"الحركات الجهادية الإسلامية والكورونا" بقلم المهندس باسل قس نصر الله
مستشار مفتي سورية
حتى ننتقل إلى دور الفيروس "كورونا" في فهم الصِراع العالمي، علينا أن نُراجع بعض الأفكار التي أسوقها لكم.
أدّت إنتصارات الثوار في الدول المستعمَرة في الخمسينات والستينات إلى توليد أسطورة مفادها أنه لا توجد قوة يمكنها الوقوف في وجه أي حركات ثورية تستخدم حرب العصابات في المناطق الريفية، أو الحروب الإرهابية في المدن.
ولكن حين أرادت الأجيال الجديدة من "الثوار" الوصول الى النجاح نفسه من خلال الأساليب ذاتها ضد حكومات بلدانهم، فشلوا بشكل عام، فأعداؤهم الآن أناس من أهل بلادهم وليسوا "غرباء"، ونتيجة استخدامهم للعنف الشديد، فقد أوصل ذلك، غالبية السكان إلى نتيجة مفادها أن أيّ نظام بغض النظر عن مدى قساوته وفساده أفضل لهم من هؤلاء الثوار.
لذلك توصلت هذه الحركات الإسلامية المتطرفة، إلى نتيجة مفادها: أنها تحتاج إلى عدو أجنبي، ومن المستحسن أن يكون هذا العدو كافراً، بحيث يبرروا أعمالهم بأن أمم الكفر قد اجتمعت على المسلمين .. فهذه هي معركتهم الجديدة، إنها معركة كبرى شبيهة بمعارك الإسلام، وبدأوا الترويج بخروج الصليبيين - الاميركيين - لقتالِ المسلمين باسم مكافحة الإرهاب.
تبنّى أسامة بن لادن هذه الأفكار ونقلها معه بعد خروجهِ من السعودية إلى السودان - وسيتم استقباله مع مجاهديه – ثم انتقاله الى أفغانستان في العام 1996، حيث استفادت حركة "طالبان" من تحالفه معها – مع حركته القاعدة التي أسسها بين 1988 و 1990 - في إلحاق الهزيمة بكل منافسيها على السلطة وبقيت هي متربعة عليها.
وأعلن الجهاد على الغرب في شباط 1998 تحت عنوان "الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين"، وهذا الجهاد تمَّ على شكل فتوى:
"إن حكم قتل الأميركيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين رعلى كل مسلم في كل بلد متى تيسّر له ذلك"
جاءت الهجمات التي نُفِّذت على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في آب 1998، حيث أدى ذلك إلى وقوع عدد كبير من الضحايا (264 قتيلاً وما يُقدّر بأربعة آلاف جريح) لكن 12 فقط من القتلى كانوا من الاميركيين، فكانت إستجابة إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون متواضعة، ولم تزِد عن إطلاق بعض صواريخ الكروز على السودان وأفغانستان.
كان دفع الولايات المتحدة الأميركية الى القيام بردة الفعل الكبيرة – إحتلال دول ذات غالبية إسلامية – يتطلب عدداً أكبر بكثير من الضحايا، فكانت هجمات 11 أيلول 2001، بعد ثلاث سنوات، وقُتل بها حوالي 3000 شخص – الغالبية العظمى منهم أميركيون – أمام أعين مواطنيهم على شاشات البث المباشر في التلفاز.
وكلنا نعرف الأحداث التي تلت ذلك من احتلال العراق وأفغانستان وانفجار الحركات الإسلامية الجهادية الحركية في العالم، وهو ما أدى إلى وضع ميزانيات مرهقة للدول التي تحدث فيها الأعمال الإرهابية.
اليوم فجأة تغيَّر العالم ،أصبح العدو هو "فيروس كورونا".
إن الإصابة بكورونا - الذي اجتاح العالم فجأة - تحتاج من المريض العناية ضمن مصحَّات وأجهزة طبية ومشافي كما يتطلب من الناس كلهم زيادة الإنتباه على نظافة وتعقيم كل شيء.
إن الحركات الجهادية الإسلامية – وهي الغالبية العظمى من الثورات – أو الحركات السياسية الثورية الأخرى، تتواجد في الجبال أو العراء وضمن شروط لا تعتمد النظافة أو التعقيم، وعدم وجود مشافي مُجهزة تجهيزاً قياسياً، مما سيؤدي إلى وفيات متسارعة بينهم، وسيؤدي هذا الأمر إلى حدوث غليان بين المدنيين الذين يعيشون في كنفهم، وهم يرون تخبط هؤلاء الجهاديين وعدم إمكانية مساعدتهم، وهو ما سيؤدي بدوره إلى احتكاكات وانقلابات بينهم، سيلغيهم أو يُضعفهم في أفضل الأحوال، مما يحدّ من نشاطاتهم الإرهابية ذات المستوى العالي من العنف.
هكذا تكون الدول الكثيرة مثل أميركا والغرب، والتي تعاني من الإرهاب، قد ضربت الحركات الجهادية، وأثبتت لشعبها أنها حريصة عليه من خلال الضخ المالي الكبير والإهتمام الصحي والاجتماعي والخدمي به، وجعلت الدول الأخرى تدور في فلكها للحصول على شفاء شعبها من فيروس كورونا أو غيره من الفيروسات المستقبلية.
اللهم اشهد اني بلغت