إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسية يوم 7 برمودة من التقويم القبطي الموافق 15 ابريل من التقويم الميلادي بتذكار نياحة القديس مقروفيوس ؛ وهو واحد من آباء الرهبنة الكبار الذين عاشوا في القرن الرابع الميلادي . أما عن مقروفيوس نفسه ؛فهو ابن حاكم مدينة فاو ؛ وأثناء وجود القديس ساويرس الانطاكي في مصر ؛وكان يتجول في أنحاء الصعيد ؛وعندما وصل الي مدينة قاو ؛ كان القديس مقروفيوس ضمن الوفد القائم بخدمته ؛ولقد صحبه في رحلته إلي أحد الأديرة القريبة من المنطقة ؛ وهناك أعجب القديس مقروفيوس بقداسة الرهبان ونسكهم ؛ فطلب من رئيس الدير أن يوافق علي رهبنته عنده ؛ فبين له رئيس الدير صعوبة الرهبنة ومشاكلها ووعورة الطريق ؛ خصوصا أنه أنه حاكم الولاية وقد تربي علي مستوي معين من المعيشة المرفهة . ولكن القديس مقروفيوس أصر أكثر علي الرهبنة ؛فوافق رئيس الدير غير أنه طلب منه أولا أن يترك وظيفته ؛ فعاد مقروفيوس إلي قصر الولاية وعين شقيقه مكانه ؛ ورجع ولبس لبس الرهبنة ؛ ولما علم أخوته الثلاثة بولس وإيلياس ويوسف بما فعله جاءوا غليه وطلبوا هم أيضا أن يترهبنوا مثله ؛فقام رئيس الدير برهبنتهم هم أيضا .
ولقد تدرج في حياة الرهبنة حتي وصل إلي رئاسة الدير ؛وقام بتشييد عدة أديرة في المنطقة وتجمع عنده أكثر من ألف راهب ؛كما قام بتشييد عدة أديرة للراهبات بلغ عددهن ألف راهبة ؛ ولقد أنعم الله عليه بمواهب الشفاء ؛فكانوا يحضرون إليه المرضي من كل نوع ؛ووصل خبر سيرته إلي البابا ثيؤدوسيوس (536- 567 م ) بابا الكنيسة القبطية رقم 33 ؛ فكتب إليه يمتدحه ويشجعه علي الثبات والفضيلة والنسك ومحبة الغرباء ؛حتي أنه دعاه إلي زيارة مدينة الإسكندرية ؛ ولما ذهب عنده حضر شعب الأسكندرية كله لنوال بركته ؛ ثم قام برسامته قسا . وبعدها عاد مقروفيوس إلي أديرته ؛فتلقاه شعب المنطقة بالتراتيل والتسابيح ؛ ولقد أجري الله علي يديه معجزات شفاء عديدة ؛ ولما اكمل جهاده تنيح بسلام ؛وتجمع حوله عدد كبير من أهالي المنطقة والمناطق المجاورة ؛وقام شقيقه الانبا يوساب بتكفين جسده ؛ ثم خلفه في رئاسة الأديرة .ولقد سمح الله بظهور جسده الطاهر بعد نياحته بحوالي 733 سنة علي يد كاهن الدير ؛ وكان أسقف المنطقة يدعي الأنبا يوساب ؛فقام الأب الأسقف بإخراج الجسد من مقبرته بالجبل ونزل به إلي كنيسة الدير وهناك دفنوه بالتراتيل والتسابيح ؛ وكان ذلك في يوم 7 طوبة .
أما عن دير العذراء بالجنادلة ؛ فهو أحد الأديرة الأثرية الهامة بالصعيد التي قام بتأسيها القديس مقروفيوس ؛وعن سبب تسمية الدير بالجنادلة ؛يرجع أن الدير محوط مجموعة من الصخور والأحجار تشبه الجنادل ؛ ولقد أسس القديس مقروفيوس خمسة أديرة متجاورة هي ( دير البلايزة البحري – دير البلايزة القبلي – دير دكران- وادي سرجة أو جبل سرجة – دير الجنادلة ) . ومعظم آثار الدير عبارة عن مغارات قديمة منحوتة في الجبل غالبا بعضها علي الاقل يرجع للعصور الفرعونية أستعملها الرهبان كمساكن لهم . ويتميز دير الجنادلة بإرتفاعه عن مستوي سطح الأرض ويحيط به سور كبير يجمع بداخله قلالي متناثرة ؛ ويوجد تقليد قديم متوارث أن هذا المنطقة قد مرت بها العائلة المقدسة أثناء هروبها الي مصر ؛ويوجد بالدير بئر أثري ترجع للقرون الأولي للمسيحية علي عمق 45 متر في أرض صخرية .
ولقد كتب العلامة المقريزي عن هذا الدير الأثري فقال عنه تحت أسم "دير أبي مقروفة " فقال " أبو مقروفة أسم للبلدة التي بها هذا الدير . وهو منقور في لحف الجبل ؛وفيه عدة مغاير ؛وهو علي أسم السيدة مريم ؛وبمقروفة نصاري كثيرة ؛غنامة ؛ورعاة ..... الخ " . ( عبد المجيد دياب :- تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛ دار الفضيلة ؛ صفحة 170 ) .
كما كتب عنه الرحالة فانسليب ( 1635- 1679 ) في كتاب "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ؛ فقال عنه " في بلاد الداناجلة ] دير الجنادلة [ نحو الغرب ؛دير علي جبل ؛وكنيسة علي اسم السيدة العذراء ؛ وفي أسفلها كنيسة القديس ميخائيل رئيس الملائكة "( فنسليبو :- تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ؛ ترجمة وديع عوض ؛تقديم محمد عفيفي ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1005 ؛2006 ؛ صفحة 158 ) .
كما كتب عنها القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي الصغير (1848- 1935 ) في موسوعته الشهير "تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين "فقال عنه تحت أسم "دير الجنادلة " " وهناك بلدة تدعي ناحية دير الجنادلة بمديرية أسيوط .وهناك كنيسة الملاك ميخائيل بالدير قديمة .وكنيسة القديس مقروفيوس . وكنيسة العذراء بالجبل . ذكر في سجل الكنائس في كرسي أبو تيج . (عبد المسيح المسعودي :- تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين ؛ الطبعة الثانية أغسطس 1999 ؛ صفحة 143 ) .
ولقد اشار إليه الدكتور رؤوف حبيب إشارة عابرة في كتابه "تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الإنسانية علي العالم " تحت عنوان " أديرة أخري منتشرة حول ضواحي أسيوط " في سطر واحد قال فيه " دير الجنادلة بمركز أبي تيج بأسيوط وفيه قبة كنيسة مقروفيوس .( الكتاب السابق ذكره ؛صفحة 158 ) .
كما ذكره المتنيح الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر في موسوعته " الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي أسوان " تحت رقم "116 " حيث قال عنه " يقع هذا الدير 3 كم غرب قرية دير الجنادلة جنوب غرب أسيوط علي طريق الغنايم ..... ومعظم آثار هذا الدير عبارة عن مغارات قديمة منحوتة في الجبل (غالبا ما كانت المحاجر فرعونية ) أستعملها الرهبان كمساكن لهم .أما كنائس الدير فأهمهم الكنيسة الكبري لسيدة العذراء المنتحوتة كلها في الصخر عدا الحائط الشرقي للهيكل فهومن المباني داخلها بعض الأجزاء الحجرية المزخرفية القديمة ؛وعلي جوانب الحوائط الصخرية للكنيسة خاصة في السقف توجد فريسكات قديمة مطموسة من الدخان .وفي منتصف الصحن قبة صغيرة منحوتة وملونة بشكل القوقعة . والكنيسة الثانية شرق الكنيسة الاولي من تسع قباب متساوية :ثلاث للهياكل وستة للحصن في صفين كخورس " ( الكتاب السابق ذكره صفحة 54 ).
ومن أحدث الموسوعات التي كتبت عن الدير موسوعة " الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " للدكتور جودت جبرة ؛ترجمة أمل راغب ؛ حيث قال تحت عنوان " دير الجنادلة " حيث قال " بني دير الجنادلة علي محاجر فرعونية تفع غرب قرية الجنادلة علي بعد نحو 25 كيلومتر جنوب مدينة أسيوط ...... ودير الجنادلة به كنيستان ؛إحدهما ترجع إلي القرن التاسع عشر الميلادي ؛ والأخري أقدم عمرا وتحمل أسم العذراء مريم . ويفصل بين الكنيستين ممر ضيق يفضي إلي المدخل المؤدي للجزء الجنوبي من الكنيسة القديمة . ويرجع البناء بالطوب الموجود بالهيكل إلي القرن التاسع عشر الميلادي ؛ولكن استخدام المحجر ككنيسة تم قبل ذلك ..... وتوجد حنيات منحوتة علي كل حوائط المحجر ؛تمتاز بقبابها البديعة والجملون الذي يعلوها ....... والرسومات الجدارية الأولي تعرضت في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين إلي اللصق عليها والرسم من فوقها . وزينت في هذه المرة بصور قديسين وملائكة ؛ وعلي الحائط الشمالي صورة تناول التلاميذ حيث يقف المسيح خلف المذبح بصفته كاهنا ؛ ويقسم الخبز والنبيذ علي تلاميذه : وتم ترميم الجداريات ؛مع الأسف بواسطة أشخاص غير متخصصين ؛ففقدت الكثير من معالمها .ولكن علي الرغم من تلفها ؛لا تزال جودة الطبقة الأولي للجداريات ظاهرة " ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 270) .
أما آخر مرجع ذكره ؛فهو – في حدود معلوماتي - فهو كتاب "المسيحية القبطية في ألفي عام " لأوتو مينارديس ؛ حيث قال عنه " يقع دير العذراء علي بعد كيلو مترين جنوب قرية دير الجنادلة ؛مباشرة بعد مدينة صدفا ؛ وعلي بعد ستة وثلاثين كيلو متر جنوب أسيوط ؛والدير محاط بسور من ثلاثة جوانب بينما الناحية الغربية سورها هو الجبل ؛وتقع كنيسة الرسل الجديدة (1865) في القسم الشمالي الغربي ؛ثم بعدها بمسافة قصيرة يوجد باب مقبرة قديمة ؛ ويمكن رؤية هذه الكنيسة بقابها الثلاثة من مسافة بعيدة ؛ وللكنيسة ثلاثة هياكل : البحري علي أسم القديس مكراوي ؛ والأوسط علي أسم القديسين بطرس وبولس ؛والقبلي علي أسم مارجرجس ؛وتقع كنيسة مغارة السيدة العذراء غربي الكنيسة الجديدة ؛وبنيت هذه الكنيسة بمدخل أحد المحاجر القديمة ؛ ويوجد عدد من الرسوم الجدارية في أقصي غرب المغارة . ووفقا للتقاليد المحلية ؛فأن هذه الكنيسة كانت موضع إقامة متوحد شهير ؛ في حين أن تربط بعض التقاليد الأخري بين هذه المغارة وبين زيارة العائلة المقدسة ؛ حيث إنها المغارة التي استراحت فيها العائلة المقدسة " ( لمزيد من التفاصيل : راجع الكتاب السابق ذكره ؛ صفحة 247 ) .
ويذكر موقع "حكاية دير من الأديرة " موجود علي شبكة الأنترنت نشر بتاريخ 22 مايو 2014 ؛ أنه يوجد بالدير كنيستنان أثريتان هما كنيسة القديس بطرس وبولس بنيت حوالي سنة 1765م تقريبا ؛ ولها تسعة قباب وثلاث هياكل . أما الكنيسة الثانية ؛فهي عبارة عن مغارة منحوتة في الجبل يرجح أنها قد تكون جاءت اليها العائلة المقدسة واستراحت بها ؛ويوجد بالكنيسة الأثرية ثلاث خوارس هي ( خورس المؤمنين- خورس الموعوظين- خورس التائبين ) .
وفي تحقيق خاص لجريدة وطني حول دير السيدة العذراء بجبل الجنادلة ؛نشر بتاريخ 26 يونية 2015 . وفي حوار خاص مع نيافة الحبر الجليل الأنبا أندراوس أسقف أبو تيج ؛ ذكر نيافته أنه في بداية الألفية الثانية قامت المطرانية بالتعاون مع هيئة الآثار المصرية ؛بترميم الكنيسة الأثرية من الشروخ وتقوية الأساسات ؛كما تم عمل تنظيف ميكانيكي ثم كبميائي للنقوش والرسومات الملونة داخل الكنيسة الاثرية ؛وتم تبليط الفناء وإقامة دورات مياه حديثة . وأضاف نيافته أنه في أثناء القيام بأعمال الترميم تم اكتشاف قنينة من الفخار بداخلها زيت الميرون ؛ ووجد أسفل السور الشمالي معمودية من الحجر كبيرة الحجم وتعتبر أول معمودية من الحجر في كنائس وأديرة مصر الوسطي ؛ ووجد أيضا سلم منحوت في الصخر يربط بين فناء الدير وملحقات الدير الخارجية ناحية الشرق حيث توجد البئر وأجزاء متبقية من القلالي . كما ذكر القس تادرس القمص تيموثاوس راعي الكنيسة أن نيافة الأنبا أندراوس كلفه ببناء استراحة كبيرة وبيت خلوة بعد تزايد أعداد الرحلات وزوار الدير . وأشار إلي ان الدير يقوم بزراعة عدة أفدنة من الزيتون وبعض أحتياجات الدير .
وفي عيد تذكار السيدة العذراء حالة الحديد الذي يوافق 21 بؤؤنة الموافق 28 يونية؛ كذلك أيضا خلال صوم السيدة العذراء في المدة من 7 أغسطس حتي 22 أغسطس ؛ تقام بالدير أحتفالات كبري تمجيدا للسيدة العذراء . حيث تنصب الخيام وتقام الصلوات والتماجيد .
بعض مراجع وأسانيد المقالة :_
1- جودت جبرة ؛الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ؛ ترجمة أمل راغب ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 1844 ؛2016 .
2- تقي الدين المقريزي :- تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛ دراسة وتحقيق عبد المجيد دياب ؛ دار الفضيلة ؛1995 .
3- جوفني ميكليه فنسليبو :- تقرير الحالة الحاضرة لمصر ؛ ترجمة وديع عوض ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ المشروع القومي لترجمة ؛ الكتاب رقم 1005 .
4- عبد المسيح المسعودي :- تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين ؛ دير السيدة العذراء البراموس ؛الطبعة الثانية أغسطس 1999 .
5- ماجد موسي :- تحقيق مصور عن دير الجنادلة نشر بجريدة وطني بتاريخ 26 يونية 2015 .
6- حكاية دير من الأديرة :- موقع علي شبكة الأنترنت منشور بتاريخ 22 مايو 2014 .
7- أوتو مينادريس :- المسيحية القبطية في ألفي عام ؛ ترجمة مجدي جرجس ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم ( 2353 ) ؛ سنة 2019 ؛ صفحة 247 .