فاطمة ناعوت
«اعرفْ عدوّك».
عبارةٌ جميلة قالها الإمامُ على بن أبى طالب. فلن تستطيعَ هزيمة خصم، إلا حين تعرفه حقَّ المعرفة حتى تحدِّد نقاط ضعفه، ثم تضرب. «اعرفْ نفسك»، مبدأٌ خطير قاله الفيلسوف «سقراط»، لأن معرفة الكون تبدأ من معرفة الذات. والحقُّ أن معرفة النفس ومعرفة الخصم هما السلاحُ الأول في أي معركة. دون ذلك السلاح المزدوج مستحيلٌ أن تنتصر في معركتك. والمعركة الدائرة الآن ليست بين إنسان وإنسان، ولا بين بلد وبلد، ولا حتى حرباً عالمية بين تحالفات دولية وأخرى، إنما هي حرب ضروس بين فيروس ضئيل لا محلَّ له من عالم الحجوم المرئية، وبين الجنس البشرى بكامله. حربٌ تهدّد بفناء «الإنسان»؛ لولا رحمة من الله، ولولا علم علماء الكيمياء الحيوية والفارما، وجهد وبسالة الطواقم الطبية في أرجاء الأرض. علينا، نحن المستهدفين من قِبل هذا العدو، الاعتزال والنظافة والرياضة. وعلينا كذلك التزوّد بمعرفة «العدو» ومعرفة «النفس»، حتى ننتصر في تلك المعركة الكونية.
وصلنى ما يلى من حقائق حول طبيعة «العدو» وطبيعة «الجسد البشرى»، من أحد علماء الكيمياء الحيوية.
كوفيد ١٩ ليس كائنًا حيًّا، بل غشاء بروتينى وكروموزومات. ينتقل ولا يتكاثر إلا إن تشبث بخلية حية. خلايا الرئة هي المكان الوحيد الذي يستضيفه ليحيا. ينتقل عبر «الرذاذ» من شخص لآخر، أو من يدك لأنفك، ثم للقصبة الهوائية، استعدادًا للتسلل إلى الرئة. بمجرد دخوله الحلق يُقابل بشلال من «اللعاب» يدفعه نحو «المعدة» التي تسحقه بأحماضها، فيموت فورًا. لهذا يحاول الفيروس التشبّث بجدار الحلق (ألم الزور) ويمتص اللعاب (جفاف الحلق)، لكى ينجرف مع هواء الشهيق نحو الرئة. هنا تأتى أهمية شرب الماء الدافئ بكثرة حتى نُجبر الفيروس على دخول المعدة. الآن ينتبه المخ إلى الغازى المتطفل، فيرفع درجة حرارة الجسم (السخونة)، حتى يحشد قوى المناعة والأجسام المضادة ضد العدو الدخيل. ويحدث أحيانًا أن ينجح الفيروس ويدخل الرئة، ويبدأ باحتلال أي خلية، فيتحول فورًا إلى «كائن حى»، ويبدأ في التكاثر، محوّلاً دار السكن: «الخلية» إلى مصنع فيروسات. هنا تبدأ المعركة الحقيقية. يبدأ خط الدفاع داخل أجسامنا: «جيش كرات الدم البيضاء»، في محاولة فك شيفرة الفيروس لخلق أجسام مضادة مناسبة لهذا الفيروس تحديدًا. ضغط الدم المنضبط واللياقة الجسدية وقوة القلب هي الضمانات لضخ الدم بقوة لدحر العدو وهزيمته. هنا تتجلّى أهمية الغذاء الجيد والرياضة، مع الاستمرار في الاعتزال في البيوت. الخوف والتوتر والقلق والإنصات للشائعات السلبية، جميعها أسلحة قوية في يد الخصم، لأنها تُضعف عزيمة جيشك الربانى المدهش، وتعرقل جنوده عن استئناف المعركة.
تعود بضع كتائب من جيشك: «كرات الدم البيضاء» مهزومة، ولكنها تحمل معها عيّنات من الفيروس، لدواعى الدراسة. يبدأ الجهاز المناعى (معمل الكيمياء الحيوية داخل جسمك)، في دراسة العينة وفكّ شيفرتها لتصنيع أجسام مضادة AB: AntiBodies، مختصة بـ كوفيد ١٩. ثم يعود جيشك بهذا المصل إلى أرض المعركة: «الرئة»؛ ليفتك بالعدو. لكن عملية فك الشيفرة ثم التصنيع قد تستغرق أيامًا، ربما يتوفى المريض أثناءها لو كان ضعيف البنية أو مريضًا بأمراض أخرى، أو طاعنًا في العمر. ولكن في معظم الأحيان ينتصر الجسم البشرى المعجز. ولهذا يحاول العلماءُ الآن استخراج مصل ضد كورونا من بلازما المرضى الذين تعافوا وانتصروا على الفيروس اللعين. أكثر من ٨٠٪ من المصابين ينتصرون على الفيروس دون حتى أن يشعروا. وحوالى ١٥٪ يخضعون للحجر الصحى ويتعافون تلقائيًا بمجرد العزل. ثم حوالى ٢٪ يدخلون العناية المركزة ويتعافون تمامًا. ويتبقى ٢٪ من كبار السن وذوى المناعة الضعيفة أو الأمراض المزمنة هم من يهزمهم الفيروس. ويقضى عليهم.
الخلاصة:
أسلحتك هي: الانعزال- النظافة- الرياضة- الغذاء الصحى- النوم الجيد- التفاؤل.
أسلحة خصمك: الاختلاط- عدم النظافة- الكسل- قلة النوم- التوتر وتصديق الشائعات.
الحكومة المصرية تبذل جهدًا أسطوريًّا وجادًّا ومحترمًا للحفاظ على أرواحنا. وعلينا أن نكون على قدر ذلك المستوى من الجدية ونحافظ على أنفسنا.
تحية احترام لجميع مؤسسات الدولة المصرية التي تضافرت جهودها من أجل حماية المواطن المصرى. تحية إعلاء للجيش الأبيض النبيل: جميع العاملين في الطاقم الطبى الذين يصلون الليل بالنهار لنقل المصابين وإسعافهم ورعايتهم حتى يتعافوا. تحية إعلاء لعلماء العالم الذين لا يبرحون معاملهم من أجل ابتكار مصل نحارب به العدو المستجد. وتحية احترام لشركة Medtronic التي أسقطت حقوق الملكية الفكرية لأجهزة التنفس الصناعى لكى يُتاح تصنيعها في جميع دول العالم. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم