وضع وباء كورونا الجديد علماء العالم في موقف حرج، وكشف قلة الاستعدادات التي تم التحصن بها لمواجهة كارثة فيروسية كهذه، وظهر ذلك جليا من خلال المعلومات الخاطئة أو الناقصة التي ظهرت في البداية بشأن أعراض المرض وطرق انتقاله.
 
وظهر فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان الصينية أواخر العام الماضي، وخلال أقل من شهرين، انتقل منها إلى معظم دول العالم، ليربك الأنظمة الصحية ويضع العلماء في مأزق.
 
ومع بداية ظهور الفيروس، بدأت المعلومات تتضارب بشأن طريقة ظهوره وانتقاله للبشر، إذ ذكرت تقارير بأن مهد المرض هو سوق للحيوانات في ووهان، حيث يحتك البشر بشكل مباشر معها، فيما قالت تقارير أخرى أنه انتقل إلى البشر نتيجة أكل بعض الحيوانات والقوارض، مثل الخفافيش والفئران، كما يحدث في الصين.
 
لكن حتى الآن، لا توجد رواية رسمية مؤكدة بشأن الطريقة التي انتقل فيها كورونا من الحيوانات إلى البشر.
 
تخبط علمي
ومع مرور الوقت وتضارب المعلومات وتزايد الإشاعات، اتجه العالم إلى المنظمات الصحية الرسمية، التي تعتمد بدورها على العلماء والإحصاءات الرسمية من الدول، أملا في الحصول على معلومات موثوقة، إلا أن هذا كشف خللا في تلك المنظمات.
 
ففي بداية انتشار "كوفيد 19"، وتحديدا في العاشر من يناير، قالت منظمة الصحة العالمية إن "الأدلة تشير إلى محدودية أو عدم انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان"، وهي معلومة ثبت خطؤها بجدارة، مع إصابة أكثر من مليوني شخص حول العالم حتى الآن.
 
وبعد أيام من ذلك الإعلان، ومع تسجيل 41 إصابة مؤكدة، قالت المنظمة  إنه "ربما كان هناك انتقال محدود من شخص لآخر"، محذرة من خطر حدوث "تفش أوسع".
 
أعراض غير معروفة
أما فيما يتعلق بأعراض المرض، فقد اعتقد العلماء في البداية أنها تقتصر على الحمى والجانب التنفسي، كون خطر الفيروس يكمن في أنه يهاجم الرئتين، مما قد يؤدي لحدوث التهاب رئوي الذي يهدد بدوره بالموت.
 
لكن مع تزايد الإصابات حول العالم، بدأ المرضى يكشفون الأعراض الأخرى التي تصيبهم، ليتضح أن خطر المرض أكبر مما تصور العلماء.
 
وشملت قائمة أعراض كورونا غير التنفسية: مشاكل في القلب، والصداع الشديد، وفقدان حاستي الشم والتذوق، وتهيج الجلد، والشعور بتخدير في الجسم وخاصة الأطراف، وظهور كدمات على القدمين.
 
وتعد أخطر الأعراض، إلى جانب الالتهاب الرئوي، تلك المرتبطة بالقلب كونها تهدد حياة الإنسان بشكل مباشر.
 
وقالت دراسة في مجلة "جمعية الطب الأميركية"، إن أكثر من واحد من كل 5 مرضى في مدينة ووهان، أصيبوا بأضرار في القلب نتيجة فيروس كورونا.
 
وكان بعض هؤلاء المصابين بالفيروس، يعانون بالفعل مشكلات في القلب، بينما واجه آخرون المشكلات القلبية بعض كورونا، بحسب موقع "لايف سينس" العلمي.
 
وهنا أيضا احتار العلماء، إذ يشير الأطباء إلى عدد من الفرضيات التي ربما تفسر الأمر، مثل أن معاناة القلب بدأت بسبب غياب الأكسجين الكافي لعملية ضخ الدم في الجسم.
 
وربما يكون وراء الأضرار التي لحقت بالقلب أن فيروس كورونا غزا القلب مباشرة، أو أن الجسم في معركة التصدي للفيروس حرّك الخلايا المناعية التي هاجمت القلب.
 
اللقاح.. وعجز الإمكانيات
أما فيما يتعلق بالعلاج، فقد كشف هذا الجانب أيضا القصور الذي تعاني منه المؤسسات العلمية والبحثية حول العالم، التي تحاول جاهدة للتوصل إلى لقاح ينهي معاناة العالم.
 
واعتقد العلماء في البداية أن استخدام أدوية خاصة بمشكلات صحية أخرى، قد يشفي المرضى من كورونا، مثل أدوية علاج الإيدز والملاريا، إلا أنها لم تحقق نجاحا مع جميع المرضى.
 
ويعد التوصل إلى لقاح لكورونا، أكبر تحديات المجتمع العلمي العالمي، الذي أطلق مجموعة من التجارب وصل بعضها إلى المرحلة السريرية، أملا في القضاء على كورونا.
 
لكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى لقاح. وأكد علماء أن هذا الأمر لن يحدث قبل حوالي عام أو عام ونصف من الآن، كون الخطوات معقدة وستحتاج إلى العديد من التجارب الناجحة قبل أن تحصل على موافقة الهيئات الخاصة والحكومات، لاستخدامها على نطاق واسع على البشر، خوفا من وجود أعراض جانبية.
 
ما بعد الشفاء
ولعل أهم النقاط المتعلقة بالفيروس، مرحلة ما بعد الشفاء التي لا يزال العلماء غير قادرين على فك شفرتها بشكل قاطع حتى الآن، إذ عاد المرض للظهور على أشخاص تماثلوا للشاء وخرجوا من المستشفيات.
 
واختلفت النظريات بين الأطباء بهذا الشأن، إذ رأى البعض أن السبب هو خلل في نظام الفحص الذي خضع له المريض قبل خروجه من المستشفى، الذي لم يكشف عن وجود الفيروس في الجسم، فيما اعتبر آخرون أن الفيروس كان في "حالة خمول"، قبل أن يعاود نشاطه مجددا داخل الجسم.
 
كل هذه البيانات وغيرها الكثير، كشفت تواضع القدرات العلمية عالميا، وأثارت وابلا من الانتقادات للحكومات بسبب تواضع الإنفاق في المجال الطبي، الذي جعل العلماء غير قادرين على مواجهة هجوم مفاجئ من فيروس جديد.