جديد الموقع
وكلمات الثورة يسرقونها أيضاً
نشهد اليوم كوارث لعبة السياسة، يلعبها جميع الخيول فى الحلبة من مختلف الأطياف، لا يخجلون من الاعتراف بأنها لعبة تحكمها المصالح، لم يخجلوا من التهليل للمجلس العسكرى والمجلس الاستشارى والمجلس الإخوانى، ثم الانقلاب على أنفسهم، والاعتراف بأن العسكرى كان خدعة، والاستشارى كان خدعة، والبرلمانى والإخوانى والسلفى وعرس الديمقراطية كانت خدعة، ولجنة الدستور كانت خدعة وننتظرهم ليعلنوا (بعد فوات الأوان) أن الانتخابات الرئاسية كانت خدعة. إذا انخدع أقطاب السياسة، وفقهاء القانون، ومن يسمونهم الشخصيات العامة فماذا عن الشعب الذى لم يتعلم، أو تلقى تعليما أشد تجهيلا من الجهل؟
أحد أقطاب النظام السابق، من المتنافسين فى الانتخابات الرئاسية، الذى شارك ويشارك فى إجهاض الثورة مع المجلس العسكرى والمجالس الأخرى المولودة منه، يعلن أنه لا يسعى إلى منصب الرئيس، بل لأنه يحب مصر، ويريد إنقاذ الثورة، هذه هى السياسة كما يفهمونها، «فن الممكن» فكرة خادعة، تهبط بالسياسة إلى ما يسمى «مستنقع البراجماتية النفعية»، تسلب من الشعوب قوتهم الثورية، فالثورة تقوم على «فن المستحيل»، الثورة لا تختلف عن الجنون إلا أنها عاقلة، عقلها مبدع متمرد، يكسر قوقعة العقل الخانع المطيع.
سياسة الممكن ترضى بالمكاسب السريعة، مثل كرسى الرئاسة أو كرسى البرلمان، كرسى المجلس الاستشارى، كرسى الجمعية التأسيسية للدستور، كرسى فى الحزب، أى كرسى. يؤمنون بأن الغاية تبرر الوسيلة، لكل منهم وجهان، وجه يتملق الثورة، ووجه آخر يتفاوض «سرا» مع السلطة الحاكمة فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، الثورة لا تعرف هذه اللعب السياسية، الثورة هى التمسك بالمبادئ على حساب المصالح، الثورة هى تحدى السلطة الفاسدة ودفع الثمن، الثورة هى كسر المحظورات والمحرمات واختراق الخطوط الحمراء المفروضة، بقوة السلاح والتخويف والتخوين والتربية والتعليم. تحت اسم الحكمة والاتزان والاستقرار والأدب والطاعة والفضيلة استطاع الملوك والأباطرة والرؤساء أن يحكمونا بالحديد والنار، تحولنا إلى عبيد وجوار وإماء وأجراء، أصبح الإبداع جريمة، والثورة هى الشطط، والتطرف، والفوضى، والتبعية للغرب، والإباحية، وعدم احترام كبير العائلة أو رأس الدولة. أصبح رئيس الدولة هو رب العائلة، له السلطة المطلقة، يستمد قدسيته من رب السماء، يحق له قتل معارضيه، بتهمة الكفر والخيانة الوطنية.. تختلف درجة العقاب حسب قوة الأحزاب الدينية فى البلد، فى الغرب انكمشت قوة الكنيسة منذ عصر النهضة، لكن الأحزاب الدينية المسيحية واليهودية تملك الأموال والشركات والنفوذ السياسى الدينى فى كثير من البلاد حتى اليوم. تم إجهاض معظم الثورات الشعبية فى التاريخ، لم يتخلص العالم من ديكتاتورية النظم الطبقية الأبوية الدينية حتى اليوم، لم يتخلص العالم من الحروب والاستعمار الخارجى والداخلى، لا يختلف باراك أوباما عن كارتر وكلينتون وبوش إلا فى التفاصيل، كذلك لا تختلف جولدا مائير عن بن جوريون ونتنياهو، وهل يختلف الخديو والسلطان والملك عن السادات ومبارك وسرور والكتاتنى والمشير وشرف والجنزورى؟
قاد آية الله الخمينى بلاده بعد الثورة إلى الحكم الديكتاتورى الدينى، الذى لا يقل طغيانا ودموية وفسادا عن حكم الشاه الامبراطورى، الاستعمار الأوروبى الأمريكى أدرك بالخبرة دور التدين السياسى فى إجهاض الثورات الشعبية، التى تنشد العدالة والمساواة بين الناس، دون تفرقة على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة، تعاون جورج بوش مع أسامة بن لادن و«طالبان» فى إجهاض الثورة الاشتراكية فى أفغانستان، ثم انقلب عليهم، بعد أن استغنى عنهم، فضربوه، تعاون السادات فى مصر مع التيارات الإسلامية ضد الحركات الناصرية والاشتراكية، ثم انقلب عليهم، فاغتالوه. الثورة تقوم على الشجاعة والصدق، الثوار والثائرات يخرجون بعد الثورة مقتولين، مسحولين، عرايا ممزقى الملابس، لا يفوز واحد منهم بمقعد فى أى مجلس، وإن فاز فسرعان ما يفقده بتهمة ملفقة، العمل الثورى مثل العمل الإبداعى لا يفكر فى العواقب، لهذا لم ينل مبدع أو مبدعة أى منصب أو جائزة دولة.
الثوار والثائرات ماتوا فى السجون والمنافى، شربوا السم، أو انتحروا أو تم إعدامهم أو إقصاؤهم، من سقراط إلى جاليليو إلى أبى العلاء المعرى إلى جان دارك إلى فرجينيا وولف ومى زيادة ودرية شفيق وأروى صالح، وغيرهم ثوار وثائرات يناير وفبراير ٢٠١١، اتهموا بأنهم عملاء للغرب أو خونة للوطن، تم إيداعهم السجون، نالوا التعذيب البدنى والنفسى، بعضهم يطالبون بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية، التى يجرى طبخها وراء الأبواب المغلقة، لكن رجال السياسة المتمرسين على اللعبة، يقبلون الحلول الوسطى، وما يسمونه الأمر الواقع، يروجون لبعض المرشحين تحت اسم أنهم محسوبون على الثورة، أو تحت اسم التجربة، «قد نكسب أو على الأقل لن نخسر شيئا»، منطق المكسب والخسارة أدى إلى تقسيم قوى الثورة، وإلى كارثة الانتخابات البرلمانية، وكارثة الجمعية التأسيسية للدستور، التى يهرول للترشح لها زعماء فن الممكن والبراجماتية، كما يهرولون إلى الانتخابات الرئاسية، التى تجمع أقطاب النظام السابق وأقطاب النظام الحالى فى سلة واحدة، كلهم ينفقون الملايين من الأموال فى الدعاية الانتخابية، من أجل حبهم لمصر والخدمة العامة، وليس لخدمة مصالحهم الخاصة، كلهم حاربوا النظام السابق، وكلهم مع إنقاذ الثورة المجيدة، لا يسرقون دم الثوار فحسب بل كلماتهم الثورية أيضا.
نقلا عن المصري اليوم
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :