عادل نعمان
وما كان يجب علينا أن نذكر الناس وأنفسنا كل حين أننا لسنا دعاة هدم، ولا مقاولى أنفار استحضرتنا شياطين الكفر لنجور على ديننا الحنيف، أو نحتل مسجدا عمارا لنقيم كنيسة أو معبدا أو قلاية، أو نزيح المصلين من صفوفهم ليقيموا طقوسا أو ترانيم أو مراقص أو مغانى، وفى المجمل لا نهدم أركان دين لحساب الآخر، ولا نتجمل لحساب إبليس من أباليسهم، ولا نقبض من الغرب كما قبض إخواننا من وهابى الشرق، إلا أننا نشعر بحاجة الناس إلى التأكيد والتثبيت، وما لنا من محيص، ورقنا مكشوف للجميع، نراهن على الحوار والجدال، وعلى العلم والعقل، وعلى وعى الناس القادم ليس غير. وكلما زادت المواجهة شراسة، وكشروا عن أنيابهم، وتلمسوا سيوفهم، وأسرفوا فى التأثيم والتجريم، وأطلقوا لجحافلهم فحش القول وقبح الفعل، قلنا والله أعلم نحن على صواب وهم على إثم، ونحن على رشد وهم على زيغ، وسرنا واستكملنا ما نروق له وما نهتدى بهديه، وإذا سكتوا وسكنوا وخنسوا، فلا يسعدنا ولا يفرحنا غيابهم ولا نأمن تمترسهم، فنمر مرور الكريم المنتصر فتصيبنا سهام اللئيم المستتر المنهزم، والمهزوم شرس إذا فككت قيوده، أو هرب دون إقرار أو تصديق أو أسر.
ولا أظن أن هذا الهدوء وهذه الدعة إلا انتظارا لنتائج الحرب الدائرة رحاها على اتساع الكرة الأرضية بين العلم وهذا الوباء، فإذا انتصر العلم قالوا نصرنا المبين، وعلمنا المتين منذ قرون انصرمت، وبشرنا به أسلافنا، فهذا هو البلاء فى صفحة مائة وهذا هو الدواء فى الصفحة السابقة، فهذا وباء الكورونا نائم فى حضن الكتب منذ قرون خرج عليكم عند الواحد والعشرين، وهذا هو الترياق فى هذا الإناء وهذا الإبريق، تحت أسرة الأولياء الصالحين، وربما قد سهى وغفل علينا الأمر، ولم ننتبه حتى نعلن عنهما فى حينه، حتى نجنب العالم كل هؤلاء الضحايا، وهذا عهدنا بهم فى كل المحن والأوبئة، يتسربون علينا من الجحور بعد المعركة وينسبون الفضل لأنفسهم، ويحيلون الداء والدواء لتراثهم، ولم تكن كتب التراث، كتب طب أو هندسة أو كيمياء، بل كتب دين وعبادة، فإذا انتصرنا على كورونا كان انتصار العلم، وإذا أخفق فى هذه المرحلة، لن يتوقف حتى يقضى أمرا كان مضمونا ومؤكدا، وليس هذا البلاء إلا امتحان لقدرة البشر والعلم، ولا يصح أبدا أن يقف التلميذ للمراقب فى لجنة الامتحان يدعوه ويتوسل إليه أن يجيب عنه إذا كانت عصية على الحل، هذا ولله المثل الأعلى، الاختبار من الله، واللجنة بين يديه، والعلم علمه، والعلماء إحدى أدواته الإلهية، وكورونا ليس فوق مستوى العلم، بل أقل منه بكثير، وليس فوق قدرة البشر، بل الأضعف، والامتحان على قدر العلم وقدرته، والعقل وطاقته، منتصر لا محالة، ليس اليوم فقط بل اليوم وغدا.
وما جاءتنا محنة كورونا إلا لتكيد لهؤلاء كيدا عظيما، وتكشف وتعرى زيف ما يدعون، هلا سمعت عن أحد مشايخنا يخرج علينا يحمل عن بعضنا عبئا أو نصيبا مما نعانى أو ونكابد؟ هل تبرع أحدهم لفقير أو لمسكين أو لمستشفى؟ أو رفع عن كاهل مريض دواء، أو معسر دينا، أو صرح أحدهم عن أسهم زكواته وصدقاته؟ وقد قالوا لنا إن الإعلان عن الزكاة، والجهر بأنصبتها، والكشف عن أسرارها على الملأ، سنة حميدة يتنافس فيها المتنافسون، ويتحاسد عليها الصالحون، وتحرضهم على الاتباع والاقتداء، وكانوا هم أولى بهذه، بدلا من الراقصين والممثلين ولاعبى الكرة، فإذا كنا نبحث عن نبل الهدف والقدوة، وعن صدق الطريق ونزاهة وحلال المنتهى، فليتقدموا الصفوف، ويرفعوا الرايات، إلا أنهم قد فضلوا المال وكنزه على الاقتداء بهم، وشح الجيب على صلاح الأحوال، هم من أولهم لآخرهم يدعون الناس إلى البر وينسون أنفسهم، ويطالبون الناس بالزهد ويتخمون بطونهم بما لذ وطاب، أرأيت أحدهم يوما خالف هذا وكسر القاعدة وكان كريما يوما أو بعض يوم؟ كورونا يعيد تشكيل العالم.
ويضبط الأولويات والأسبقيات، ونبدأ من العلم والتعليم أولا، وصحة المواطن وتربيته ثانيا، والثقافة وتنمية الذوق العام ثالثا، والانضباط والالتزام بالقانون رابعا، إصلاح المنظومة الإدارية خامسا، الاهتمام بتوصيل المرافق الحيوية للمناطق الأكثر فقرا سادسا، وهلم جرا، وتبدأ وتنتهى عند مظلة العلم، سيفرض العلم قريبا سلطته وسطوته وبروتوكولاته العلمية على العالم، تلزمه باتباعها والالتزام بها، ولن تترك للدول حق صياغة مستقبلها بعيدا عن الصيغة العالمية، فقد ثبت أن العالم كما يتبادل المصالح فهو يتبادل الكوارث، مما يجعل العالم يضبط ترتيب الأولويات ترتيبا عالميا، ولا نقصد بالعلم والعلماء المنظومة الطبية فقط، بل نقصد أن يتقدم العلم كل صفوف الدولة وقطاعاتها، الطبية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وكل مناحى الحياة، ولا نجاح إلا بالعلم والعقل والخبرة والانضباط والإتقان، وهى تجربة مرت علينا وستمر بسلام، نرجو أن نتعلم الدرس جيدا، تعالوا لا نتراجع عن العلم، ولا يتقدم الصفوف إلا العلماء، بعيدا عن الدروشة، سلمنا جميعا من هذا الشر وهؤلاء أيضا.
نقلا عن المصري اليوم