هاني صبري - المحامي
أثار تفشي فيروس كورونا المستجد " كوفيد 19" حالة كبيرة من الفزع والهلع وذلك مع إزدياد حالات الإصابات والوفيات حول العالم وعدم قدرة الأنظمة الصحية وعجزها علي مواجهة الفيروس، مما أدي إلي قيام الأطباء باختيار من الذي سيحظى بالرعاية الطبية ومن الذي سيترك لمواجهة الموت بسبب كورونا ، وطالبت هولندا وبعض الدول من الأطباء كتابة إقرار من كبار السن بوضعهم على جهاز التنفس الصناعي من عدمه حال إصابتهم بفيروس كورونا ، وأحدث ذلك الأمر أزمة كبيرة داخل كثير من المُجتمعات ، والعديد من دول أوربا وامتدت آثاره لتصل لعدد من دول العالم حيث أطلق على هذه الأزمة فضيحة " الموت الاختيارى" أو "الموت الرحيم" وهو بإختصار شديد عملية إنهاء حياة الشخص من قبل الطبيب أو من يقدم الرعاية الطبية، وعادة ما يقترن الموت الرحيم بحالة ميؤوس منها غالباً ما تكون مرض مستعصي يسبب الكثير من الألم، وتكون نهايته الوفاة على أي حال.
وهذه إشكالية تواجه عدد من دول العالم خلال الفترة الراهنة بسبب تفشى فيروس كورونا المستجد ، تتمثل فى تطبيق دول أوربية وغيرها جريمة القتل الرحيم.
ففى حقيقة الأمر هناك خلافاَ كبيراً على مستوى العالم حول تطبيقه ، وهو من المشاكل القديمة التي تختفي بعض الأوقات ثم تعود إلى الساحة بشدة، وعلى الرغم من إعادة طرح قضية الموت الرحيم في العصر الحديث كقضية أخلاقية شائكة ، ولاسيما بعد حكم المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا التي قضت بعدم دستورية المادة 217 من قانون العقوبات الألماني، والتي تحظر على العاملين في المؤسسات المتخصصة مساعدة المرضى الذين يعانون من أمراض لا أمل في الشفاء منها، وألغت الموت الرحيم.
فِي السياق نفسه نجد أن طرح الجدل حول القتل الرحيم يعود إلى عصر الفلاسفة اليونانيين حيث كان أفلاطون يؤيد إنهاء حياة المرضى بأمراض عقلية أو جسدية مستعصية، فيما عارض الفيثاغورثيون ، لكن قسم أبقراط أبو الطب تضمن الأمتناع عن هذه الممارسة .
وفكرة القتل بدافع الشفقة أو القتل الرحيم خلقت جدلاً عالمياً بين مؤيد لهذه الفكرة ومعارض لها، فالذين يؤيدونها يرون أنها تحد من معاناة المرضى وتنهيها وتحد من معاناة أسرته وأحبائه، والذين يعارضونها يرون أنها تتنافى مع حق الإنسان في الحياة الذي يعد أسمى الحقوق وفقاً لما جاءت به منظمات حقوق الإنسان، كما تخالف القيم الأخلاقية والدينية .
وعلي الرغم من التقدم المذهل الذي حققته البشرية في علوم الطب إلا أن العلم في كثير من الأحيان يقف عاجزا عن علاج الناس وتخفيف آلامهم بسبب بعض الأمراض المستحدثة والمستعصية والفيروسات الخبيثة.
ومع وجود قوانين تسمح بالموت الرحيم في أكثر من دولة منها هولندا، بلجيكا، كندا، وخمس ولايات أمريكية فقط منها واشنطن تصرح به، فإن الجدل الأخلاقي والقانوني والديني، ما زال قائماً حول فكرة إنهاء الحياة بكرامة أو القتل الرحيم.
في تقديري أن القتل بدافع الشفقة أو القتل الرحيم جريمة لاإنسانية، وتمثل جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار، وأن حياة الإنسان يحميها القانون وهي من الحقوق اللصيقة به لا يجوز للإنسان أن يتنازل عنه أو يتصرف فيه كي يبيح للغير إنهاءه، فهو هبة من الله لم يكتسبه الإنسان بل جبل عليه. والأكثرية الساحقة من دول العالم تدين القتل الرحيم وتعتبره قتلاً عمداً يعاقب عليه القانون لأنه يتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية، كما يسيئ استخدامه بهدف الحصول على الميراث أو لدوافع انتقامية أو للتخلص من أعباء المريض الجسدية والنفسية والمادية، وهذه الجريمة اللاأخلاقية لها تداعياتها السلبية علي مواطنيها.