زوجته سيدة أرستقراطية.. وقيل إنه انتحر
كتب – نعيم يوسف
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الجمعة، بـ"يوم الجمعة العظيمة"، الذي يشهد أحداث صلب المسيح، ضمن أحداث "أسبوع الآلام"، الذي شهد محاكمة المسيح وصلبه وقيامته، ولعل أحد أهم الشخصيات المؤثرة في أحداث هذا الأسبوع هو بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني لمنطقة "يهودا" في هذا الوقت.
ميلاده وصعوده سلم السلطة
تذكر بعض المصادر التاريخية، أن بيلاطس البنطي، ولد في شهر ديسمبر عام 12 قبل الميلاد (ومصادر أخرى تقول عام 10 قبل الميلاد)، في منطقة أبروتسو بإيطاليا.
لا تذكر كثير من المصادر تفاصيل عن طريقه صعود بيلاطس إلى السلطة في الإمبراطورية الرومانية، حتى وصوله لمنصب حاكم مقاطعة يهوذا بدءا من عام 26 ميلادية، لمدة 10 أعوام، حتى عام 36 ميلادية، وهي الفترة التي حدثت فيها أهم أحداث التاريخ، وكان بيلاطس واحدا من الفاعلين في هذا الحدث المهم، وهو صلب المسيح، وقيامته.
مشاهد من محاكمة المسيح.. المشهد الأول
يذكر القديس مرقس، قصة محاكمة المسيح، أمام بيلاطس البنطي، ويقول: "وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ تَقُولُ». وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قِائِلًا: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!» فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ، الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلًا. فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. فَأجَابَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» فَصَرَخُوا أَيْضًا: «اصْلِبْهُ!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: «اصْلِبْهُ!»".
المشهد الثاني: زوجة بيلاطس
يتقاطع مشهد المحاكمة، الذي أورده القديس مرقس، مع مشهد آخر، يذكره القديس متى، لتتكامل الصورة وتتضح أكثر شخصية بيلاطس، وبعضا من تفاصيل حياته، لتظهر شخصية جديدة وهي زوجته، حيث يقول القديس متى: " وأثناء جلوس بيلاطس البنطي "عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: «إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ»".
يشير القديس مرقس في الإصحاح الـ15 من إنجيله، إلى أن "بيلاطس" أراد أن يحقق رغبات الشعب اليهودي، رغم تحذيرات زوجته، ويقول: "فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ".
تزوج بيلاطس البنطي، من سيدة رومانية الجنس، وكانت تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، ورغم أنه لم يُذكر عنها الكثير في الأناجيل، ولا حتى اسمها، إلا أن بعض المصادر التاريخية تطلق عليها اسم "كلوديا بروكولا".
رأت السيدة كلوديا، حلمًا مفزعًا جعلها تتألم كثيرًا ليلة صلب المسيح، ولذلك أرسلت إلى زوجها أثناء المحاكمة تحذره من عواقب الحكم على "ذاك البار" كما وصفته، إلا أنه كشخصية سياسية يهتم بإرضاء نزوات الجماهير الغاضبة، لم يستمع إليها ومضى في طريقه.
تذكر بعض المصادر، أن السيدة كلوديا كانت شخصية جيدة، وتعتبرها بعض الكنائس قديسة.
المشهد الثالث: بيلاطس وهيرودس
مشهد آخر، يضيفه القديس لوقا في إنجيله، نستطيع مع خلاله استكشاف شخصية بيلاطس السياسي الذي يستغل كل الظروف إلى صالحه، حتى لو كانت هذه الظروف على حساب "بار"، فيؤكد أنه أثناء محكمة المسيح، اشتكت الجماهير بأنه يهيج الشعب ضد حكم الرومان في اليهودية والجليل، وهنا تساءل بيلاطس: "هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟"، وعندما عرف هذه المعلومة، أرسله إلى هيرودس، حاكم الجليل، والذي كانت بينه وبين بيلاطس عداوة، وبهذه اللفتة، استطاع بيلاطس أن يكسب ود عدوًا له، حيث يقول القديس لوقا: " وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا".
نهاية مأساوية للحكم
استمر حكم "البنطي"، لمنطقة يهوذا حوالي 10 أعوام، ولكنه كان شديد القسوة، وافترش طريق حكمه بالجثث، ووقعت الكثير من الفتن، ولم يستطع إرضاء الجماهير الغاضبة التي قدم لها المسيح قربانًا، وفي نهاية حكمه احتاج إلى المال، لإقامة قناة مياه تغذي أورشليم، فابتز اليهود للحصول على أموال القرابين، كما أقام تماثيل للقيصر في هيكل أورشليم، ما سبب هياجا بين اليهود، وأثار الفتن والثورات التي حاول السيطرة عليها بالقمع، والقوة، فقتل الكثير من اليهود.
عندما تولى كاليجولا الإمبراطورية الرومانية، انتزع حكم منطقة اليهودية من أيدي بيلاطس، وأعطاها لهيرودس حاكم الجليل، والذي كان غريمًا لبيلاطس، وصديقا بعد محاكمة المسيح.
نهاية بيلاطس
تعددت الروايات حول نهاية بيلاطس، بعضها يقول إنه تاب ورجع عن طريقه، وألقى باللوم على اليهود، بل وأصبح شهيدًا على اسم المسيح، وبعضها يقول إنه تم عزله ونفيه إلى إيطاليا، وإجباره على الانتحار، وتشير بعض المصادر القبطية إلى أنه أقيل من وظيفته لقسوته وقد نفي إلى فرنسا ومات هناك. ويقول بعضهم أنه مات منتحرًا.