أعود لاستكمال ما بدأته تحت عنوان هذا المقال الأسبوع قبل الماضي لأتناول بعض تداعيات كورونا علي المستوي المحلي في مصر, وكما ذكرت سابقا تتملكني المخاوف من استهانة الكثير من المصريين بوطأة الوباء, وعدم إدراكهم لخطورته لمجرد أن شدة تفشيه لاتزال تحت السيطرة وعدد الحالات لايزال محدودا بالمقارنة بالدول التي اجتاحها الوباء.
. وهنا أكرر: هل ما يحسب أنه نعمة في مصر سيحوله المصريون إلي نقمة بافتقادهم الوعي والجدية والصرامة في اتباع التدابير الاحترازية التي تقررها الحكومة وسائر السلطات المحلية؟!!.. إننا أمام واقع أثبتت فيه الدولة أنها علي قدر المسئولية وتتولي إدارة الأمور بقدر ملحوظ من اليقظة وامتلاك زمام المبادرة علي عكس أمور كثيرة سابقة كانت الدولة تكتفي إزاءها بسياسات رد الفعل..
وبدلا من أن يعي المصريون ذلك ويقدروه ويتعاونوا معه, نجدهم يجبرون السلطات علي التعامل معهم بطريقة العسكري والحرامي(!!).. حيث يمعنون في الانفلات والفوضي, تاركين للسلطات عبء الرقابة والتفتيش والمطاردة, بل لا يتورعون, في بعض الحالات, عن مقاومة التدابير الاحترازية والاحتجاج عليها والتمرد وإظهار الغضب بشكل مستفز أقل ما يوصف به أن من أمن العقاب أساء الأدب فيجعل من المقبول أن ترفع الدولة عصا العقاب والتأديب في وجه من لايدركون جسامة التحدي الذي تمر به مصر.
ولعل من أشد التصريحات خطورة ما جاء علي لسان ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر عندما سأله أحد الزملاء الإعلاميين: ما تفسيركم للأرقام المحدودة لحالات الإصابة بالفيروس في مصر مقارنة باجتياحه الكثير من دول أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا بأرقام مخيفة؟.. وكان رده أن الوضع في مصر ودول الشرق الأوسط وأفريقيا يعكس درجة المناعة المكتسبة لدي شعوب تلك الدول والناتجة عن تدني مستويات النظافة والتلوث والرعاية الصحية فيها بالمقارنة بالدول الأكثر اهتماما بالنظافة والرعاية الصحية, الأمر الذي يجعل من قدرة شعوبها علي مقاومة الإصابة أكثر من قدرة شعوب الدول المتقدمة.. لكنه حذر من الارتكان إلي هذه الحقيقة والاستهانة باتباع كافة التدابير الاحترازية بصرامة لأنه -لا قدر الله- في حالة تفوق الفيروس علي درجة المناعة المكتسبة لشعوب منطقتنا سيكون اجتياحه مرعبا مثل اجتياح النار للهشيم ولن يستطيع أحد إيقافه.
وأمام هذا الواقع وكافة تدابير الدولة وتحذير ممثل منظمة الصحة العالمية, أجدني عاجزا عن تقبل بعض سلوكيات المصريين ومن أمثلة ذلك ما يلي:
** الاندفاع غير المسئول للانخراط في التجمعات دون داع في بعض الأحيان ودون اللجوء إلي التدابير الوقائية لحماية النفس وحماية الآخرين.. وتبرز تلك السلوكيات في الأسواق والشوارع والطرقات والمواصلات العامة وكافة منافذ الصرف والبنوك.
** الاندفاع الهستيري لشراء كميات هائلة من كافة السلع الاستهلاكية بقدر يتجاوز الاحتياج الفعلي, الأمر الذي يعكس أحاسيس الخوف وعدم الأمان والأنانية ويتسبب في خلق أزمات مفتعلة وتصدير الهلع في الأسواق.
** لجوء بعض التجار ضعاف النفوس إلي التلاعب في توفير السلع وتعطيش السوق لفرض أسعار مغالي فيها, استغلالا للطلب المتزايد لدي المستهلكين.
** مقاومة بعض المصريين العائدين من الخارج للتدابير الاحترازية ولقيود الحجر الصحي التي تفرضها السلطات -بالرغم من قيام السلطات بإعلامهم بذلك قبل سفرهم إلي مصر- وتظاهرهم بشكل غوغائي ضد فنادق الحجر الصحي التي تستقبلهم وتشويههم المؤسف للخدمات المقدمة لهم ولظروف إقامتهم… الأمر الذي سرعان ما تبين مخالفته للحقيقة, ولم يكن في وسع السلطات إزاء ذلك سوي مقابلته بسعة صدر وطول أناة وترفق, وهو ما جسم صورة أولئك المصريين المشاغبين واستحقوا وصفهم بمن أمن العقاب أساء الأدب!!
** الاندفاع غير العاقل وغير المسئول من كافة المصريين الذين فسروا تعطيل الدراسة وبعض الأعمال علي أنه فرصة للخروج وارتياد الحدائق والمتنزهات والشواطئ والقري السياحية والمنتجعات, وهو ما عكس قصورا مخلا في إدراك خطورة الموقف وإلحاح الالتزام بالبقاء في المنازل والبعد عن الأنشطة الجماعية والتجمعات.. والأخطر من ذلك وهو ما يدعو للخجل ما تكشف من أشكال المواربة والالتفاف حول التدابير الاحترازية مثل الاحتشاد داخل المقاهي والكافيتريات المغلقة أبوابها الأمامية علي الشوارع والمفتوحة أبوابها الخلفية هربا من الرقابة (!!).. ومثل تنظيم حفلات جماعية بالشواطئ الخاصة باعتقاد أنها في منأي عن رقابة السلطات.. ومثل تعمد خرق ساعات حظر التجوال.. وكلها صور غير مسئولة للانفلات الذي يستوجب
الصرامة والضرب بيد من حديد لحماية المجتمع ممن يهددون سلامه وسلامته.
*** هذه بعض صور العيب علي المستوي المحلي في ظل تحدي كورونا.. وأرجوكم لا تستهينوا بتحذير ممثل منظمة الصحة العالمية لدي تحليله للوضع في مصر لأنه مخيف فعلا.