فضفضضات كورونوية !
بقلم اخوك وصديقك وبلدياتك الأب الدكتور ناجى اثناسيوس حنين
أستيقظت هذا الصباح ’ ياصديقى ’ بعد أن بللت فراشى بدموعى أذ تذكرتك لأننا مقبولون على من كان سببا أن تركتنا "بكير " كما يقول أصدقائك الشوام . يهوذا تلميذ السيد . صار يهوذا تذكرتك الى السماء " لم يشاء القدر أن تعيش معنا هذه الأيام لأنه خشى أن تجول تبشر بالفرح والملكوت فى وقت الوباء الذى هرب فيه القس والشيخ والحاخام حسب قول الشاعر المغربى" .’ اذا احببته ولم تحقد عليه بل سعيت لتجد له مكانا على صدر المسيح . لم تكن تعرف فى بساطتك أنه تم وضع قاموس جديد للعلاقات فى كنيستك يرفع من يشاء ويذل من يشاء ويكرم من يشاء ويهمش من يشاء ’كنيستك التى أحببت وصدقت أنها "أم الشهداء الجميلة " مقبلة على نهضة كبرى على يديك وأيد الحفنة التى اختارها الروح ليخرجها لتسير على أثار الكلام الالهى الذى احببته وكنت تحفظ معظم اسفاره عن ظهر قلب ’ والمعاش فى النساك الحقيقيين والرهبان الساجدين بالروح والحق والمشروح بريشة الأباء والعلماء والساكن فى قلب شعب الله فى الجماعة المقدسة فى تاريخ الناس ’ كل الناس .سعيت أن تؤكد حب السيد ليهوذا وشركته معه فى العشاء الأخير وسهرت الليالى تفتش فى بطون الكتب ’ وغيرك نيام مع أهل الكهوف وليس كهف واحد ! حتى تثبت أنه جلس الى المسيح على مائدته لأنك فهمت مع الفاهمين والمتألهى العقول والقلوب الذين يضيئون كالجلد’ فهمت ’ ما لم يفهمه الكثيرون أن يسوع لا يحقد على أحد ولا يبيت تار لأحد ولا يعزل أحد ولا يشلح احد ولا يحرم احد ولا يشهر بأحد حتى ولو أمسك فى ذات الفعل . كنت تعلم أنك تتعاطى وتسكن بين مسيحيين بلا مسيح !. لم يكن سعيك عاطفيا ساذجا عشوائيا بل أكاديميا ساجدا موثقا .نحن مقبلون على اسبوع الألام الذى عشته فى جسدك سنينا وليس أياما .
ان نسيتك يا اخى ورب نعمتى لأنك أنت الذى لم تمل أن تدعونى الى لقاء السيد "من أجل خلاص نفسك" كما كنت تقول لى بحب منقطع النظير وابتسامة يملأها الأمان والفرح الباطنى ’أوقل أن نسيتك فلتنسى يمينى وليلتصق لسانى بحنكى وينكسر قلمى أن لم اذكرك . ولكن ذكراك تنكئ جراح لا يريدها ولا يطيق سماعها من اعتادوا على قتل الانبياء ’ وتفتح ملفات لا يمكن أن تظل حبيسة عقول خائفة وأقلام مرتجفة ونفوس منافقة وكذابين زفة قرروا نسيانك أولا لأنهم أعتادوا على "قتل القتيل والمشى فى جنازته ! " كما يقول شعبنا الطيب الفهيم ’ وثانيا والأهم لأن ذكراك تعنى التفكير وقرأة التاريخ ’ وهذا أمر لم يعتاد عليه من قتلوك ’ بحس ناقد وليس ناقم وتفتيش الكتب فى زمان ردئ عفت فيه عقول الكبار عن التفتيش والبحث كما قال المسكين متى ’ وأنت ’ أنت ’ ابن الانبياء لأنك تعلم وانت العالم بمداخل ومخارج الكتاب الألهى من تكوينه الى رؤيته ’ أى من بدء مأساة البشرية الى يوم انطلاقها للقاء السيد فى اليوم الأخروى الاسخاتولوجى ’ تعلم أن النبى هو المعلم حسب العهد الجديد ’لهذا قتلوك وذبحوك بسكين ناعم وجوانتى أبيض ’ وهو مثل القناع الذى نرتديه للوقاية من الوباء وهو لا يفيد شيئا كثيرا حسب الأطباء ’ قناع الحفاظ على العقيدة من أمثالك المارقين ’ قتلوك بعد أن ظنوا أنهم كرموك - بين المذبح والهيكل ’ ألم يقتل أسلافهم أول بطريرك بيزنطى لمصر بعد الانشقاق عام 451 داخل الهيكل ومثلوا بجثته وضعوا اللبنات الاولى "للاهوت الانتقام ". أخى ’ أنا لا أنعيك بل أنعى نفسى اذ فقدت أخ وسند ’ وربما لو أنك بقيت على قيد الحياة ’ لتغيير مسار حياتى وحياة الكثيرين . أنا لا أنعيك بل أبكى دما على من لوثوا ايديهم بدمك البرئ ’ ليس لذنب اقترفته ولا لأنهم أمسكوك فى ذات الفعل ’ هذه لا تشكل لديهم خطيئة اذا اعتادوا عليها ’ خطيئتك الكبرى أنك سعيت لتحفر أبار المعرفة القديمة برؤية جديدة لمواجهة قضايا واسئلة عاصرتها ولم يعتادها القدماء ولا يريد أن يصدقها ويبحثها المحدثون "النعمة" الذين قاموا بردم أبار النعمة وريحوا دماغهم ويا دار ما دخلك شر الفكر اللاهوتى وكفى الله أهل الكهف شر البحث والتفكير وأهلا بالجهل والتكفير ! ’ أنت لم تسع للمعرفة العقلانية والتى لا تلمس الجسد كله لمسات شفاء وأن لمست العقل قليلا ’ بل سعيت الى المعرفة الاختبارية الوجودية واللوغوسية العذراوية ’ حسدوك لأنك عشت وبشرت ببتولية لم يعيشوها أو يلمسوها بأيديهم ! كنت بتولا حقيقيا ولم تعرف هذه العذراوية السمجة الهوجاء والنفسانية الساقطة والتى صارت وسيلة للارتزاق للكثيرين ولقمة عيش ! لقد عشت ما عاشه وعلم به الأباء وهو "اللاهوى" الأباثيا حسب اللغة اليونانية التى أحببتها وتعمقت فى سبر غورها .
لقد رأيناك بتولا حقيقيا وسط أصدقائك فى اليونان ممن أحبوك من الشباب والصبايا والذين كانوا يرون فيك مثالا ونبراسا ومبشرا ونذيرا ورجلا .لم يهتز لك جفنا أمام الحسناوات من صبايا سوريا ولينان اللواتى جئن الى بلاد افلاطون وأبيوقراطوس وباسيليوس ليدرسن الطب واللاهوت والصيدلة والذين كن يحيطون بك بفرح بحب واحترام ودالة يستمتعون بالدم المصرى الخفيف والروحانية القبطية العميقة فى بساطتها والبسيطة فى عمقها ’ حسب تعبيرهن ’ وكأنهن وجدوا فيك الشاب المثالى ولسان حالهن يقول "ليت يكون لى زوج مثل هذا الشاب المصرى "! ولكنك كنت قد أخترت طريقا أخر أفضل ! كما يقول حبيبك بولس . كنت لا تمل من الابتسامة الراقية والشافية فى زمان الاكتئاب . لا تحلوا لنا لقمة بدونك وبدون صلاتك العفوية والتى تمطرنا بالبركات والتى كانت تصعد الى السماء كبخور بلا وساطة اذ كنت انت وسيطنا . كنا نشعر بأنه لا يوجد مسافة بينك وبين السماويين . تحاكيهم كأنك تراهم ويرونك ..كنت عجيبا فى بساطتك حتى انك لم تتخلى عن نهج وتعبيرات خادم مدارس الاحد حتى تعثر فيك السطحيون منا وأحبك الأنقياء القلوب والفاهمون من اليونان ورومانيا وغيرها وفى نفس الوقت جالست البسطاء فى شرق الترعة ! فاكر ! وكنت عميقا عمق الأباء الكبار حتى عاشرت علماء اللاهوت وأكابر المطارنة والكهنة فى بلاد الاغريق .لقد جمعت بين بساطة الفلاحين وانت خريج كلية الزراعة -جامعة المنيا ’ وعمق الفهماء ’ربما كان العرب يقصدون أمثالك حينما قالوا فى كتابهم الكريم "وهم لا يستكبرون". لأنهم وجدوا فيك اللاهوتى الذى يبحث عن التواصل ويقيم جسورا ولا يشيد حوائطا وسجونا ويصنع زعامات مزيفة على جثث الأخرين . كان يقبل على سماع عظاتك
المسلم قبل المسيحى وكنا نقبل معا الى تحية المسلمين فى أعيادهم وحينما كان أعيان سمالوط يقومون بدعوة كروان مصر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الى سمالوط لتعزية المؤمنين كنا اليهم ونأكل معهم الفته الساخنة !لأنك أدركت مع سيدك أن المسلمين هم أيضا أحباء المسيح ومدعوون الى مائدة عشائه وقد قالت كتبهم فيه ’ حسب ظروف زمانهم ’ قولا حسنا للذين يفقهون !. كانت الحركة فى السويقة وعلى كوبرى سمالوط شرق تكاد تتوقف حينما تعبر وتصر على السلام على كل واحد وواحدة بأسمائهم من ام مصطفى بائعة الخضار الى الاستاذ فلان والدكتور علان . كنت كسيدك تجول مبشرا صانعا خيرات وليس خيرا واحدا . الناس تموت مرة وأنت ذقت ميتات كثيرة ’ مت حينما قررت أن تميت الأهواء مع الشهوات وتعيش بتولية كانت ’ يومها ’ عملة نادرة ’ ومت حينما أطعت الأمر الالهى بأن " اخرج من أهلك .."فخرجت خروجا ابراهيميا تاركا أهلك وعشيرتك وخالتى أم مجدى تتعشم لك عروسا ولها أحفادا وخاصة أنك البكر بين أخوتك ’ ومت حينما قررت الاستغناء عن متع أثينا ’ والتى تسببت فى عود
نصف البعثة الرهبانية القبطية فى أثينا لدراسة اللاهوت واللغة اليونانية الى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر بسبب "الخوف من العثرات"! ’ كما مت حينما قررت العودة وتسليم نفسك الى الكنيسة ورفض البقاء فى حركة التكريس "عشان قداسة البابا ما يزعلش " حسب تعبيرك " ’ ومت حينما سلمك ’ جواسيس النظام ’ بعشرين من الفضة " لمحاكم تفتيش جديدة" كنت تظن وظننا معك أنه باتت تاريخا ولى وأننا فى عهد جديد !ظننت وهنا ’ يا صديقى ’ كل الظن أثم ’ أنه عهدا جديدا قد هل على أم الشهداء حيث يصول اللاهوتى ويجول كما علماء الكنيسة الكبار فى المدينة العظمة الاسكندرية ’ يزرعون فكرا ولاهوتا وحرية فكر وخلاصا !ومت حينما "أوثقوك ومضوا بك ودفعوك الى رئيس الكهنة "’ ليس لأنك تدعى بأنك ملك ’ ولم تنتقد سلطة ولم تتحدى قيصر كما فعل غيرك من الهاربين ’ بل أحببت مصر حبا ملك عليك كيانك وقرأت تاريخها لتجد له مكانا على صدر السيد مع باقى ثقافات العالم ’ يومها ’ التى اتسع لها صدر اللوغوس ’’ ’ لقد فرحت فرحا كبيرا حينما قرأت لك بحثا باللغة الفرنسية يؤكد بأننا لو قررنا حذف اسم مصر وأرضها وشعبها وثقافتها وحكامها وخيراتها من الكتاب المقدس لوقع الكتاب ! أذكر أنك قلت لى مضيفا ومصححا الباحث الفرنسى " نتكلم بشريا بالطبع " ’بل أوثقوك لأنك أحببت أحد تلاميذ السيد ’ يهوذا ’وسعيت لكى ترد له اعتباره العلمى والتاريخى واللاهوتى فى وقت تجنى عليه الجهلاء منا ’ ومت حينما قررت "الصمت" كسيدك ’ أمام عتاة هذا الدهر من الحكام ورؤساء الكهنة ’ وصرت كشاه تساق الى الذبح ’ المسيح مات مرة واحدة ’ وأنت مت مرات على يد مهرة فى القتل النفسى والمعنوى !
ولكنك مت مرة أخرى حينما ظن البعض أنهم كرموك ’ اذا صرت مطرحا لتصفية حسابات منها اللاهوتى ومنها الشخصى والغير اللاهوتى بين نيافة الانبا بفتوتيوس مطران سمالوط والبطريرك قداسة البابا شنودة ’ ظن الانبا بفنوتيوس أنه يكرمك ’وله الشكر والفضل’ ولكن كرمه حبسك فى سمالوط وأنت الذى أعتدت أن تجول القطر مبشرا بالكلمة وشارحا لها عبر تطورها التاريخى ’ وأنت الدكتور المتخصص فى العهد الجديد ’ مت حينما حملت عبء صراع الكبار! ولم يحتمل كتفيك الرقيقتين وليس لك علم بعلوم الكر والفر وتصفية الحسابات وكيد الرهبان ! وأنت لا تملك سوى قلما بين ضلوعك وركبا منحنية ’ وهم يتنعمون ! هم كانوا لك كل شئ لأنهم أباء الكنيسة ’ وأنت كنت ملفا منسيا ! مت نفسيا وجسديا قبل رحيلك . وحينما حضرت الى مصر فى انتقال أبى "عمى اسحق " كما كنت تناديه ! هللت معزيا ولكن بوجه شاحب وهمة منهارة وابتسامة باهتة وارادة منكسرة ! وحينما طلبت منك كلمة عزاء تمتعت بعفة وأنت الذهبى الفم وواعظ الكرازة ! ولهذا اختطفك الرب وأنت تعظ عن الملكوت فى احد
الجنازات وسكت قلبك الطيب ’ ولم يتحسر عليك أحد سوى أهلك وقلة ممن أحبوك ونالوا النعمة على يديك ’ ومثلك فى الكنائس الراقية تقام لهم الذكرى لعلها تنفع المؤمنين . ما لا تعرفه يا صديقى وأقوله للتاريخ لأنه فى زمن الكورونا ’ التى تحصد الأخضر واليابس ’ لا يحق لأحد أن يصمت ولعلها فرصة اخيرة أو الفرصة الأخيرة ليس للمهاترات والوعظ التافه الانتقامى والنجومية الكاذبة والحوارات التافهة والسطحية والعبث بالعلم وأهانة أهله تحت اعتبارات والتفسيرات عشوائية التى لا تمت للاهوت الكننيسة بصلة لا من قريب ولا من بعيد ولاهوت تحت السلم ’ بل الفرصة الوحيدة للمصارحة والتوبة العلمية وفتح الملفات ورد الاعتبارات والقضايا المسكوت عنها حسب تعبير يوسف بك سيدههم ’ لعل السماء تعطف علينا ولا سيكون الحق مع من يقول انه غضب الله ليس على أبناء المعصية هذه المرة بل على أباء المعصية!!! أقول لك لى صديقى بأننى قد سمعت مطرانا كبيرا كان له دور كبيرا فى صلبك وقتلك ’ حينما أعلمه كاهن من المقربين وأهل الثقة ’ وكنا فى أثينا معا ’بأن "عرفت يا سيدنا بان أبونا صموئيل وهبة مات !" رد بحبور شديد " قداسة البابا لم يفرح فى حياته مثل ما فرح بخبر وفاة ابونا صموئيل !!!". لعله من حسن طالعك أن الذين لم يفهموا فكرك اللاهوتى قد فرحوا بموت الناسوتى ’ تماما مثل مع فعلوا مع سيدك اذا انكروا عليه ان يشاركنا فى كل شئ ! وها هم يتخبطون ! اذا اسلمهم الله الى ذهن مرفوض ! انسانك الذى وان مات الا أنه حى فى لاهوت سيدك القائم دوما . سلام يا صاحبى .