بقلم :  فيفيان فايز

لم يمت قداسة البابا شنودة الثالث. لكنه رقد. رقد على رجاء القيامة. أغمض عينيه لآخر مرة وإنطلقت روحه الى السماء فى أسعد وأجمل رحلة يقوم بها قداسته بعد رحلات العلاج الكثيرة التى قام بها فى الآونة الأخيرة، وبعد الرحلات الرعوية التى قام بها الى بلاد المهجرطيلة حياته كبطريرك للكرازة المرقسية. أغمض سيدنا عينيه فإنطلقت روحه أخيراً بعيدا عن هذه الأرض بزحامها وضوضاءها وصراعاتها وإنقساماتها وحروبها ومشاكلها الى السماء حيث السلام والهدوء والصفاء والفرح والتهليل. أغمض سيدنا عينيه فإنطلقت روحه الى السماء فإرتاح بذلك من جبال المسئوليات التى كانت ملقاة على عاتقه، إرتاح قداسته من الضيقات والإضطهادات والمشكلات والطعنات التى كانت تصيبه من كل صوب وحدب حتى من بعض أبناء الكنيسة.


 معادلة صعبة :
على الرغم من هذه الطعنات والإنتقادات لن يستطع أحد أن ينكر أنه رجلا فريدا لا تجود الحياة بمثله كثيرا. الكل يعلم الجوانب المتعددة لقداسة البابا شنودة الثالث الذى كان راهبا وناسكا متوحدا وشاعرا وصحافيا وكاتبا ومعلما وعلامة وأسقفا وبطريركا ودبلوماسيا وسياسيا وذا كاريزما نادرة. بجانب كل هذا وذاك كانت حياته الروحية بسيطة وعميقة فى آن واحد. كان غارقا فى الروحيات ومتعمقا فى المعرفة العامة ذا ثقافة موسوعية وله اهتمامات أدبية وفكرية وعلمية وهى معادلة صعبة ، فقليلين هم الذين يستطيعون تحقيق التعمق الروحى والتعمق الثقافى والفكرى معا.


حياته عظة :
قد تكون عزيزى القارىء من محبيه أو من معارضيه ولكنك لن تستطع أن تنكر أن هناك العديد من آيات الكتاب المقدس التى عكستها حياته، أذكر منها:
    "أحبوا أعدائكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا الى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم" متى 5: 44
    "أذكر خالقك فى أيام شبابك" جامعة 12: 1
    "أنتم ملح الأرض" متى 5: 13
    أنتم نور العالم" متى 5: 14
    "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات" متى 18 : 3
    "إقتن الحكمة. إقتن الفهم. لا تنسى ولا تعرض عن كلمات فمى" أمثال 4 : 5
    "أنظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم" عبرانيين 13: 7
    "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح" فيلبى 1: 27
    "قد جاهدت الجهاد الحسن. أكملت السعى. حفظت الإيمان" 2 تيموثاوس 4 : 7
    "كثرة الكلام لا تخلو من معصية، أما الضابط شفتيه فعاقل" أمثال 15 : 19
    "ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام". متى 10: 16
    "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، وداعة تعفف" غلاطية 5: 22 - 23
    "وهم لم يكن العالم مستحقا لهم تائهين فى برارى وجبال ومغاير وشقوق الأرض" عبرانيين 11: 38


إعتراف:
أعترف بالتقصير فى التعلم من هذا الأب الروحى. أعترف بعدم تقديرى لقيمة هذا الأب قبل إنطلاقه الى السماء. أعترف أن حادثة انتقاله قد جعلتنى أفكر فى حياتى لأعيد حساباتى وأولوياتى وأعيد ترتيب أوراقى وإهتماماتى. مثلما كانت حياته عظة فكذلك إنتقاله الى السماء.


عين على الماضى وعين على المستقبل:
رحل قداسته وترك شعبه ينظر بعين الى الماضى ويتطلع بعين أخرى الى المستقبل. ينظر الى الماضى بحزن على ذكريات قريبة وبعيدة فى حياة قداسته ،ويتطلع الى المستقبل بتوجس وخيفة مفكرين فيمن عساه يستطيع أن يملأ الفراغ الذى تركه ؟ بدأت التكهنات بالأسماء المرشحة للجلوس على الكرسى البابوى وكثر الكلام عن لائحة عام 1957 وظهرت مطالبات بتغييرها وإعتراضات على هذه التغيرات ، بدأ الرفض لبعض الأسماء والتأييد للبعض الآخر. ومن المفارقات أن نياحة البابا كيرليس السادس وجلوس البابا شنودة الثالث على الكرسى البابوى قد تزامن مع إنتهاء حكم الرئيس جمال عبد الناصر وبداية حكم السادات فالفرق بينهما عام واحد فقط ، و يتزامن الآن إختيار رئيس جديد لمصر مع إختيار بطريركا جديدا للكنيسة وكأن الله يرسل لكل عصر البطريرك المناسب له.


كل ما أرجوه وأتمناه هو ألا تتحول عملية إختيار البطريرك الجديد الى "سباق للترشح لرئاسة الكنيسة".