هاني لبيب
أحزننى كثيرا رحيل العالم الجليل د. زقزوق'> محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، وعضو مجلس حكماء المسلمين، وعضو هيئة كبار العلماء، وواحد من أهم علماء الأزهر الشريف ورجاله، وقد استطعت تكوين صورة تدريجية للدكتور زقزوق مع تكرار مقابلاتى معه منذ 2004 تقريبا، حيث وجدت فيه الإنسان والفيلسوف وعالم الدين الحقيقى المتسامح، الذي يعبر عن الإسلام المصرى بوسطيته وضد التطرف والتعصب والتشدد.
مازلت أتذكر العديد من الإسهامات الفكرية للدكتور زقزوق، ومن أهمها كلمته امام معسكر القيادات الشبابية الجامعية ببورسعيد في نهاية شهر يوليو 2009. إذ أكد فيها أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسى للتشريع، وأن اختزال الشريعة الإسلامية في مجرد تطبيق الحدود التي لا تتجاوز في مجملها 3% من نصوصها يعد فهماً قاصراً لجوهر الإسلام، وأن الإسلام جاء بمقاصد سامية لشريعته، وهى حماية النفس والمال والعقل والدين والنسل، ولم يكن جزاراً يقطع الأيادى ويرهب الناس ويثير الفزع.. لأنه في حقيقته دعوة لرحمتهم والتيسير عليهم. وهذا الكلام يعنى بالتبعية أن سمو الشريعة الإسلامية يرتكز بشكل أساسى على كونها مقاصد عليا، وليست للترهيب والخوف. كانت هذه رسالته إلى العديد من الأطراف التي تقوم باستغلال الحديث عن المادة الثانية بالدستور لافتعال أزمات وتوترات سواء بالاتفاق والدفاع أو بالاختلاف والهجوم بدون وجه حق. وعلى سبيل المثال: الفئة الأولى التي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، كحدود بشكل مباشر، مع إهمال مرونة تلك الشريعة وتسامحها مع تطور سياق التعامل معها. والفئة الثانية التي تطالب بتطبيقها حرفياً سواء على مستوى قطع يد السارق أو على مستوى قتل المرتد، وهو ما يصبغ عليها ما ليس لها حسب تأكيد د. زقزوق. والفئة الثالثة التي تتجاهل سماحة الشريعة الإسلامية. وفى الوقت نفسه تدعى أنها تطالب بها وتعمل من خلالها. والفئة الأخيرة التي تحاول إقحام الشريعة في العمل النقابى مثلما حدث حينذاك في فعاليات نقابة المحامين وانتخاباتها، وما ترتب على ذلك من دعوات طائفية متبادلة لوجود لجنة للشريعة المسيحية.
وهو ما يعنى أن العديد من الفئات تتحدث عن الشريعة الإسلامية وتستغلها فيما ليس من صحيحها أو أهداف تطبيقها وطبيعتها التي ترتبط بسياق تاريخى واجتماعى لا يمكن إغفاله من جهة، ولا يمكن توظيفه واستغلاله من جهة أخرى. ولقد دلل د. زقزوق على ذلك بظاهرة شيوخ الستالايت ودعاة الفضائيات الذين استطاعوا أن يفسدوا على الناس حياتهم بالإفراط في التحريم، وتحويل الإسلام إلى قائمة من المحرمات والمحظورات.. في حين أنه لا يوجد في الإسلام ما يمنع المسلم من التمتع بمباهج الحياة طالما التزم بآداب الإسلام وأخلاقياته.
وأذكر له أيضاً تأكيده أن قضية المسلمين الأولى في العصر الحاضر تُعد قضية حضارية، لذلك فالحضارة فريضة إسلامية من شأنها أن تمسح عن المسلمين عار التخلف ووصمة الأمية والجهل، مشيرًا إلى أن الحضارة بوصفها فريضة لا تقل عن أي فريضة أخرى من فرائض الإسلام، وأن العمل من أجلها يُعد عبادة لله، مشددًا على أن هذه القضية بالنسبة للمسلمين أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
نقطة ومن أول السطر..
يمثل د. حمدى زقزوق مدرسة الإصلاح الدينى داخل المؤسسة الدينية الإسلامية في العصر الحديث.
نقلا عن المصرى اليوم