بقلم: القس بيمن الطحاوى


أخوتي.. يجب أن تضعوا نصب أعينكم أن مفهوم الشخصية القوية كما يدعو إليه المسيح ويقدمه الإنجيل، يختلف عن المفهوم الذي يقدمه العالم..
‏    فالنموذج الذي يقدمه العالم للشخصية القوية يدور حول الإنسان: (جسمه، مواهبه، قدراته، ماله، مركزه، شهاداته، ذكاؤه، معلوماته، سلطاته، علاقاته...) وبقدر ما يمتلك الإنسان من هذه العوامل بقدر ما يزيد نفوذه وتأثيره وقوته، ولأن معظم هذه العوامل يركز علي القوة الخارجية (أي التي مصدرها خارج الإنسان) يظل الإنسان طول عمره يلهث وراءها بحثا عن قوته المنشودة، ولكن هيهات له أن يشبع،

فالإنسان - كما يقول أحد الفلاسفة - بئر من الرغبات، والكتاب يقول أن "كُلُ مَن يَشرَبُ مِن هذا المَاءِ يَعطشُ أيضا" (يو 4 ‏: 13 ‏).


‏    أما النموذج الذي يقدمه الله فهو يدور حول شخص المسيح: فالمسيح هو مصدر قوة الإنسان المؤمن الحقيقية، وسر نجاحه وسلطانه وتأثيره "وأما كُل الذين قبلوهُ فأعطاهُم سُلطاناً أن يَصِيرُوا أولادَ اللهِ" (يو 1 ‏: 12 ‏)، وبقدر ما يتحد الإنسان بشخص المسيح، بقدر ما ينهل من مصادر القوة اللانهائية في شخصه، والتي جمع فيها بين إمكانيات الإنسان المحدودة، وبين عمل النعمة اللامحدودة "أستطيعُ كُلَ شئٍ في المسيح الذي يُقَويني" (في 4 ‏: 13 ‏)، ولأن معظم هذه العوامل يركز علي القوة الداخلية (أي التي مصدرها عمل الروح القدس داخل الإنسان) يتمتع الإنسان بسلام عميق في رحلة حياته، سعياً للطموح ولمزيد من النجاح "لأن اللهَ لم يُعطِنَا رُوح الفَشلِ، بل روح القُوةِ والمَحبةِ والنُصحِ" ( 2 ‏تي 1 ‏: 7 ‏).

    لاحظوا معي.. أن النموذج الذي يقدمه العالم يركز علي الإنسان في مواجهة الآخرين، ويفترض أن قوة الإنسان تزداد بمقدار تفوقه علي الآخرين، وبالتالي يعلي من قيمة المنافسة، وشعاره "البقاء للأقوى" ولذلك فهو يكرس معني الصراع من أجل التفوق والسيادة.
‏    أما النموذج الذي يقدمه الله فهو يصالح بين الإنسان ونفسه من جهة (القوة الداخلية)، وبين الإنسان والآخرين من جهة أخري (القوة الخارجية)، وبقدر ما ينعم الإنسان بهذه المصالحة المزدوجة بقدر ما ينجح في تحقيق ذاته، من خلال الله ومع الآخرين، لا علي حساب الآخرين.، وهذا النموذج لا يرفض المنافسة، ولكنه يضعها في إطار صحي، يتفق مع القيم الإنسانية العالية، وفي إطار روحي سليم.


‏    النموذج الذي يقدمه العالم قد يركز علي جانب واحد أكثر من بقية جوانب القوة التي ذكرناها، ويسعي من خلاله، علي تأكيد معني القوة وتعويضها.. فهو مثلا قد يركز علي المال كقوة قادرة علي شراء كل شئ (حسب تفكير البعض).. وقد يركز علي المعرفة والذكاء كوسيلة للوصول، بصرف النظر عن المبادئ أو الأخلاق، وشعاره في هذا، المبدأ الميكافيلي: "الغاية تبرر الوسيلة".
‏    أما النموذج الذي يقدمه الله فهو نموذج متكامل، يؤكد علي معني التوازن بين متطلبات النجاح في الحياة العملية والاجتماعية، وبين الأمانة في طاعة الوصية والشهادة لله بالسلوك والفعل، وكلما تجسد هذا التوازن في شخصية الإنسان ومعاملاته، كلما ظهرت قوة شخصيته وأزداد تأثيره في الآخرين.
 
‏    وأخيراً أعزائي..

فالشخصية القوية يمكن اكتسابها من خلال التعلم والممارسة، وكل منكم الآن مدعو لأن يتمتع بشخصية قوية مؤثرة، فأنت تحظي بإمكانيات هائلة وقدرات غير محدودة، لا يتمتع بها أولاد العالم، وهذه الإمكانيات تؤهلك لأن تكون - بحق- شخصية قوية "كَتَبتُ إليكُم أيُهَا الأحدَاثُ، لأنكُم أقوِيَاءُ، وكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَة فِيكُم، وقد غَلبتمُ الشريرَ" ( 1 ‏يو 2 ‏: 14 ‏)، فقط عليك أن تكتشف عناصر القوة والتميز فيك مهما كانت بسيطة، وتضعها بين يدي الله، وتسعي لتطويرها وصقلها، وتثابر وتكافح في سبيل ذلك، و "إلهَ السمَاءِ يُعطِينَا النجَاحَ، وَنَحنُ عَبيدُهُ نَقُومُ وَنَبني" (نح 2 ‏: 20 ‏).