرتني حتحور ألا أخبرك ولكن شغفي بك أشد من أن أكتم سرا ..
اسمعي إن سر حياتي وقوتي في قلبي وهو فوق أعلى زهرة في شجر الأرز فإذا عثر عليه أي إنسان آخر كنت تحت سلطانه.
وبعد أيام خرج باتا ليصطاد كعادته اليومية ... فخرجت زوجته لتتنزه تحت شجر الأرز- ولم تسمع لنصحه- فنظر البحر إليها وامتد خلفها فأخذت الزوجة العذراء تجري إلى بيتها حتى دخلت .. ولكن البحر وقف ينادي شجرة الأرز
قائلا: اقبضي لي عليها ..فأخذت شجرة الأرز خصلة من شعرها وقدمتها إليه فحمل الموج الخصلة إلى مصر ورست في مسبح الملك فلما نزل ليستحم تعطرت ملابسه بأريج هذه الخصلة .
وجمع الملك رجاله ليسألهم عن سر هذا العطر الخفي وما مصدره.. فلما ذهب كبير السقاة ذات يوم إلى مسبح الملك ليبحث عن السر فرأى الخصلة فأخذها واشتم عطرها فإذا هو عطر ملابس الملك الذي يسأل عنه .
وجمع الملك رجاله وحكماءه ليسألهم عن سر هذه الخصلة .. فأجمعوا أمرهم على أن هذه الخصلة لبنت (رع حوراختي) قد سواها خنوم وفيها من كل إله نفحة .وإنها هدية سيقت إليك ..فابعث في كل أرض رسولا ليحضروها إليك .
فلما وصل رسل الملك وجنوده إلى وادي الأرز وعثروا على الزوجة العذراء عند باتا وأرادوا إن يأخذوها ذبح منهم ثمانين ألفا في جولتين متتابعتين فأرسل جنودا آخرين ومعهم امرأة أغوت الزوجة العذراء بالملك والسلطان والحلي فخرجت مع رجال الملك وتركت باتا حزينا .
وصارت العذراء زوجة باتا عند الملك أميرة وباحت له بسر باتا وقالت له : إن باتا يملك سيف الحق الذي قتل به جنودك وإذا أردت الخلاص منه (مر بقطع شجرة الأرز وإبادتها فسر حياته في قلبه المعلق فوق زهرة شجرة الأرز).
فأرسل الملك جنوده فاجتثوها وقطعوا الزهرة التي كان عليها قلب باتا فخر صريعا
فلما انبثق فجر يوم جديد كان أنوبيس الأخ الأكبر لباتا في بيته وقدم إليه الخادم قدحا من الجعة فاختمرت ـ كانت تلك العلامة التي حددها لباتا ليعلم بموته-عندئذ أخذ عصاه وحمل سلاحه وسار حثيثا إلى وادي الأرز لما دخل قصر أخيه وجده مسجى على سريره فبكى ..
ولكنه أخذ يبحث عن قلبه في غابة الأرز ليل نهار ومكث ثلاثة أعوام يبحث عنه وفي العام الرابع كان يسير مكان الشجرة التي اجتثها الفرعون وكان يجلس تحتها أخوه .. وجد فاكهة فعاد بها إلى البيت فلما هم أن بقضمها بأسنانه فإذا هي قلب أخيه باتا ..
فصنع بوصية باتا وأعد قدحا من الماء البارد وألقى فيه بقلب باتا فلما جن الليل وامتص القلب الماء ارتعد جسد باتا على سريره وصار حيا .. وسقاه أنوبيس ما بقي من ماء في القدح وأسكن قلبه في صدره .. وتعانقا
فلما اصبح فجر يوم جديد قال باتا لأنوبيس : اسمع لقد وعدني التاسوع أن أصير ثورا عجيبا وستركب على ظهري ونذهب سويا إلى مصر وتمنحني هدية إلى الملك وسيكافئك بالفضة والذهب .
فقال أنوبيس : وماذا ستفعل عند الملك قال باتا أقتص من زوجتي كما أخذت حقك من زوجتك
وبعد ايام دخل الثور مطبخ الفرعون ووقف خلف الأميرة وقال لها ( إني لا أزال حيا ) وأنا باتا .. أتذكرين حينما أوعزت إلى فرعون أن يبيد شجرة الأرز فلا أعيش بعدها .. فوجلت الأميرة وجرت .. وفي المقصورة الملكية قالت للمنلك
: أقسم أنك ستسمع ما أقول ..
قال أقسمت قالت : إن هذا الثور لن يفيد شيئا فدعني آكل كبده ..
فحزن الفرعون على الثور ولكنه رضخ لمطلبها وأعلن إقامة عيد عظيم ليأكل فيه الناس لحم هذا الثور ..
ولما ذبح القصاب الثور وحمل على الأكتاف فهز الثور رأسه وسالت منه قطرتان من دم على يسار ويمين باب القصر الفرعوني فنبتت شجرتين عظيمتين من السنط
ولما خرجت الأميرة وجلست تحت إحدى الشجرتين تكلمت الشجرة قائلة : يا خائنة أنا باتا .. وسأعيش رغما عنك .
وفي سرير الملك قالت الأميرة له مر بقطع الشجرتين واصنع لي منهما أثاثا جميلا ..
ففعل الملك وجاء الحطابون ووقف الملك والأميرة يشاهدون
قطع الشجرتين فطارت شظية من خشب ودخلت فم الأميرة فابتلعتها وفي اللحظة صارت حبلى بباتا .. وبعد شهور وضعت ولدا صار شابا وجعله الملك حاكما لأثيوبيا ووليا لعهده.
وبعد سنين قضى الفرعون نحبه وتولى ولي العهد الحكم في المملكة فأحضر المستشارين وحاكم الأميرة (أمه) .. فانتصفوا له منها فقتلها .. وبعث في طلب أخيه أنوبيس وجعله وليا لعهده وتوفي باتا بعد ثلاثين عاما وتسلم أنوبيس الملك من بعده .